وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

بدرية سليمان: مُشرّعة جاهزة لكل الحكومات

Sudan-faces-Badria Sulaiman
بدرية سليمان. Photo الحوار الوطني السوداني/Facebook

بالرغم من أن القيادات النسوية لعبت دوراً واضحاً في الحياة السياسية السودانية منذ ستينيات القرن الماضي وتولت الكثير منهن مناصب سياسية مهمة، لم تثر أي واحدة منهن الخلاف واللغط الذي دار ويدور حول الدور السياسي والتشريعي للسيدة بدرية سليمان، نائبة رئيس البرلمان السوداني ورئيسة اللجنة التشريعية الطارئة للتعديلات الدستورية في البرلمان السوداني الحالي.

ومنذ أن سطع نجمها في مجال التشريع الدستوري في السودان عام 1983، ظلت مساهمات سليمان وادوارها الهامة في ثلاثة أزمنة ومواضع سياسية مختلفة وتقاطعات حاسمة في التاريخ الوطني السوداني موضع جدال وخلاف.

ولدت السيدة بدرية سليمان عام 1949 في مدينة أم درمان، غرب الخرطوم على ضفة النيل والتي يسميها السودانيون العاصمة الوطنية، في اسرةٍ عرف عنها بعض الاهتمام بالسياسة. وفي عام 1970، وبعمر الـ21 عاماً، ألقيّ القبض عليها وبحوزتها منشور يندد بجعفر نميري، الجنرال الذي تولى السُلطة في انقلابٍ عسكري عام 1969. لتصبح فيما بعد من أشد مؤيديه.

درست القانون بجامعة القاهرة (فرع الخرطوم) وتخرجت منها عام 1970 وحصلت على دبلوم وماجستير في القانون من جامعة لندن عام 1979 وحصلت على درجة الدكتوراه في التشريع الدستوري عام 2012 من جامعة النيلين السودانية. بدأت حياتها المهنية بالعمل في المحاماة لفترة قصيرة ثم التحقت بديوان النائب العام في وظيفة مستشارة قانونية ومنه انتدبت للإدارة القانونية برئاسة الجمهورية عام 1978 حيث بدأت رحلةً استمرت عشر سنوات للفوز بثقة نميري. منذ البداية، أثبتت السيدة بدرية تمتعها بغرائز سياسية متفوقة وقدرتها على التكيف السريع مع الاتجاهات والولاءات المتغيرة – وهي مهارات جعلتها في طليعة عالم السياسة السودانية منذ ما يقرب من أربعة عقود.

الشريعة الإسلامية

في أعقاب قمع محاولة الانقلاب في أواخر عام 1976، باشر نميري باتخاذ مسارٍ سياسي “للمصالحة الوطنية” مع الأحزاب السياسية، ووافق على مطلبٍ رئيسي لجماعة الإخوان المسلمين بأن تستند قوانين البلاد إلى الشريعة الإسلامية.

توّجت عملية أسلمة النظام القانوني في صيف عام 1983 بإنشاء لجنةٍ قانونية مكونة من ثلاثة أعضاء. وقد أذن للجنة، التي كانت السيدة سليمان جزءاً منها، بإصدار وإلغاء وتعديل التشريعات بطريقةٍ لم يسبق لها مثيل. وفي سبتمبر 1983، أصدر نميري عدة مراسيم، عرفت بقوانين سبتمبر، التي جعلت الشريعة قانوناً وضعياً. وفي نوفمبر 1983، أقر مجلس الشعب، دون مناقشة، التشريع لتسهيل تنفيذ الشريعة. وتضمنت مشاريع القوانين الجديدة قانوناً جنائياً جديداً يستند إلى عقوبات الحدود مثل الجلد للتشهير وبتر الأطراف للسرقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء “محاكم العدالة الناجزة’،” التي يُقصد منها تبسيط الإجراءات القانونية وتسريعها، حيث كانت تذاع إجراءات المحاكم على التلفاز مساء كل يوم تشهيراً بضحاياها. وتم تطهير المسؤولين القضائيين الذين لا يتفقون مع التغييرات، ولم يمضِ وقتٌ طويل قبل أن تستخدم هذه المحاكم لأغراض سياسية. كما صدرت أحكام إعدامٍ بحق الخصوم السياسيين للنظام، مثل الأستاذ محمود محمد طه الذي اعدم في 18 يناير 1985. منذ ذلك الوقت أصبحت بدرية سليمان على كل لسان في السودان خاصة إذا تعلق الامر بتشريعات تفتقر للشعبية.

عقب الانتفاضة التي اسقطت نميري في ابريل 1985 انضمت بدرية سليمان للجبهة القومية الإسلامية “حركة الاخوان المسلمين،” الحزب السياسي الوحيد الذى تجرأ على الدفاع عن قوانين سبتمبر. وفي عام 1989، غيّرت ولائها لتنضم إلى حزب عمر البشير، حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان منذ يونيو من نفس العام.

التعديلات الدستورية

لعبت السيدة بدرية دوراً محورياً مماثلاً في العام 2009 عندما ترأست اللجنة البرلمانية التي صاغت أهم قانون وتعديل دستوري في تاريخ البلاد وهو “قانون الاستفتاء لتقرير مصير جنوب السودان” الذي انفصل بموجبه جنوب السودان وشكل دولة مستقلة عام 2011. جاء القانون تطبيقاً لاتفاق السلام الشامل بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان، عقب وقف اطلاق النار ومشاركة الحركة الشعبية في الحكومة والبرلمان في الخرطوم عام 2005.

اعترضت الحركة الشعبية منذ البداية على تشكيل اللجنة دون التشاور معها. وقال السيد ياسر عرمان، رئيس كتلة الحركة الشعبية في البرلمان، “كان الاتفاق هو أن يتم تشكيل هذه اللجان بعد مشاورات مع الحركة الشعبية والكتل البرلمانية الأخرى، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث ولم تتم مشاورتنا في التكوين.”

وأضاف “كنا نرى أنه ما دام رئيس اللجنة جاء من حزب المؤتمر الوطني فيجب أن يكون نائب الرئيس من الحركة الشعبية، ولم يحدث ذلك. كنا نتمنى أن يكون رئيس لجنة الاستفتاء لجنوب السودان شخصاً من الحركة الشعبية أو من جنوب السودان لأن القضية تهم جنوب السودان بشكل خاص.”

لكن لجنة بدرية مضت في طريقها لإجازة التعديلات الدستورية وكان لها ما أرادت بالرغم من أن الحركة الشعبية لتحرير السودان كانت تتمتع بنفوذ سياسي قوي ودعم دولي واسع. دافعت الأستاذة بدرية عن نهج لجنتها بصرامة وتبادلت الانتقادات الإعلامية والخشونة اللفظية مع قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان حتى إجازة القانون بالصيغة التي أرادتها الحكومة.

ألعاب سياسية

في عام 2016، وبعد ماراثون الحوار الوطني السوداني الذي استغرق قرابة ثلاثة سنوات، انتهت مخرجات الحوار وهي الاتفاقات التي توصلت إليها الاحزاب السياسية المشاركة في الحوار، التي أدت جزئياً إلى إنفصال الجنوب في عام 2011، في غالبها إلى يد السيدة المثيرة للجدل بدرية سليمان. وبصفتها رئيسة اللجنة الطارئة للتعديلات الدستورية في البرلمان السوداني، كان عليها أن ترأس وتشرف على ترجمة الاتفاقات السياسية لتعديلات دستورية وتشريعية تستوعب مطالب الأحزاب.

لكن أحزاب المعارضة وممثليها في لجنة التعديلات الدستورية سرعان ما اتهموا السيدة بدرية سليمان بالتلاعب بمشروعات التعديلات الدستورية والقوانين المقترحة لصالح الحزب الحاكم وتقديم مسودات أخرى غير المتفق عليها في لجان الحوار وغير التي اودعت منضدة المجلس النيابي في فبراير 2017، بل سموا مشروع التعديلات الدستورية بـ “تعديلات بدرية”.

أهم الخلافات بين الحكومة ومحاوريها كانت حول الحريات العامة واستقلالية المؤسسات العدلية والحد من صلاحيات أجهزة الامن، حيث أصرت المعارضة طوال فترة الحوار على تقليص صلاحيات جهاز الامن لتقتصر على جمع المعلومات وتحليلها لتقديمها لصناع القرار والحد من سلطاته خاصة في مجال اعتقال المواطنين لفترات طويلة ومصادرة الصحف وفرض الرقابة عليها.

بالرغم من بعض التنازلات الطفيفة التي قدمتها الحكومة أثناء جلسات الحوار حول هذه الموضوعات، قاوم جهاز الامن الوطني التعديلات المقترحة بقوة، بحجة ان السودان يواجه تحديات امنية كبيرة يستوجب دعم وتعزيز جهاز الامن وليس الحد من صلاحياته ووجد دعماً من لجنة الأمن في البرلمان نفسه.

أنسحب القيادي في حزب المؤتمر الشعبي، الذي انبثق عن انشقاق داخل حزب المؤتمر الوطني في عام 1999، المحامي كمال عمر، احد من اهم ممثلي المعارضة في لجنة التعديلات الدستورية احتجاجاً على “لجنة بدرية” كما اسماها، ووصف عمر التعديلات بــ “المقدسة،” لأنها تمثل الحوار الوطني وأعلى من اي سلطة دستورية وتعبر عن إرادة المتحاورين وليس المؤتمر الشعبي وحده. وشدد عمر على أن تصرف بدرية يعطي إشارات سالبة لمستقبل تنفيذ مخرجات الحوار الوطني سيما وأن رئيس الجمهورية بنفسه هو الذي بعث تلك التعديلات للبرلمان بعد أن خطها الراحل حسن الترابي.

وأتهم كمال بدرية بإجادة ما اسماه “المسرحيات السياسية على المسرح الشمولي،” مضيفاً أن “واقع السودان لا يحتمل التمثيل ويحتاج للجدية… وما حدث تغول على مخرجات الحوار التي أجيزت من الجمعية العمومية للحوار.” لكن السيدة بدرية سليمان أكدت على ان الجميع وافق على ان الوثيقة التي تم فيها تصنيف مخرجات الحوار وما تم الاتفاق عليه وما عرض على الموقعين هي المرجعية الاساسية عند صياغة مشروع الدستور. وقالت ان اللجنة ستستمع الايام القادمة لعدد من الاجهزة والشخصيات للإجابة على التساؤلات الخاصة بالتأصيل واللغة وتناقض بعض النصوص.

في نهاية ألأمر أجاز البرلمان السوداني التعديلات الدستورية في 25 أبريل 2017 بالطريقة التي صاغتها بها وقدمتها اللجنة البرلمانية التي ترأسها السيدة بدرية سليمان دون أن تأخذ مطالب المعارضة بالحسبان. واجهت السيدة بدرية عاصفة متوقعة من الانتقادات عقب إجازة التعديلات وصلت حد اتهامها بتزوير التعديلات مما حدا بها إلى تهديد منتقديها بالملاحقة القانونية.

نظام متعدد الأحزاب

وضعت تشريعات جديدة في أبريل 2017 نظاماً سياسياً متعدد الأحزاب يقوم على انتخاباتٍ حرة ونظامٍ قانوني يضمن حرية التعبير والمعتقد، ولا يميز على أساس الدين، على الأقل من الناحية النظرية. وعلى الرغم من الاختلافات بين النظامين، انخرطت السيدة سليمان مرة أخرى في كليهما، لأن، ببساطة، هذا ما يريده الرجل في السلطة.