وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

إبراهيم رئيسي: شخصية ذات تأثيرٍ في إيران

Iran-Ebrahim Raisi
Photo: Wikipedia إبراهيم رئيسي

كان حجة الإسلام، إبراهيم رئيسي، شخصيةً سياسيةً إيرانيةً تتجنب لفت الأنظار، إلى أنّ أصبح المرشح الأوفر حظاً للتيار المبدئي المحافظ في الانتخابات الرئاسية في مايو 2017. ولكن على الرغم من كون اسمه مألوفاً، لم يكن شخصية غير مهمة على أي حالٍ من الأحوال. فلأكثر من ثلاثة عقود، كان ذو نفوذ، وفي وقتٍ من الأوقات، كان لاعباً يُحسب له ألف حسابٍ في النظام القضائي الإيراني.

تغير وضعه الجماهيري في مارس 2016، عندما عينه آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، سادن الروضة الرضوية المقدسة. فبالإضافة إلى كونها أغنى مؤسسة خيرية في العالم الإسلامي، فإن الروضة الرضوية المقدسة لها أهمية دينية وسياسية كبيرة بالنسبة لإيران، كما أنها المسؤولة عن إدارة الضريح المقدس للإمام الشيعي الثامن، رضا، وتقع في مدينة مشهد الشمالية الشرقية.

وبمجرد تعيين رئيسي في هذا المنصب المهم، بدأ تداول الشائعات حول مستقبله في التسلسل الهرمي في البلاد. فقد أشار العديد من المراقبين الإيرانيين أن رئيسي تم إعداده ليصبح المرشد الأعلى المقبل في البلاد. ومن الناحية الدستورية، فإن جمعية الخبراء مسؤولة عن شغل هذا المنصب. وعلى الرغم من أنه لم يكن هناك أي تلميح من الجمعية أو المرشد الأعلى نفسه أن رئيسي هو الخلف التالي، إلا أنه كان يعتبر على نطاقٍ واسع خلفاً محتملاً.

ولد رئيسي في 14 ديسمبر 1960 في مدينة مشهد، مسقط رأس المرشد الأعلى أيضاً. وخلال الثورة (1978-1979)، كان رئيسي طالباً في دراسات الفقه في قم. وعلى الرغم من أنه كان يبلغ الـ18 فقط في ذلك الوقت، إلا أنه كان واحداً من 70 من رجال الدين الشباب المختارين للمشاركة في حلقة دراسية مكثفة حول الكفاءة السياسية والإدارة، من أجل ملء الفراغ في السلطة الذي أعقب الإطاحة بالشاه. وكان علي خامنئي، أحد رجال الدين الذين علموا رجال الدين المختارين. ومع ذلك، فإن علاقات رئيسي المبكرة مع خامنئي لم تكن العامل الوحيد وراء صعوده السريع في النظام.

كما شكلت خلفية رئيسي الشخصية، بما في ذلك علاقاته العائلية، عنصراً مساعداً، فهو صهر أحمد علم الهدى، خطيب الجمعة في مدينة مشهد وأحد أكثر الشخصيات المتشددة في البلاد. ومنذ الأيام الأولى لإيران ما بعد الثورة، كان علم الهدى حليفاً وثيقاً لخامنئي، فقد كانت العلاقات بين الرجلين ميزة سياسية لا غنى عنها لمنصب رئيسي.

وبعد فترةٍ وجيزة من الثورة، انضم رئيسي إلى النظام القضائي وسرعان ما صعد في المناصب، على الرغم من صغر سنه. فقد شغل منصب المدعي العام ونائب المدعي العام في العاصمة طهران في الثمانينات والتسعينيات. وفي صيف عام 1988، كان واحداً من أربعة قضاة وراء الإعدام الجماعي لليساريين والمنشقين. فقد وقف آلاف من السجناء أمام اللجنة التي كان رئيسي جزءاً منها، وسألهم عما إذا تخلوا عن معارضتهم وباتوا يؤمنون بالجمهورية الإسلامية، كما سُئل البعض عما إذا كانوا على استعداد للسير عبر حقول الألغام العراقية. أما أولئك الذين لم يكونوا مستعدين للتخلي عن آرائهم، أعدموا دون وجه حق ودفنوا في أرضٍ لا تحمل أي علاماتٍ بالقرب من طهران. وتقدر منظمة العفو الدولية أن 4500 شخص أعدموا، على الرغم من أن مصادر أخرى تشير إلى أن العدد أعلى من ذلك.

وفي أغسطس 2016، في الذكرى الـ28 للإعدامات، أصدر الموقع الرسمي لآية الله حسين علي منتظري، ملفاً صوتياً من اجتماعٍ عقده في عام 1988 مع كبار القضاة والمسؤولين القضائيين المشاركين في عمليات الإعدام، بما في ذلك رئيسي. فقد جدد التسجيل، الذي يُسمع فيه منتظري يندد بعمليات القتل، الدعوات لإعادة التحقيق في عمليات الإعدام، وأبراز دور رئيسي في “لجنة الموت.”

السباق الرئاسي

رسمياً، دخل رئيسي السباق الرئاسي في 6 أبريل 2017، مشيراً إلى أن “مسؤوليته الدينية والثورية ما دفعته للترشح.” وأعرب عن استعداده للنظر في “تغييرٍ جوهري في الادارة التنفيذية للبلاد.” ومع ذلك، فهو لا يتمتع بالكاريزما وليس متحدثاً لبقاً، فقد تم تقييم أدائه في أول مناظرةٍ رئاسية تلفزيونية بالضعيف والمضجر. وعلى الرغم من كونه المرشح المحافظ الرئيسي، إلا أن محمد باقر غالباف، رئيس بلدية طهران المحافظ والمرشح الثاني للتيار المبدئي في السباق، تفوق على رئيسي.

وقبل أسبوعٍ من الانتخابات، انسحب غالباف من السباق الرئاسي لصالح رئيسي. ومع ذلك، فإن رئيسي، الذي كان يُعتقد أنه الخيار المفضل لخامنئي، لم يملك سوى فرصة ضئيلة أمام صاحب المنصب ذاته، حسن روحاني، الذي أيدته شخصيات إصلاحية شعبية مثل محمد خاتمي. وقد نجح المعتدلون والإصلاحيون، على مر التاريخ، في تعبئة المجموعات الاجتماعية حول الانتخابات. وبهذه المناسبة، احتشد جميع اللاعبين المهمين في المعسكر الإصلاحي خلف روحاني.

وخلال حملته، وعد روحاني بفتح المجال السياسي واعتماد سياسة خارجية عقلانية، بينما ركز رئيسي في المقام الأول على البرامج الاقتصادية المناصرة للفقراء. وفي العديد من النواحي، عكست رؤيته وأفكاره رؤى المرشد الأعلى: المشاعر المعادية للغرب، والمحافظة الاجتماعية، والنهج “الثوري” لكلٍ من الاقتصاد والسياسة الخارجية.

وقبل الانتخابات، انتشرت شائعاتٌ حول قوات الحرس الثوري ودعمها لرئيسي. فقد أثارت ذكرى انتخابات عام 2009، عندما ساعد الحرس الثوري الإيراني على إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد، المخاوف بين مؤيدي روحاني من تزوير الأصوات. وعلى الرغم من تزايد التوترات، أعلن أن الانتخابات كانت عادلةً وشفافةً وسلمية.

حقق منافس رئيسي فوزاً بأغلبيةٍ ساحقة، محرزاً 23,549,616 (38,3%) صوتاً من أصل 42,382,390 صوتاً، فيما حصل رئيسي على 15,786،449 صوتاً. جاء رد فعله بطلبه من مجلس صيانة الدستور التحقيق في “انتهكات القانون” قبل وخلال الانتخابات، مما يُشير إلى وجود مخالفاتٍ استفاد منها منافسه. كما رفض تهنئة روحاني بالفوز.

مستقبلٌ غامض

بعد هزيمته الانتخابية، يبدو الآن من غير المرجح أن يصبح رئيسي المرشد الأعلى التالي. ومع ذلك، سيظل شخصيةً سياسية ودينية مؤثرة في المؤسسة الإيرانية، فهو يواصل السيطرة على أغنى مؤسسة في العالم الإسلامي، وتربطه علاقاتٌ وثيقة بكلٍ من خامنئي والحرس الثوري الإسلامي. ويمكن لهذا أن يساعده في الظفر بمناصب مؤثرة أخرى، مثل رئيس السلطة القضائية، فضلاً عن المناصب في أجهزة الدولة غير المنتخبة ذات النفوذ، التي يُسيطر عليها المرشد الأعلى مباشرة.

وعلى الرغم من هذا، يشوب مستقبله الغموض، فبعد إعادة انتخاب روحاني، ازدادت حدّة الصراع على السلطة بين المعتدلين والمتشددين. ويمكن أن تؤثر نتيجة هذا الصراع على السلطة على حياة رئيسي. وتاريخياً، كان للمتشددين اليد العليا في السياسة الفئوية الإيرانية، ومع ذلك، يبدو روحاني، على عكس القادة الإصلاحيين السابقين، عازماً على تحدي المتشددين. وإذا ما أخفق المتشددون في هذه الحرب الفئوية، سيدفع رئيسي الثمن، ولكن في الوقت الراهن، لا يزال لاعباً مؤثراً في دهاليز الدولة الإيرانية الغامضة.