وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حلو: المسلسل الاسرائيلي لا يطبّع مع الاحتلال

Hanan-Hillo
حنان حلو. Photo Facebook/الصفحة الرسمية لحنان حلو

عندما لا تحصل حنان حلو (35 عاماً) على كوب قهوة “الأمريكانو،” الكبير الذي طلبته، تغمز النادلة. وبمحادثةٍ موجزةٍ باللغة العربية، تعتذر الفتاة. تضحك حنان وتُعقب “عملت هنا قبل أن أصبح ممثلة. إنهنّ فتيات صالحات.”

مكان الحدث هو فتّوش، مطعمٌ جذاب في مدينة حيفا، حيث توفر غرفٌ لا تعدّ ولا تحصى، للزبائن شعوراً بالخصوصية. لوحة كبيرة للمطربة اللبنانية المخضرمة، فيروز، تغطي الجدار. وعلى الرغم من أنّ نجم حنان حلو لا يزال في طور الصعود، إلا أنها تضطر، بين الحين والآخر أثناء حوارنا، إلى مصافحة أحدهم هنا أو إلقاء التحية هناك. فالممثلة الفلسطينية- الاسرائيلية واحدة من نجوم مسلسل الدراما الاسرائيلي “فوضى،” الذي حظي بإنتقاداتٍ واسعة، وبالتالي يعرفها الكثير من أفراد المجتمع الاسرائيلي. شعرها المجعد الكثيف قد يخدع بعض المعجبين، ذلك أنها في المسلسل الدرامي ترتدي الحجاب.

جذب مسلسل “فوضى،” الذي بث الموسم الأول منه في إسرائيل عام 2015، الاهتمام الدولي عام 2016، عندما اختارته شركة نيتفليكس. فالموسم الثاني قيد الإنتاج حالياً. يتعقب “فوضى” وحدةً خاصة من الجنود الاسرائيليين، التي تُسمى بالمستعربين، الذين يتعلمون العربية ويتسللون إلى عمق المجتمع الفلسطيني. يتمثل هدفهم بإلقاء القبض على مقاتلٍ فلسطيني من حماس، اسمه أبو أحمد. تمت الإشادة بالمسلسل لتصويره الدقيق للفلسطينيين ولاستخدامه اللهجة الفلسطينية بين الشخصيات الاسرائيلية، الذين أظهروا إتقاناً مذهلاً “للغة الاعداء”.

تلعب حنان دور نسرين حامد، زوجة أبو أحمد. عادةً ما تشارك حنان حلو كممثلة على المسارح وفي مسلسلات الإنتاج الفسلطيني، إذ كانت هذه أول مرة توافق فيها على الظهور في مسلسلٍ درامي إسرائيلي، إذ تقول “ما أحبه في فوضى حقيقة أنه لا يوجد أشرارٌ وأخيار، فالمسلسل لا ينطوي على القوالب النمطية للمجتمع الفلسطيني. فعلى سبيل المثال، قصة إستشهادي فلسطيني. يُفسر المسلسل أنّ الإسرائليين قتلوا خطيبها يوم زفافها، لذا لم يأتي هذا الهجوم من فراغ. كما ترى أنّ الفلسطينيين يعيشون في أوضاع صعبة للغاية، فهم أيضاً يحبون عائلاتهم؛ يريدون العيش.”

وفي أحد المشاهد الرائعة، يواصل ابن شخصة حنان سؤالها عن “دمية دب يهودية،” أعطاها إياه رجلٌ اسرائيلي ساعد العائلة على الفرار. وتقول حنان وهي تضحك “تصوير هذا المشهد كان مرعباً.” وتُضيف “كنا نصور في محطة القطار. إضطررت إلى وضع الدمية في مكانٍ ما، وفي كل مرة كنت أفعل ذلك، كان جميع ركاب القطار يفرون هرباً لأنهم ظنوا أنه قنبلة. كنت خائفة جداً من أن يُطلق عليّ الجنود الاسرائيليين النار.”

لم تكن هذه المرة الأولى التي تشعر فيها حنان حلو بالخوف في وطنها. فخلال العديد من هجمات الطعن الفسلطينية التي اجتاحت إسرائيل عاميّ 2015 و2016، لم تشعر بالأمان لتحدثها اللغة العربية في شوارع حيفا، كما تقول. “كنت أخشى أن يظن الناس أني إرهابية. حتى أني كنت أتحدث العبرية مع أطفالي عندما أحضرهم من المدرسة. وبعد ذلك كنت أفكر: لمَ فعلت ذلك؟”

يُمثل هذا نموذجاً مثالياً لما يعنيه أن تعيش في مجتمعٍ يُعتبر فيه الفلسطينيون مواطنون من الدرجة الثانية. يبدأ هذا في سنٍ مبكرة؛ إذ تخصص للمدارس الفلسطينية ميزانياتٌ أقل من نظرائهم من اليهود. وتقول حلو “على سبيل المثال، لم يكن هناك صفوف للدراما في مدرستنا. لم يكن هناك أموالٌ كافية لأي أنشطةٍ إضافية.”

وعلى صعيدٍ متصل، تُكمل حنان راتبها كممثلة من خلال كتابة المسرحيات والتمثيل فيها، إذ تقوم حالياً بجولةٍ لإنتاجها الأدبي حول المرأة في الثقافة الفلسطينية. “تتمحور حول الرجال الذين لا يفعلون شيئاً، إلا أنها أيضاً حول الجنس والسياسة.” قدمت حنان عرضها المسرحي عشرات المرات، في حيفا على سبيل المثال، وفي بلدة مجدل شمس الدرزية في مرتفعات الجولان المحتلة، وفي رام الله، عاصمة الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، وفي مدينة أم الفحم الفلسطينية- الاسرائيلية المحافظة. “هناك، لم نعرض الأجزاء المتعلقة بالجنس والدين. لا يمكنك تخيل ما يمكن أن يحصل عندما تتحدث إمرأة فلسطينية عن الجنس علناً.”

مَلّكة الكتابة لدى حنان حلو ساعدتها على أفضل وجه أثناء التحضير لفوضى. فقد أشرك المخرج اليهودي، عساف برنشتاين، الممثلين الفلسطينيين في عملية الكتابة. وكما تقول حلو “لقد اهتم حقاً بنا.” وتُضيف “إذا ما رأيتُ أن حواراً ما غير واقعي، يمكنني تغييره.” وكما تقول، كان التفاهم بين الفلسطينيين واليهود العاملين على مسلسل فوضى، على خير ما يرام. فجميع الممثلين الفلسطينيين كانوا من اسرائيل. “الممثلون من الضفة الغربية لن يحصلوا على تصاريح، كما أنهم يرفضون المشاركة خوفاً من التطبيع.”

وعند سؤالنا عن رأيهم بالمسلسل، كانت آراء الفلسطينين منقسمة. ففي حين أشار البعض إلى التصوير الصادق لمجتمعهم، حذر البعض الآخر من التطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي. يتم هذا على مستويين: اتهم الممثلون الفلسطينيون المشاركون في المسلسل بالتعاون مع المحتل. وعلاوة على ذلك، يقول النقاد أن تصوير المستعربين “يطبّع” هذا النوع من التسلل الاسرائيلي غير المقبول في المجتمع الفلسطيني.

تتفهم حنان حلو الاعتراضات الفلسطينية. “ولكن بالنسبة لي، أعتقد أن من الغباء عدم التعاون مع الاسرائليين. لديّ حياتي في اسرائيل، وينبغي أن أنقل قصتي لليهود؛ علينا أن نجعلهم يفهموننا. فنحن نعيش معاً، ويرتاد أطفالي مدارس مختلطة. فوضى وسيلة غاية في الأهمية لإظهار نضالات وألم مجتمعنا للجماهير اليهودية. عادةً، يصورنا الإسرائيليون اليهود كقردة. يؤدي مسلسل فوضى إلى المزيد من الفهم، وينطبق ذلك أيضاً على النساء اللواتي يرتدينّ الحجاب. علينا استخدام الفن للوصول إلى الناس. علينا أن نخبر “الآخرين” من نحن وما نريد.”

كما أنها تتفهم الحساسية المحيطة بتصوير المستعربين. “ولكن المسلسل عن واقع الحياة. هذه حقيقتنا، لا يمكننا أن نغمض أعيننا لذلك.” وتُضيف بنبرةٍ ساخرة “دون العرب، لا يستطيعون فعل شيءٍ، حبيبي!”