وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء العراقي الجديد بالإجماع

Iraq- Adel Abdul Mahdi
Photo AFP

عيّن الرئيس العراقي المنتخب حديثاً برهم صالح، وهو كردي شغل سابقاً منصب نائب رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، وهو سياسي واقتصادي شيعي مخضرم يبلغ من العمر 76 عاماً، رئيساً للوزراء في البلاد. تولى عبد المهدي المنصب في 25 أكتوبر 2018، بعد أشهرٍ من الانتخابات البرلمانية في مايو.

كان عبد المهدي المرشح الذي حظى بتوافق الآراء بين الكتلتين اللتين يقودهما الشيعة ويدعيان أنّ كل منهما الأكبر في البرلمان، أحدهما بقيادة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ورئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي، والكتلة الأخرى من قبل الزعيم شبه العسكري المدعوم من إيران، هادي العامري، ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي. وبموجب اتفاق تقاسمٍ فعلي للسلطة تم التوصل إليه في العراق بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة والذي أطاح بصدام حسين عام 2003، يكون رئيس البرلمان سُني، ورئيس الوزراء شيعي، ورئيس البلاد كردي.

غادر رئيس الوزراء الجديد العراق في عام 1969 إلى المنفى في فرنسا، حيث درس الاقتصاد وعمل في مراكز الفكر والمجلات باللغتين الفرنسية والعربية. وهو ابن رجل دين شيعي كان وزيراً في النظام الملكي العراقي. أثناء عيشه في فرنسا، كان عضواً هاماً في الحزب الشيوعي العراقي، وبعد انقسامه إلى فصيلين، انضم عبد المهدي إلى القيادة المركزية في الحزب الشيوعي العراقي التي رفضت جميع أشكال التعاون مع “الأنظمة المعادية للتقدم” في عام 1967، إلى أن اختفت في بداية الثمانينات. بعد تبنيه للأفكار الإسلامية الإيرانية، تخلى عن ماضيه الشيوعي عندما قضى آية الله روح الله الخميني على الجماعات الشيوعية والليبرالية المعارضة في إيران. وفي النهاية أصبح عضواً في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، وهو حزب معارضة في المنفى وميليشيا تشكلت من قبل إيران في طهران عام 1982، ولكنها تألفت حصراً من المنفيين العراقيين.

بدأ في تولي مهام رسمية في العراق في عام 2005، عندما تم تعيينه نائباً للرئيس. ترشح لرئاسة الوزراء في الائتلاف العراقي الموحد، وخسر بفارق صوت واحد لصالح إبراهيم الجعفري. وظل نائباً للرئيس حتى استقال عام 2011، بعد أن نجا من محاولة اغتيال في عام 2007. ثم شغل منصب وزير النفط من عام 2014 حتى عام 2016، قبل أن يتم تعيينه في النهاية رئيساً للوزراء في 2 أكتوبر 2018. وكان هذا على الرغم من منشورٍ له على موقع فيسبوك في 23 مايو، حيث قال إنه لا يريد المنصب، إذ كتب “بافتراض حصولي على القبول الان- فانني سريعاً ما سافقده، واواجه باغلبيات لن تسمح بمجموعها توفير الدعم اللازم لاحقاً.”

ويأتي ترشيحه بعد شهورٍ من الجمود السياسي في العراق منذ انتخابات مايو غير الحاسمة. وهو أول رئيس وزراء منتخب في العراق ما بعد صدام ولا ينحدر من حزب الدعوة الإسلامي الشيعي. وقال أحمد الأسدي، المتحدث باسم كتلة البناء، “جاء ترشيح السيد عادل عبد المهدي بعد اتفاق بين كتلة البناء وكتلة الإصلاح على ترشيحه من خلال الإجماع وليس كتلة أغلبية من أجل تجاوز قضية كتلة الأغلبية.”

كما هنأ سفير الولايات المتحدة في العراق، دوغلاس سيليمان، رئيس الوزراء المعين الجديد عبر تويتر، قائلاً ان الولايات المتحدة “ستعمل مع رئيس الوزراء المستقبلي لمساعدة حكومته على تلبية احتياجات وتطلعات جميع الشعب العراقي.” وفي عام 2005، كتبت نيويورك تايمز عن عبد المهدي: “يُعتقد أنه مرشح جذاب للأمريكيين. فقد عمل بشكل وثيق مع إدارة بوش، وساعد في إعادة التفاوض بشأن الديون الخارجية للعراق. مثل العديد من القادة العراقيين، بما في ذلك حتى العديد من رجال الدين أنفسهم، ينظر بواقعية للحاجة لبقاء القوات الأميركية في البلاد إلى أن تصبح القوات الأمنية العراقية قوية بما يكفي لهزيمة تمرد حرب العصابات لوحدها… وبعيداً عن كونه شخصاً متديناً، وكما يقولون، السيد مهدي هو رجل علماني ربط نفسه بجماعةٍ إسلامية إلى حدٍ كبير ليقترب من السلطة، وبفعله هذا جعل المجموعة أكثر قبولاً لدى العالم الخارجي.”

وبعد مرور ثلاثة عشر عاماً، لا يزال هذا التقييم صحيحاً، رغم أنه يواجه العديد من التحديات بما في ذلك البطالة والفساد وسوء الخدمات العامة والتوترات مع الأكراد في شمال العراق. ويصّر الزعماء الأكراد على أن بغداد يجب أن تحترم الاتفاقات السابقة حول تقاسم عائدات النفط وكذلك استعادة شبه الحكم الذاتي الذي تم تقليصه بعد أن شن الأكراد محاولة فاشلةً للسيطرة على مدينة كركوك النفطية الشمالية.

وبعد أقل من شهرٍ من توليه المنصب، بدأت الإنتقادات لعبد المهدي. فقد كتب بوبي غوش، محرر الرأي لبلومبرج: “كانت بدايةً مشؤومة لرئاسته، لكن عملية تشكيل الحكومة الفوضوية كانت متسقة تماماً مع تنبئه في مايو. فقد ناورت الجماعات السياسية التي حذر منها- ستة فصائل كان يحتاج إلى دعمها للتأكيد على ترشحه- بشراسة للسيطرة على الوزارات الرئيسية، تاركين عبد المهدي غير قادرٍ على الوفاء بوعده بتشكيل حكومة “تكنوقراط”. قد تناسب اختياراته لإدارة وزارات النفط والكهرباء هذا الوصف، ولكن في مناصب أخرى، يبدو واضحاً أن خيارات عبد المهدي قد فرضت عليه. لم تأتِ أي من الترشيحات من عملية تقديم الطلبات عبر الإنترنت التي أعلنها في وقتٍ سابق من هذا الشهر، والتي تهدف إلى جذب المواهب الجديدة للحكومة. ومما يبعث على القلق، أن مرشحه لوزارة الداخلية القوية هو فالح الفياض، الذي كان يدير الميليشيات المدعومة من إيران والمعروفة باسم قوات الحشد الشعبي.”

وقال المحلل السياسي أحمد يونس المقيم في بغداد لقناة الجزيرة “إن ترشيح عبد المهدي يمثل أفضل خيارٍ لإرضاء جميع اللاعبين الشيعة الذين كانوا على وشك الوصول إلى نقطة الصراع وعدم العودة.” وأضاف: “لقد توصلت جميع الكتل الشيعية إلى استنتاج مفاده أن انقساماتهم يمكن أن تؤدي إلى صراعٍ داخل الشيعة، مما سيضعف مكانتهم في العراق. الآن، مع عبد المهدي، لا يوجد فائزون وخاسرون، الجميع سعداء.”

في حين قال سيروان عرب، وهو أستاذٌ جامعي وخبير نفطي، لموقع Rudaw، وهو موقع إخباري على الإنترنت: “تتمتع بعض الجماعات في العراق بالسلطة، لهذا السبب ستكون مهمة رئيس الوزراء العراقي الجديد صعبة قليلاً بأن يتمكن من إدارة الأمور في هذه الفترة القصيرة. لا توجد بيئة قابلة للتطبيق من أجل تنفيذ برنامجه… وللمرة الأولى… يتم إيلاء الاهتمام للتنمية المستدامة. الفرصة الممنوحة لعبد المهدي هي الفرصة الأخيرة لكل من الحكومة والدولة العراقية.”

وقال ريناد منصور، المحلل العراقي في تشاتام هاوس، وهو مركز أبحاث مقره لندن، لصحيفة فاينانشيال تايمز إن العراقيين قد أشاروا بالفعل إلى أنهم “كانوا يبحثون عن شيء مختلف” عن طريق انتخاب مجموعة من المشرعين، لم يسبق أن جلس ثلثيهم في البرلمان من قبل. وقال “إن ما يحاولون إظهاره هو أن هذا قد يكون بدايةً لتغييرٍ تدريجي.”

وفي اليوم الأول من فترة ولايته، نقل عبد المهدي مكاتبه إلى خارج المنطقة الخضراء شديدة الأمان في بغداد إلى مجمعٍ حكومي تم إصلاحه مقابل محطة السكة الحديد المركزية في بغداد، قائلاً إنه يريد تقريب حكومته من الشعب. ومن الجدير بالذكر أن المنطقة الخضراء تأسست في عام 2003 من قبل الولايات المتحدة لحماية سفارتها ومؤسسات الحكومة العراقية.

لن تكون مهمة عبد المهدي سهلة، فالكثير من الأمور المتعلقة باستقرار البلاد وتنميتها على المحك، ولربما لن يتمتع بالحرية الكاملة لاتخاذ القرارات كما كان يأمل.