وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

صعودٌ غير متوقع لعبد الملك الحوثي في اليمن

لم يكن أحدٌ يتوقع أن يُصبح عبد الملك الحوثي أقوى رجلٍ في اليمن. فقد اقتدى بوالده، بدر الدين الحوثي، وهو رجل دين بارز تحدى التوسع في الأفكار السُنية المتشددة، إلا أن شقيقه الأكبر، حسين الحوثي، من أسس جماعة أنصار الله. وتعتبر الجماعة الدينية السياسية – المعروفة أكثر باسم الحوثيين، نسبة إلى اسم عائلة حسين – القوة الأكثر هيمنة في اليمن اليوم.

تم تشكيل الحوثيين لحماية وتعزيز مصالح الشيعة الزيدية، وهي طائفة أقلية حكمت اليمن لقرونٍ حتى عام 1962. ويعيش معظم الشيعة الزيديين في مدينة صعدة الشمالية، حيث اشتبك الحوثيون مع القوات الحكومية لحوالي عشر سنوات في عام 2003..

قُتل حسين في معركة في عام 2004. وعليه، تولى والده قيادة الجماعة لفترةٍ مقتضبة قبل أن يقتل هو أيضاً في عام 2005، ليترك زمام الأمور لعبد الملك عندما كان يبلغ 25 عاماً. آنذاك، أظهر الزعيم الشاب بالفعل أنه قائدٌ ذكي في الميدان وشخصية جريئة.

ففي عام 2009، ظهر عبد الملك الحوثي على قناة الجزيرة بعد أيامٍ قليلة من إدعاء الحكومة اليمنية قتله، حيث اتهم الرئيس السابق عبد الله صالح بالتواطؤ مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو تحالفٌ، بحسب قوله، منح الأولوية للمصالح الأجنبية على حياة اليمنيين.

Yemen- Abdel Malek al-Houthi
Photo Wikipedia

وعلى الرغم من خطابه القومي، لم يحظى الحوثيون بالكثير من الدعم خارج معقلهم في صعدة. بل إن معاداتهم للسامية – إذ يذكر شعار الحوثيين الموت لإسرائيل واللعنة على اليهود – وحديثهم المتكرر حول أخطار الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، جعلت العديد من اليمنيين يشككون في سير الحوثيين على خطى النظام الإيراني.

كانت الكراهية للمملكة العربية السعودية مفهومة، ذلك أن المملكة كانت تمول الأصوليين منذ فترةٍ طويلة لمهاجمة الحوثيين في صعدة. ومع ذلك، كان يخشى معظم اليمنيين من أن الحوثيين يتطلعون للسيطرة على البلاد بأكملها، كما فعل الشيعة الزيديون قبل أكثر من نصف قرن.

وبالنسبة للبعض، يؤكد استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء هذه الشكوك. وبحلول أكتوبر 2014، كان الجماعة تُسيطر بقضبةٍ من حديد على الشمال. وبعد عدة أشهر، نجحت في طرد الرئيس عبد ربه منصور هادي من العاصمة. كان ذلك بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير بالنسبة للمملكة العربية السعودية، التي سارعت إلى تشكيل تحالفٍ لهزيمة الحوثيين وإعادة رجلهم هادي إلى الرئاسة.

وبحلول ذلك الوقت، كان الحوثييون يزيدون بالفعل من حدة خطابهم بالتطرق إلى قضايا كان لها صدى لدى المزيد من اليمنيين من مختلف المناطق في البلاد.

فقد قال فرناندو كارفاخال، وهو مستشار سابق في منظمة غير حكومية مقرها اليمن وأجرى أبحاثاً عن الحوثيين، لصحيفة ميدل إيست آي في أواخر عام 2014، إنه “بعد [الربيع العربي]، بدأ عبد الملك بمخاطبة الأمة، والتحدث عن المظالم المشتركة، كسعر الوقود، وغارات الطائرات بدون طيار. لقد اكتسب الكثير من الثقة. وفي الوقت الحاضر يتحدث بوضوح عن غايته، فهو لا يلتف حول الحقيقة.”

وأضاف المحلل اليمني عبد الغني الإرياني إنه “بعد عقودٍ من حكم كبار السن، يمثل الحوثي وجهاً جديداً على الساحة السياسية اليمنية.” وتابع القول “إن سياساته متحفظة وغالباً ما تكون حملاته عنيفة، إلا أنه وجه جديد. رجلٌ شاب يتمتع بالقوة والحزم.”

غالباً ما يُقارن عبد الملك الحوثي بحسن نصر الله، زعيم حزب الله الشيعي اللبناني. وكحال نصرالله، يصف الحوثي نفسه بأنه مناهض للإمبريالية ويُقدم خطاباتٍ نارية. ومع ذلك يحيط نفسه بجوٍ من الغموض يفتقده نصر الله.

فلا يكتفي عبد الملك الحوثي بظهوره النادر علناً، بل يُحافظ أيضاً على سرية هوية أقرب مساعديه- باستثناء شخصٍ أو اثنين- وذلك خوفاً من امكانية استهدافهم. كما يبدو أيضاً أنه عمليّ أكثر قليلاً من نصر الله، رغم أن كليهما أبدى استعداداً لتشكيل تحالفاتٍ مع خصوم سابقين شريطة عدم تخليهم عن السلطة.

وفي حالة الحوثي، تعاون مع قوات صالح لمحاربة الإسلاميين والسلفيين في عام 2014. فقد قال صالح ذات مرة أن الحكم في اليمن يشبه الرقص على رؤوس الثعابين، مما يعني ضمناً أن الحاكم كان عليه في بعض الأحيان أن يتحالف مع منافسيه إلى أن يصبح من مصلحته تغيير الولاء مجدداً.

وفي المرة الأخيرة التي حاول فيها صالح- الذي حكم البلاد لـ35 عاماً- تغيير الولاء والإنضمام للتحالف، نصب له الحوثيون كميناً وقتلوه.

فقد قال عبد الملك الحوثي بعد ورود أنباء موت صالح “هذا اليوم هو يوم سقوط مؤامرة الغدر والخيانة.” وأضاف “واليوم هو اليوم الأسود لقوى العدوان.”

وقالت ندوى الدوسري، وهي باحثة أولى في مشروع الديمقراطية في العالم العربي، لصحيفة ذا ناشونال، قبل ثلاثة أشهرٍ فحسب من مقتل صالح، “استمر هذا [التحالف] لفترةٍ طويلة فقط بسبب التدخل العسكري الذي تقوده السعودية. لم يكن هذا التحالف مستداماً لأن صالح والحوثيين أعداء ولم يثقوا في بعضهم البعض أبداً.”

وفي مارس 2018، وعد عبد الملك الحوثي بالانضمام إلى مقاتلي نصر الله ضد الجيش الإسرائيلي إذا ما نشبت معركةٌ في فلسطين أو لبنان. وبتبنيه الخطاب الإيديولوجي لحزب الله، قال إن الإسرائيليين هم “العدو الحقيقي” لكل العرب والمسلمين.

إذ قال في خطابٍ متلفز “إذا تورّطت إسرائيل بحرب جديدة، فلن نتردد في إرسال المقاتلين، وهناك أعداد كبيرة من رجال قبائل اليمن يطمحون للقتال ضد إسرائيل، ويتمنّون اليوم الذي يشاركون فيه جنباً إلى جنب مع إخوتهم من أحرار الأمّة الإسلامية في مواجهة العدو الإسرائيلي.”

ومع ذلك، حذر جوست هيلترمان وأبريل لونغلي، وهم خبراء في الشأن اليمني من مجموعة الأزمات الدولية غير الربحية، من أن الحوثيين ليسوا حزب الله على الرغم من دعمهم القوي للجماعة وعلاقاتهم المتنامية مع إيران. وكما كتب الخبيرين، هذه العلاقات لها حدود.

فقد تجاهل الحوثيون بشكلٍ خاص نصيحة طهران بعدم الاستيلاء على صنعاء في عام 2014. وبالتالي، يشير استقلال الحوثي إلى أن حافزه الأساسي هو جدول أعمالٍ محلي وليس الرغبة في مساعدة حزب الله وإيران في السيطرة على المنطقة. وبالطبع، قد يتغير ذلك إن لم يترك له السعوديون خياراً آخر سوى زيادة اعتماده على إيران.