وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

وفاة رئيس أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح

أعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة استقالته الرسمية في 2 أبريل 2019، وسط احتجاجاتٍ جماهيرية ضد استمرار قيادته. وبعد فترةٍ وجيزة، قام حليفه السابق اللواء أحمد قايد صالح باعتقال رئيس المخابرات السابق الجنرال محمد مدني ( المعروف أيضاً باسم الجنرال توفيق) وسعيد بوتفليقة شقيق الرئيس المستقيل، بتهم ثقيلة تتعلق بالتآمر على الدولة وعلى الجيش.

فقد أكد في كل خطاباته المتكررة على التزامه الدائم بالدستور وعلى أن المؤسسة العسكرية لن تحيد عن مهامها الدستورية وستبقى مرافقة للحراك الشعبي ومؤيدة له في هذا الإطار، مشدداً على أنه لا توجد له أي طموحات سياسية من وراء ذلك، حيث جاء ذلك رداً على كل المشككين في أن تحرك المؤسسة العسكرية بقيادته هو في اتجاه محاكاة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي صعد إلى السلطة في انقلابٍ عسكري، بدعم من الإمارات التي تريد المحافظة على نفوذها في المنطقة.

فهل سيصنع القايد صالح الاستثناء أم سيكون نسخة لأمثاله من الجنرالات في الدول العربية؟

ولد أحمد قايد صالح يوم 13 يناير من سنة 1940 ببلدة عين ياقوت بولاية باتنة جنوب شرق الجزائر. التحق بالحركة الوطنية إبان الاستعمار الفرنسي للجزائر مناضلاً وعمره لا يتجاوز 17 سنة، ثم جندياً في جيش التحرير الوطني ضد الاستعمار الفرنسي. استمر في صفوف الجيش الوطني الشعبي بعد الاستقلال عام 1962، حيث شارك في حرب الاستنزاف سنة 1968كجزءٍ من الحملة العسكرية بالشرق الأوسط بمصر.

Algeria- Ahmed Gaid Salah
Photo AFP

ومثل العديد من قادة جيش التحرير الوطني، أجرى قايد صالح غداة الاستقلال دورات تكوينية في الاتحاد السوفياتي سابقاً. وبعد تخرجه من أكاديمية فيستريل الواقعة خارج موسكو، عاد إلى الجزائر وبدأ مسلسل صعود الرتب العسكرية وتقلّد المسؤوليات متدرجاً في سلم القيادة. رقًي إلى رتبة لواء في يوليو 1993، ليعين في سنة 1994 قائداً للقوات البرية التي تحصي النسبة الأكبر من عدة وعتاد الجيش الجزائري والتي لعبت دوراً أساسياً في مواجهة الجماعات المسلحة خلال الحرب الأهلية (1991-2002).

مسيرة القايد كادت أن تنتهي في مرتين الأولى سنة 1980 في فترة رئاسة الشاذلي بن جديد للجزائر عندما كان على وشك الإحالة على التقاعد وتم إنقاذه بوساطة من الجنرالين خالد نزار ومحمد العماري، والثانية سنة 2003 عندما أراد المسؤولون عنه إحالته على التقاعد في عملية تجديد إطارات الجيش وترتيب الولاءات، حيث أعد رئيس الأركان الجزائري آنذاك محمد العماري مسودة بقائمة لضباط في الجيش برتب مختلفة ليُحالوا على التقاعد، وكان من بينهم قايد صالح. ووفقاً لمجلة جون آفريك الفرنسية، فقد تلقى هذا الأخير مكالمة من الرئيس بوتفليقة، الذي أصبح رئيساً عام 1999، يسأله فيها “هل تريد أن تتركنا؟”

وفي نهاية المطاف سمح له بأن يظل في منصبه قائداً للقوات البرية، ليتم تعيينه في أواخر 2004رئيساً لأركان الجيش الوطني الشعبي خلفاً للفريق محمد العماري الذي دفع ثمن معارضته لعهدة ثانية لبوتفليقة. وعبر القايد صالح عن امتنانه لذلك عبر تحوله إلى أكثر المخلصين لبوتفليقة.

تقلد رتبة فريق في يوليو 2006، وفي سبتمبر 2013 تم تعيينه نائباً لوزير الدفاع الوطني. ويرى مراقبون أن بوتفليقة منحه هذا المنصب مقابل دعمه له في مواجهة جهاز المخابرات بقيادة الفريق توفيق الذي كان يعارض ترشحه لعهدة رئاسية رابعة في 2014 والذي أطيح به من قبل بوتفليقة في سنة 2015 وبدعم من الفريق قايد صالح.

كما وقف القايد صالح في وجه من كانوا يريدون الإطاحة ببوتفليقة بعد تعرضه لجلطة دماغية جعلته مقعداً على كرسي متحرك. وعلاوةً على ذلك، هو من ضمن ترشح وفوز بوتفليقة بعهدة رئاسية رابعة سنة 2014 وضمن بقاءه في الحكم رغم كل الدعوات التي تعالت من أجل منعه من الترشح لعهدة رابعة بسبب المانع الصحي.

وقبيل رئاسيات 2019، التي كان من المفترض إجراؤها في 4 يوليو والتي كانت ستشهد ترشح بوتفليقة لعهدةٍ خامسة، قام القايد صالح بإحكام قبضته على مؤسسة الجيش بإبعاد كل من تحوم حولهم الشكوك من قادة مختلف القوات وقادة النواحي العسكرية مع المديرية العامة لأمن الجيش وقيادة سلاح الدرك الوطني. كما أنه استطاع أن يستولي كذلك على قيادة الأمن الوطني بالإطاحة بمديرها العام اللواء عبد الغاني هامل.

استمر هذا الوفاء المطلق إلى غاية 22 فبراير، تاريخ بداية الحراك الشعبي المناهض لترشح بوتفليقة. في هذه المرحلة، عارض القايد صالح المسيرات واصفاً الذين خرجوا للشارع بالمغرر بهم. وحذر من أن هناك من يريد العودة بالبلاد إلى سنوات الألم والجمر التي شهدتها الجزائر سنوات التسعينيات وراح ضحيتها أكثر من مائتي ألف شخص.

لكن الحراك كان قوياً ومصمماً ومس كل فئات المجتمع وجميع طبقاته مما جعل القايد صالح يغير من موقفه. فقد عبر في خطابٍ رسمي له بتاريخ 26 مارس 2019 عن وقوفه في صف الشعب، داعياً إلى ضرورة الاستجابة لمطالبه وتطبيق حالة شغور منصب الرئيس باللجوء إلى الحل الدستوري في المادة 102 منه (التي تنص على حالة الشغور).

وهنا تخلى القايد صالح عن بوتفليقة بعدما وجد أن هذا الأخير انتهى سياسياً وأن البقاء في صفه سيؤدي إلى ذهابه. ومنذ ذلك التاريخ يعتبر القايد صالح الأقوى في نظام الحكم، وباعتباره رئيس أركان الجيش، يعتبر مسؤولاً عن تحديد مسار مستقبل بلاده.