وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حسون: مفتي سوريا المثير للجدل

Ahmad-Badreddin-Hassoun
مفتي سورية أحمد بدر الدين حسون. Photo Redux Pictures / Hollandse Hoogte

كان أحمد بدر الدين حسون، المفتي العام الحالي لسوريا وأعلى سُلطة دينية في البلاد، واحداً من الشخصيات الدينية الأكثر إثارةً للجدل طوال فترة ولايته، والأهم من ذلك، منذ بداية الانتفاضة السورية في مارس 2011.

ولد حسون في عام 1949 في مدينة حلب، وهو نجل رجل الدين محمد أديب حسون. تلقى تعليمه في جامعة الأزهر العريقة في العاصمة المصرية، القاهرة، وتخرج بدرجة الدكتوراه في الفقه الشافعي. والشافعي هو أحد المذاهب الخمس الرئيسية المتبقية في الإسلام السُني. فقد كانت أطروحة الدكتوراه لحسون موسوعة الإمام محمد بن إدريس الشافعي، مؤسس مدرسة الإسلام الشافعي. وبالإضافة إلى ذلك، كتب حسون موسوعة حول “أدب الفتوى” في الإسلام، كما أنه حاصل على شهادة البكالوريوس في الأدب العربي.

في عام 2002، عيّن حسون مفتياً لحلب. وفي يوليو 2005، وبعد وفاة أحمد كفتارو، مفتي سوريا السابق، عيّن الرئيس بشار الأسد حسون خليفةً لكفتارو. وبين عاميّ 2005 وأواخر 2010، كرّس حسون وقتاً طويلاً لبناء الجسور بين مختلف الأديان والطوائف في سوريا والمنطقة. غالباً ما تحدث في المناسبات الدينية والثقافية، منها على سبيل المثال رحلته في سبتمبر 2006 إلى أرمينيا، حيث التقى مع ممثلي الكنيسة الكاثوليكية في أرمينيا. كما ساهم في نشر رواية أن سوريا هي مهد المسيحية ومنها انتشرت إلى العالم، وهي الرواية التي اعتمدها حافظ الأسد وابنه بشار من بعده عند اعتلاء السُلطة في البلاد. وفي عام 2008، ومع اختيار العام باعتباره السنة الأوروبية للحوار بين الثقافات من قبل البرلمان الأوروبي، تحدث حسون في البرلمان الأوروبي في بروكسل عن أهمية الحوار بين الثقافات، حيث سلط الضوء على قيمة الثقافة باعتبارها قوة موحدة بدلاً من قوة مفرّقة واستنكر وجود “حربٍ مقدسة” بين الثقافات لأن الحرب لا يمكن أن تكون مقدسة، بل إحلال السلام مقدس.

وفي مقابلةٍ له مع قناة العربية السعودية في نوفمبر 2007، أكدّ حسون على انتماءه المتعدد لمختلف الطوائف الإسلامية، إذ قال أنه “سني باقتدائه وشيعي بولائه وسلفي بجذوره وصوفي بحبه.” كما أنه غالباً ما يصف نفسه بأنه “مسلم عالمي،” لا يجد أي تناقضٍ بين المذاهب الإسلامية المختلفة بل تكامل، معتبراً أنّ هذه أفضل وسيلة لاستمالة المجتمع الغربي الذي بات يحترس من الإسلام ورجال الدين منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية. ومع ذلك، أثارت تصريحاته هذه انتقادات علماء الدين الإسلامي الأكثر تشدداً أو الأكثر تعصباً. إلا أن سعيّ حسون لخلق شخصية دينية فريدة من نوعها لنفسه، نابعٌ من الدوائر الطائفية الحساسة في المجتمع السوري، مجتمعٌ بأغلبيةٍ سُنيّة تحكمها الأقلية العلوية لأكثر من 40 عاماً.

فقد كان حسون موالياً للنظام منذ تعيينه، ونظراً لطبيعة نظام المكافأة للموالين للنظام السوري، كان من المستحيل على حسون الوصول إلى مثل هذه الوظيفة المرموقة دون أن يثبت ولاءه لعشيرة الأسد. وبالتالي، منذ بدء الإنتفاضة السورية ضد بشار الأسد، أدان حسون بصراحة شديدة قوى المعارضة، مردداً إدعاء الحكومة بأنّ هذه الإضطرابات نتيجة “مؤامرةٍ خارجية،” وأعلن دعمه للنظام بشكلٍ منتظم. وبسبب التهديدات الأمنية، تضاءل الظهور العلني للأسد، إلا أنه حرص على حضور صلاة عيد الفطر بشكلٍ سنوي إلى جانب المفتي العام. تشكّل صلاة العيد احتفالاً بانتهاء شهر رمضان المبارك، إذ كان ظهور الأسد يهدف في كثيرٍ من الأحيان إلى إرسال رسالةٍ للمعارضة وللعالم بأسره بأنه لا يزال في السُلطة.

إن عداء حسون المبكر للاحتجاجات السلمية ضد نظام الأسد، جعله يتعرض للسب على نطاقٍ واسع من قِبل المعارضة السورية وغالبية رجال الدين السُنة الذين عارضوا النظام علناً. وفي الأول من أكتوبر لعام 2011، قُتل ابن حسون، سارية، البالغ من العمر 22 عاماً، رمياً بالرصاص بالقرب من جامعة إيبلا، الواقعة على الطريق السريع بين حلب وإدلب. وبعد وفاته، اتهم حسون المعارضة بأنهم “إسلاميون مسلحون،” تدعمهم وتمولهم المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، عرضت قناة العربية، التي حصلت على ملفاتٍ ختمت بـ”سرية للغاية” من النظام السوري، في أكتوبر 2012 “أوامر مهمة” يأمر فيها العميد الركن، صقر منون، رئيس الفرع 291 من المخابرات الجوية، قسم المهمات الخاصة، العقيد الركن سهيل حسن بتصفية ابن حسون. لم يتم إجراء أي تحقيقٍ ملائم بعملية الإغتيال هذه.

وفي بيانٍ مثيرٍ للجدل من تأبين ابنه، والذي تم تسريبه على موقع يوتيوب، هدد حسون الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، بخلايا انتحارية نائمة قد تتحرك في حال تعرض بلاده لأي تدخلٍ عسكري غربي. وقال حسون “مع انطلاق أول قذيفة [ناتو] صوب سوريا، فلبنان وسوريا سينطلق كل أبنائهما وبناتهما ليكونوا استشهاديين على أرض أوروبا وفلسطين. أقولها لكل أوروبا وأقولها لأمريكا سنعد استشهاديين هم الآن عندكم إن قصفتم سوريا أو قصفتم لبنان، فبعد اليوم العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم وأنتم من ظلمتمونا”. وفي ذلك الوقت، لم يدرك أحدٌ قيمة ما قاله، ذلك أنه اتهم الإسلاميين المسلحين باغتيال ابنه، ولأن التدخل العسكري الغربي في سوريا لم يُناقش علناُ قبل الهجوم على الغوطة بالمواد الكيماوية في أغسطس 2013.

بعد الإنتفاضة الشعبية عام 2011، أعلنت السلطات السورية عن مجموعةٍ من الإصلاحات في محاولةٍ لتهدئة المتظاهرين الغاضبين على نحوٍ متزايد. ومع ذلك، وفي مقابلةٍ مع قناة الجزيرة، غالباً ما أشار حسون إلى “مؤامراتٍ خارجية” تستهدف البلاد واتهم “المتسللين” و”المفسدين” بإشعال “الفتنة” في المجتمع السوري. وفي نوفمبر 2011، تحدث حسونة إلى مجله دير شبيجل الالمانيه، مؤكداً دعمه لسياسات الأسد بشكلٍ عام، إلا أنه ألمح إلى ضرورة إنتقاد بعض عناصر النظام أيضاً. كما نبه إلى تسليط الضوء على عدم المساواة الاجتماعية، مشدداً على ضرورة تحسين الظروف المعيشية للفقراء بينما ندد بما أسماه “الحرس القديم” في الحكومة من الفاسدين والذين يجب عزلهم.

استمر الجدل حول حسون عندما أصدر فتوى عبر الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا)، والتي بثها التلفزيون السوري المملوك للدولة، أمر من خلالها الجيش بالتعبير عن غضبهم من خلال إبادة جميع السوريين في مدينة حلب المحاصرة والمقسمة. وصفت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أوامر المفتي بـ”الجريمة المتعمدة،” وأشارات إلى أنّ الآلاف من الناس في حلب قتلوا بسبب هذه الفتوى.

وفي أكتوبر 2016، زار حسون بغداد في زيارةٍ رسمية لتنظيم مؤتمرٍ ديني بين رجال الدين السُنة العراقيين والسوريين حول محاربة التطرف الديني. ومع ذلك، تم تجاهله، وفقاً لمسؤولٍ في ديوان الوقف السني العراقي، مما يدل على عدم شعبيته المطلقة بين علماء الدين السُنة في العالم العربي.

وفي ديسمبر 2016، ترأس حسون وفداً من كبار رجال الدين والأطباء السوريين إلى دبلن، لمخاطبة لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الإيرلندي. تمثل جزءٌ من الغرض من الزيارة، التي أدانها الدكتور علي سالم، وهو عضو بارز في المركز الثقافي الإسلامي في أيرلندا، بالضغط ضد العقوبات الأوروبية. خاض حسون نقاشاتٍ ساخنة مع أعضاء اللجنة، نافياً في كثير من الأحيان ارتكاب القوات الإيرانية والنظام الروسي أي أعمالٍ وحشية ضد المدنيين في سوريا. وفي لقاءٍ لسليم مع Middle East Eye صرّح قائلاً “القتلة ليسوا فقط أولئك الذين يحملون السلاح، بل أيضاً جميع من ساهم في العملية. مفتي سوريا يتحمل كامل المسؤولية عن كل حادثة قتلٍ في سوريا.”

وفي الآونة الأخيرة، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً استقصائياً تقشعر له الأبدان فضح “قتل الآلاف من الأسرى العزل بدم بارد،” في سجن الحكومة السورية في صيدنايا. فقد تم إعدام ما يقدر بـ13 ألف شخص، بشكلٍ منتظم، على مدى السنوات الخمس الماضية. ووفقاً للتقرير، انتدب حسون من قبل الأسد للموافقة على أحكام الإعدام.