رغم الغضب الشعبي تجاه حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، صمدت العلاقات بين مصر وإسرائيل في سياق المصالح الاستراتيجية المشتركة واستراتيجية الرئيس السيسي للبقاء في بلاده.
كتبه: خالد محمود
حرره: إريك برينس
مقدمة
على الرغم من الضغوط الرهيبة والمكثفة التي فرضتها حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة المحتل والمحاصر منذ 7 أكتوبر الماضي، فقد صمدت العلاقات المصرية الإسرائيلية، وبقيت اتفاقية السلام المبرمة بين القاهرة وتل أبيب بمنأى عن التحديات التي كادت تعصف بها.
وضع الموقع الجغرافي والاستراتيجي مصر في موقف صعب، فتحقيق التوازن بين علاقاتها التاريخية مع إسرائيل وتضامنها مع القضية الفلسطينية مهمة حساسة. لكن الأمر لم يخل من تداعيات سلبية تتوسع دائرتها بانتظام، وكاشفة عن أنّ هذا الصمود لم يعد مأمون العواقب الوخيمة على الداخلين المصري والإسرائيلي.
وبعد مرور 18 عاماً على سيطرة حماس على قطاع غزة، تواجه مصر معضلة الانقسام الفلسطيني المزمن بين حماس والسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى مخاطر تدهور العلاقات مع إسرائيل عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، بسبب غضب الرأي العام المصري تجاه جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل منذ نحو 10 شهور ضد سكان غزة لدفع حماس إلى الاستسلام.
حماس التي تنجح حتى الآن، في إشعال الحرب الكبرى بين العرب وإسرائيل، خلقت، كما يعتقد السفير المصري السابق هشام يوسف، ست معضلات لمصر في علاقاتها مع إسرائيل والفلسطينيين.
فرصة السيسي الاستثنائية
مثّل اندلاع الحرب، إثر الهجوم الجريء الذي شنته المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، فرصة نادرة لالتقاط الأنفاس للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذى كان يواجه ضغوطاً وسخرية شعبية متزايدة بسبب الوضع الاقتصادي المأزوم، واكتشاف الرأي العام المصري بالتبعية وعلى مدى السنوات التي أمضاها في حكمه حتى هذا الوقت أنّ كل المشروعات القومية العقيمة التي تبناها السيسي بعناد وإصرار شديد لم تفلح في انتشال البلاد من وضعها الاقتصادي والمالي الصعب.
اكتشف السيسي بنفسه، وعلى نحو عملي للغاية، صحة المقولة الشهيرة، أنّ كل محنة تنطوي على منحة.
استفاد السيسي شعبياً من الحرب، بعدما أفقدت المصريين الاهتمام بانتخابات الرئاسة ومناكفاتها، وزادت شعبيته التي كانت قد تضاءلت بسبب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
وكرّس السيسي الحرب لتعزيز شعبيته باعتباره الرجل الذي تصدى لتهجير الفلسطينيين ووقف في مواجهة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية.
وخلافاً للمتوقع، فقد حظي دور مصر والسيسي بدعم إقليمي ودولي مع تصاعد وتيرة الحرب على غزة، ولم يتوقف هاتف السيسي عن الرنين المستمر رغم الصورة القاتمة لولايته الثالثة التي تعتمد القبضة حديدية وسط أزمة اقتصادية خانقة.
وهكذا حصل السيسي، الذي يبدو أنّه محظوظ بما يكفي، على فرصة ثانية لتجاوز النكسات المحلية والظهور بصفته ضامنًا لاستقرار البلاد في ظل توتر حدودها شرقاً وغرباً وجنوباً، ومدافعاً عن القضية الفلسطينية في الداخل، وزعيماً إقليمياً لا غنى عنه في الخارج.
وساهم اندلاع الحرب في الحسم المبكر للانتخابات، التي جاءت باهتة تماماً، وخلت من أي مرشحين حقيقيين باستثناء من ارتضاهم السيسي نفسه لمنافسته، في مشهد غير ديمقراطي على الإطلاق، إلا من الناحية الشكلية.
سردية متطورة
اعتمدت سردية السيسي المتطورة، على عدة محاور متغيرة باستمرار، مثّلت استراتيجية التعامل مع الموقف تجاه القضية الفلسطينية، على رأسها تراجعه عن فكرة أنّه لا حل للقضية سوى حل الدولتين، إذ اعتبر أنّ تلك الفكرة قد “استُنفدت” ودعا إلى “الاعتراف بالدولة الفلسطينية”.
كان السيسي يرى فيما سبق أنّ حل الدولتين هو الطريق نحو سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط مع ضرورة العمل الدولي على الدفع لإنفاذه، لكنه لاحقاً اعتبر أنّ هذا الحل لم يحقق شيئاً.
إلى جانب هذا، رفع السيسي باستمرار شعار رفض سياسة التهجير أو محاولات تصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار، ولعب على الشعور الشعبي عبر التأكيد طوال الوقت على أنّ أمن مصر القومي خط أحمر ولا تهاون في حمايته.
أجاد السيسي توظيف المشهد لصالحه، وتساءل لماذا لا تنقل إسرائيل سكان غزة إلى النقب، بدلاً من سيناء؟
وتحدثت دراسة إسرائيلية أفادتها شبكة الجزيرة، عن أنّ إسرائيل رأت في نظام السيسي فرصة لتقوية العلاقات مع مصر، إذ يرى البعض أنّه لم يتفاعل رئيس مصري بهذه الدرجة من الحميمية مع الإسرائيليين، والعداوة مع الفصائل الفلسطينية.
كانت إسرائيل من الدول السباقة إلى تأييد السيسي وساعدته في عملياته العسكرية المستمرة ضد مقاتلي الجماعات الإرهابية في سيناء، التي اعتمدت على شراكته الاستراتيجية والأمنية مع إسرائيل، التي أعطت الضوء الأخضر لنشر القوات المصرية في مناطق واسعة داخل شمال سيناء، وجرى سراً تعديل الملحق الأمني من “اتفاقية كامب ديفيد“.
ويعتقد محللون إسرائيليون أن توجه السيسي للتقارب العلني مع إسرائيل ليس نابعاً فقط من إيمانه ببراغماتية العلاقة مع الإسرائيليين، وإنما لمروره بأزمات ضخمة داخلية.
التقارب مع إسرائيل
ومنذ وصول السيسي الذي يحكم البلاد منذ يونيو 2014، شهدت العلاقات المصرية الإسرائيلية تقارباً كبيراً، برز في زيارتين لسامح شكري، وزير الخارجية المصري، إلى تل أبيب. أولهما كانت أول زيارة لمسؤول مصري رفيع المستوى منذ أكثر من تسع سنوات، والثانية لحضور جنازة الرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بيريز.
ونفذ الجيش الإسرائيلي عمليات سرية في سيناء بموافقة الحكومة المصرية ابتداء من عام 2015، ولم تكن العلاقات الاستراتيجية بين مصر وإسرائيل أقرب قط كما هي في عهد السيسي.
وفي عام 2019، أشاد السيسي، خلال مقابلة مع برنامج 60 دقيقة الأمريكي، بمتانة العلاقات المصرية الإسرائيلية، ووصفها “بالأمثل”، وقدّم اعترافاً نادراً بوجود تعاون أمني وثيق مع إسرائيل في شبه جزيرة سيناء.
ولهذا طلب السيسي لاحقاً منع بث المقابلة، على اعتبار أنّ الاعتراف بمثل هذا التعاون مع إسرائيل يمكن أن يثير حساسيات في مصر.
ورغم ترديد معلومات عن أنّ القاهرة تدرس خفض العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل عقب احتلال معبر رفح الحدودي وسحب سفيرها من إسرائيل، فإنه لا توجد خطط حالياً لتعليق العلاقات، أو التخلي عن اتفاقية كامب ديفيد. بل إن قائداً سابقاً للسيسي، سمير فرج، اقترح على إسرائيل التنسيق بشكل وثيق مع مصر بشأن الخطوات التالية ومرحلة ما بعد الحرب.
وبينما يعتقد البعض أنّ سلاح إسرائيل الأخير ضد فلسطين هو ديون مصر، ثمة من يظن في المقابل أنّ العالم لا يستطيع إنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس بدون مصر.
ومع ذلك، تراقب إسرائيل مستوى تسليح الجيش المصري، بما في ذلك إمكانية إنتاج طائرة مقاتلة متطورة بالتعاون مع داسو الفرنسية، على الرغم من ترجيح محللين عسكريين ارتباطها بأزمة سد النهضة الإثيوبي.
وقالت وسائل إعلام إسرائيلية، أنّ إسرائيل تتابع بقلق الخطوات الجديدة التي اتخذتها مصر لبناء طائرات مقاتلة فرنسية على أراضيها، واعتبرتها تقدماً هائلاً في صناعة الأسلحة بمصر.
ولاحظ إعلاميون محسوبون على السيسي، في رسالة غير معتادة للجانب للإسرائيلي أن العلاقات المصرية الإسرائيلية تمرّ حالياً بأسوأ أيامها، وسط مخاوف من أنّه إذا بدأت مصر بالانقلاب على إسرائيل بسبب معبر رفح، فقد تكون لذلك آثار واسعة النطاق.
وبرغم تحذيرات مصر للولايات المتحدة سراً من احتمال إلغاء معاهدة السلام، خلص تحليل إسرائيلي إلى أنّ العلاقات المصرية الإسرائيلية في “واد عميق“، لكنها ليست المرة الأولى من نوعها على الإطلاق، مشيرة إلى نجاح البلدين في اجتياز العديد من القمم والوديان في علاقتهما منذ توقيع اتفاقية السلام التاريخية في عام 1979.
وبخبرة السنين، كان بإمكان القاهرة وتل أبيب الحفاظ على المصالح المشتركة، وإيجاد طريق للتنقل عبر الوديان العميقة التي شهدتها العلاقات الطرفين، فيما كان كبار مسؤوليهما للمخابرات يتحدثون بانتظام بسبب العلاقة الأمنية التي عززت العلاقات الثنائية لأكثر من 40 عاماً.
فترة مرسي
يقدم مسئول مصري، رفض تعريفه في حديثه لفنك، وعمل في فترة الرئيس المخلوع محمد مرسى، مقاربة مثيرة للجدل تلخص تعامل مرسى والسيسي مع القضية الفلسطينية والحرب على غزة، لافتاًً إلى أنّ الحرب علي غزة عام 2012 في عهد مرسي، ظلت 3 أيام فقط بينما الحرب التي تلتها عام 2014 في عهد السيسي، ظلت 51 يوماً وهذه الحرب مستمرة منذ اكثر من 9 شهور، وخلص إلى القول بالطبع: “لو كان مرسي ما زال في الحكم، لكان الوضع مختلفًا”.
لكن هذا الاختلاف، ترجعه مصادر رسمية مصرية إلى ما وصفته بالعلاقة التنظيمية التي جمعت مرسى مع قادة حماس باعتبارهما يعملان في جماعة واحدة هي الإخوان المسلمين.
وحتى قبل أن يصبح رئيساً، هدد مرسي الذى كان ترأس “حزب الحرية والعدالة”، الذراع السياسية سابقاً للإخوان المسلمين، بإعادة النظر في معاهدة السلام مع إسرائيل، بينما اعتبر محمد مهدي عاكف المرشد العام السابق للجماعة، أنّها ترفض منذ اللحظة الأولى معاهدة كامب ديفيد ولم تعترف بها يوماً.
ووسط مخاوف من انهيار معاهدة السلام، اعتُبرت وساطة مرسي لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في نوفمبر 2012 دليلاً على أنّه كان على استعداد لتنحية المعارضة الأيديولوجية للإخوان جانباً وكذلك عداء معظم المصريين لإسرائيل في سبيل الحفاظ على مصالح الدولة المصرية.
وروجت جماعة الإخوان، مشاركة إسرائيل في الانقلاب على مرسي، مستندة إلى تقارير صحافية إسرائيلية عن اعتزام الأخير إلغاء اتفاق السلام مع إسرائيل وإرسال مزيد من القوات العسكرية المصرية إلى شبه جزيرة سيناء.
ومع ذلك، يقول إعلامي مصري عمل في غزة لسنوات، إنّ العلاقات المصرية الإسرائيلية ظلت معقدة، لافتاًً إلى أنّ مرسي لم ينطق كلمة إسرائيل في فترة حكمه، ورغم تأكيد مرسي التزامه باتفاقية السلام مع إسرائيل (اتفاقية كامب ديفيد 1979)، فقد بقيت العلاقات باردة وشبه مجمدة.
وتابع: “بالطبع، كانت مواقف مرسي، الذي ينتمي هو وحركة حماس إلى تنظيم الإخوان المسلمين، تجاه غزة، الأكثر دعما للحركة. حتى إنّه في الحرب التي شهدتها غزة في عهده، قام بسحب السفير وكلف وزارة الخارجية المصرية باستدعاء السفير الإسرائيلي وإبلاغه باحتجاج مصر، وطلب عقد اجتماعات طارئة لوزراء الخارجية العرب، ولمجلس الأمن، وأرسل رئيس وزرائه إلى قطاع غزة، وسمح للوفود العربية والأجنبية بالدخول إلى غزة.”
يعتقد مسؤول رفض تعريفه، في حديثه لفنك، أنّ الرئيس الحالي السيسي في المقابل، حافظ على العلاقات الدبلوماسية والأمنية مع إسرائيل، حيث تم تعزيز التعاون الأمني بين البلدين، خاصة في سيناء لمكافحة الإرهاب.
وتابع: “تحت حكم السيسي، كان يتم فتح وإغلاق المعبر وفقاً للأوضاع الأمنية والسياسية، مع تعزيز التعاون مع إسرائيل في هذا الشأن، كما أنّ السياسة المصرية تجاه حصار غزة ارتبطت بالأوضاع الأمنية في سيناء، والعلاقات مع إسرائيل، وموقف مصر من حماس.”
صمود اتفاق السلام
يرى خبير الأمن القومي المصري، اللواء محمد عبد الواحد، أنّ اتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل قد وفرت نوعاً من الاستقرار الاقليمي، وأوقفت الصراع العربي الإسرائيلي، وشجعت الدول العربية على الاتجاه نحو التطبيع مع إسرائيل، وبالتالي فرضت حالة من الاستقرار على المستوى الثنائي في ما بينهما في عملية سياسية وأمنية.
وتابع: “لكن زادت حدة الاحتقان بعد ديسمبر الماضي، وبدأ الزج باسم مصر أخيراً في الإعلام الإسرائيلي، واتهامها بالتورط في تسليح حماس أو وجود أنفاق من سيناء تخدم حماس.”
ويعتقد عبد الواحد، أنّه رغم السيطرة الإسرائيلية على المنطقة العازلة على الحدود المصرية مع قطاع غزة، المعروفة باسم محور فيلادلفيا، أثارت حفيظة القاهرة، فقد ظل الطرفان المصري والإسرائيلي حريصين على معاهدة السلام.
يتفق مع هذا الرأي ديفيد شينكر، المسؤول السابق في الخارجية الأمريكية، الذى يعتقد بأنّه، وفي أغلب الاحتمالات، ستصمد معاهدة عام 1979 أمام حرب غزة بغض النظر عن هذه التطورات المثيرة للقلق.
ورغم الحجج القانونية لتبرير إلغاء المعاهدة، ثمة تحذيرات من أنّه بدون تلك المعاهدة ستنفتح أبواب الفوضى على مصراعيها في منطقة الشرق الأوسط برمتها.
ومع أنّه تجنب الدخول في معارك كلامية مع بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، فقد سعى إعلاميون مقربون من السيسي إلى مواصلة التلويح الإعلامي والكلامي ومطالبته بالسعي إلى إبرام معاهدة سلام جديدة تعكس تغيرات السنوات الأخيرة، واعتبروا أنّ مصر ليست دولة حرب.
ولتهدئة الرأي العام المصري الغاضب، استغل السيسي القمة العربية التي عٌقدت في البحرين في مايو 2024، للغمز من قناة نتنياهو، قائلاً: “واهم من يتصور أنّ الحلول الأمنية والعسكرية قادرة على تأمين المصالح أو تحقيق الأمن، ومخطئ من يظن أنّ سياسة حافة الهاوية يمكن أن تجدي نفعاً أو تحقق مكسباً”.
في كل الأحوال، تجنب السيسي التلويح بالحرب أو توظيف القدرات العسكرية المصرية فيها، لافتاً إلى أنّه فضّل في المقابل تجنب الحرائق المشتعلة في المنطقة، رداً على مطالب بدخول مصر في حرب غزة ضد إسرائيل باعتبارها تمتلك جيشاً قوياً.
التصعيد المحسوب
وفي رأي أحمد فؤاد أنور، أستاذ اللغة العبرية الحديثة بجامعة الإسكندرية وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، ينظر المصريون إلى الدور الذي تؤديه الحكومة المصرية في هذا الشأن بشكل داعم وإيجابي، لافتاً إلى أنّ ما وصفه بالوعي الشعبي بمخططات إسرائيل الرامية لتصفية القضية على حساب مصر كان عنصرا معززاً للمواقف الرسمية، التي تبلورت مبكراً في محورين: الأول اعتبار نقل السكان إلى سيناء خطاً أحمر والإصرار على تثبيت الشعب الفلسطيني على أرضه بإدخال المساعدات الإغاثية له. وشاركت في هذه الجهود جهات أهلية، وساندتها تظاهرات حاشدة. والثاني الجهد الماراثوني للجم العدوان وإحياء التفاوض بشأن وقف إطلاق نار دائم وإعادة إعمار غزة.
ويجادل البعض بأنّه خلافا لمرسي، يبدو أنّ الحفاظ على علاقات قوية مع إسرائيل كان طريق السيسي للحفاظ على حكمه، رغم الاعتراف بأنّ “لغة التصعيد التي اعتمدها السيسي إعلامياً وسياسياً ضد حكومة نتنياهو كانت بمثابة مفاجأة للمصريين وخارج البلاد في ضوء سنوات التفاهم غير المسبوق مع إسرائيل في معاهدة السلام”، كما لاحظ الصحفي مهند صبري في موقع المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية.
وترى مصر أنَّها الأحق برعاية أي وساطات بين حماس وإسرائيل بحكم القرب الجغرافي والدور التاريخي المصري في القضية الفلسطينية بينما خلص المحلل هلال خشان إلى أنّ السيسي يؤيد إبادة حماس، لكنه يخشى من خلق واقع إقليمي جديد.
وتراوح نظام السيسي، من حالة العداء الشديد لحماس، مقابل البرودة السائدة مع عموم الفصائل الفلسطينية، فيما اعتبر موقفا كيديا له علاقة بتصفية حسابات وتصدير أزمة داخلية، لكنه يواجه خطر إضعاف صورته كقائد قوي.
إسرائيل وأزمة الكهرباء المصرية
أدت حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة إلى أزمة استثنائية في الكهرباء في مصر بعدما أوقفت إسرائيل تزويد مصر بالغاز الطبيعي.
وقدّم رئيس الحكومة المصرية مصطفي مدبولي، اعتذاراً خجولاً إلى الشعب المصري بسبب ما وصفه بالأزمة غير المسبوقة، والتي أدت إلى زيادة عدد ساعات تخفيف الأحمال، وقطع الكهرباء إلى ثلاث ساعات، قبل أن يتدخل السيسي لتثبيتها عند ساعتين فقط يومياً.
وفي إشارة ضمنية إلى إسرائيل، تحدث مدبولي عن خروج حقل في إحدى دول الجوار من الخدمة، بسبب عطل فني، لكن في الحقيقة إسرائيل تراجعت عن توسيع صادرات الغاز إلى مصر، وأوقفت شركة النفط الأمريكية شيفرون، المشغلة لحقل تمار قبالة ساحل جنوب إسرائيل إنتاجه بناءً على تعليمات من وزارة الطاقة الإسرائيلية.
وكنتيجة لإغلاق الحقل لمدة شهر بعد بدء الحرب على غزة بسبب مخاوف أمنية، عانت مصر من أزمة في الكهرباء بسبب نقص الطاقة، ولم تعد قادرة على زيادة إمدادات الغاز إلى أوروبا.
وكجزء من ارتباط أزمات مصر الداخلية بالخارج وانتهاء شهر العسل الطويل مع حكومة نتنياهو، أدت الحرب في غزة إلى إفشال مخطط السيسي لأن تصبح مصر مركزاً إقليمياً لتصدير الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا من محطاتها على البحر المتوسط.
إطار تاريخي
تاريخياً، احتلت القضية الفلسطينية منذ عام 1948 الاهتمام الاكبر من جميع الزعماء المصريين، فقد نصت ديباجة معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية المبرمة في العاصمة الأمريكية واشنطن عام 1979 على كونها خطوة هامة في طريق السلام الشامل في المنطقة، والتوصل إلى تسوية للنزاع العربي الإسرائيلي بكافة نواحيه.
واعتبر وزير الخارجية المصري السابق إسماعيل فهمي، الذي استقال قبل يومين فقط من ذهاب الرئيس السادات إلى القدس، أنّ إسرائيل نجحت عن طريق المعاهدة في تأمين جبهتها الجنوبية الملاصقة لمصر، حيث أصبحت شبه جزيرة سيناء “منزوعة السلاح”.
واعترف نبيل العربي، وزير الخارجية السابق، والأمين العام للجامعة العربية السابق، أنّ مصر فقدت كثيراً من ريادتها وهيبتها في العالم العربي بتوقيع ما اعتُبر سلاماً منفصلاً مع إسرائيل.
ولطالما ارتبطت العلاقات مع إسرائيل، بطبيعة الرئيس الجالس على عرش البلاد، بما في ذلك الرئيس حسنى مبارك الذى حافظ طوال عهده على استمرار حالة السلام البارد والعلاقات الجيدة مع تل أبيب، وأصبح ثاني رئيس عربي يزور إسرائيل، بعد سلفه الراحل أنور السادات، وهي الزيارة الوحيدة له لإسرائيل كرئيس، والرسمية المعلنة في نوفمبر 1995، لحضور جنازة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحق رابين.
وقاوم مبارك ضغوطاً أمريكية وإسرائيلية، لتقديم تنازلات تشمل مقايضة على حقوق الفلسطينيين مقابل استكمال إسرائيل انسحابها من سيناء التي كانت قد احتلتها في حرب يونيو 1967.
وقبل عام من الاطاحة بنظام مبارك، أثار مصطفي الفقي، سكرتيره السابق، جدلاً بقوله إن الرئيس القادم لمصر يحتاج إلى موافقة أمريكا وعدم اعتراض إسرائيل، فيما أظهر استطلاع أمريكي أنّ 54% من المصريين يؤيدون إلغاء معاهدة السلام.
وبعد فوز حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006 وسيطرتها على القطاع، شددت إسرائيل من الحصار جواً وبحراً وبراً على القطاع منتصف عام 2007.
وعقب سيطرة حماس على قطاع غزة بعد اضطرابات دامية وحرب قصيرة مع السلطة الفلسطينية رفض مبارك فتح معبر رفح إلا إذا عادت قوات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إليه والمراقبون الأوروبيون واتهم حماس بمحاولة الانفراد بالمعبر بالمخالفة لاتفاق عام 2005 الذي كان ينص على وجود مراقبين من الاتحاد الأوروبي.
لم تغفر الذاكرة المصرية لحماس قيامها بتفجير الجزء الأكبر من السور الفاصل بين قطاع غزة ومصر في يناير 2008 والذي يبلغ طوله 12 كيلومتراً، ما مكّن مئات الآلاف من الفلسطينيين من عبور الحدود.