وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

جوليا بطرس: مُطربة لبنانية مثيرة للجدل وأيقونة الثورة

Specials- Julia Boutros
المغنية اللبنانية جوليا بطرس أثناء حفلها الذي أقامته في 10 نوفمبر 2006 في بيروت ويعود ريعه لصالح ضحايا الهجوم الأخير الذي شنته إسرائيل على حزب الله. Photo AFP

“يا ثوارالأرض، ثوروا عالطغيان، ثوروا عالحرمان خلّي الغضب يدمّر، ريح الثورة تهدّم، تهدم الاصنام يا ثوار الارض…” هكذا يصدح صوت جوليا بطرس في ساحات وشوارع وأزقة الثورات في لبنان والعالم العربي.

ولدت جوليا بطرس في العاصمة اللبنانية بيروت في العام 1968، لعائلةٍ مسيحية ذات جذورٍ جنوبية، حيث كبرت وترعرت إلى جانب شقيقها الموسيقي زياد بطرس، الذي لحّن العديد من أغانيها، وشقيقتها المخرجة اللبنانية صوفي بطرس.

تلقت جوليا تعليمها في مدرسة راهبات الوردية، حيث أبانت عن موهبتها الموسيقية المبكرة وأنضمت إلى جوقة المدرسة لتصبح مرنمة فيها. وفي الرابعة عشر من عمرها، أي في العام 1982، أطلقت ألبومها الغنائي الأول باللغة الفرنسية من توقيع الموسيقار اللبناني إلياس الرحباني تحت عنوان ” C’est la vie.”

تزامن إطلاق جوليا بطرس لألبومها مع الإجتياح الإسرائيلي للبنان، لتصبح سريعاً صوت الأحرار وإنعكاساً لتتطلعات الشعب اللبناني بالسيادة والحرية والإستقلال ورفض الظلم والتبعية. فصدح صوتها وللمرة الأولى باللغة العربية ومن ألحان شقيقها زياد مطلقةً الصرخة لجنوبها المقاوم للاجتياح الاسرائيلي. في هذه الأغنية، التي أصبحت نشيداً ما زال يتردد صداه في مختلف الساحات العربية، غنت جوليا “غابت شمس الحق.”

في العام 2018 وبعد غياب طويل عن أرضها عادت جوليا بطرس إلى الجنوب، حيث تألقت على مسرح صور الأثري وأنشدت أروع أغانيها التي أنتجتها على مدى أكثر من ثلاث عقود من الزمن.

وفي عام 1987، أطلقت جوليا ألبوماً غنائياً ثانياً تحت عنوان “وين مسافر،” الذي اعتقد البعض أن هذه الأغنية كانت مهداة لحبيبها الذي أضحى فيما بعد زوجها، إلياس بوصعب، يوم قرر مغادرة لبنان للدراسة والعمل في الخارج. وعلى مدى العقد التالي، أصدرت بطرس أربع ألبوماتٍ غنائية: “حكاية عتب” في العام 1991، و”يا قصص” في العام 1994، و”القرار” في العام 1996، و”شي غريب” في العام 1998.

وفي عام 1996، دخلت جوليا القفص الذهبي بزواجها من بوصعب، الذي ينحدر من ضهور الشوير، وهي بلدة جبلية تقع إلى شرق بيروت. أصبح بوصعب رئيساً لبلدية ضهور الشوير قبل أن يصبح نائباً في البرلمان ونائب الرئيس التنفيذي للجامعة الأمريكية في دبي. وعلى الرغم من مغادرته لبنان لأكثر من عشر سنوات، إلا أنه لم يقع في حب أي فتاةٍ أخرى، بحسب ما صرحت به جوليا ذات مرة في إحدى المقابلات. وعند عودته، لاحقها، خاصة بعد أن تلقى إتصالاً من والدها قائلاً له “إذا قالتلك جوليا ما بدّها تحكيك ما تصدّق، رجاع احكيها،” فوضع خطة محكمة حتى تمكن من إقناعها الزواج به، وأنجبا ولدين هما سامر وطارق.

في الشكل وكما يظهر للعلن، يبدو زواج جوليا بطرس مثالياً، فلا يتفق ما يظهر للناس عن حياتها العاطفية مع فحوى أغانيها الرومانسية التي لا تقل أهمية عن أغانيها السياسية والثورية. تقول جوليا في إحدى أغانيها، “أنا مش إلك بقفص صغير بدك ياني كون وأنا بدي طير.” ثم تضيف في أغنيةٍ أخرى لتقول “لا بأحلامك لا بأوهامك رح ترجع يوم تلاقيني.”

في عام 2000 شهد لبنان تحرير منطقة الجنوب اللبناني من الإحتلال الإسرائيلي. لم تتمكن جوليا من إخفاء فرحتها بهذا النصر فأقامت حفلاً غنائياً في الجنوب اللبناني إحتفالاً بهذا النصر. وفي نفس العام، حصلت على وسام الأرز الوطني لمساهمتها الفعالة في المقاومة من خلال فنها وصوتها لتفتتح بذلك ألفية جديدة كانت مليئة بالإنتاجات الفنية. فقد أصدرت بين العامي 2001 و2016 ثمانية ألبوماتٍ غنائية لاقت معظم أغانيها رواجاً واسع النطاق.

ولعل أبرز هذه الألبومات هو ألبوم “أحبائي،” الذي أصدرته عقب حرب إسرائيل على لبنان في العام 2006، التي عرفت بحرب تموز.

ففي السياسة لا تخفي جوليا بطرس، بالرغم من كونها مسيحية، دعمها للمقاومة الإسلامية المسلحة أو ما يعرف بحزب الله، وقد ظهر هذا الدعم جلياً في مناسبات عديدة. فبعد الحرب الإسرائيلية على لبنان التي إستمرت لأكثر من ثلاثين يوماً بعض خطف جنديين إسرائليين من قبل عناصر حزب الله على الحدود اللبنانية الجنوبية، دمرت الكثير من البنى التحتية والمنشأت اللبنانية والعسكرية وأسفر عنها الكثير من القتلى والجرحى.

وسط كل هذا الدمار، قررت جوليا بطرس إصدار ألبوم غنائي تحت عنوان “أحبائي،” وأحيت مجموعة من الحفلات الغنائية في عدة بلدانٍ عربية. كلمات أغنية “أحبائي” مستوحاة من إحدى رسائل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله “لرجال الله في الميدان،” حسب تعبيره. فصدح صوت جوليا بطرس في أرجاء الوطن العربي منشدتاً: “بكم سنغير الدنيا ويسمع صوتنا القدر بكم نبني غداً أحلى بكم نمضي وننتصر.”

يومها لم تكن الحرب في سوريا قد بدأت، ولا الحرب في اليمن، ولا أحداث 7 مايو 2008 قد حدثت في بيروت. آنذاك، كان هناك إجماعٌ على صورة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أكثر مما بات عليه الحال بعد تدخله في الحرب في وسوريا.

وبعد ثلاث سنواتٍ من الحملة من خلال موسيقاها، تمكنت جوليا من جمع نحو ثلاثة ملايين دولار أميركي كما أعلنت والتي عاد ريعها لدعم عوائل الشهداء.

تلعب السياسة دوراً أساسياً في الحياة الإجتماعية اللبنانية إذ إنها تؤثر بشكل مباشر على حياتهم اليومية. كما ينقسم الشارع اللبناني بين مؤيدٍ ومعارضٍ لسياسة حزب الله الداخلية والخارجية، ويؤخذ البعض من المعارضيين لهذه السياسة على جوليا بطرس دعمها العلني للمقاومة ولتصرفات حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصرالله، فيعتبر البعض أن حفلات جوليا بطرس أقرب إلى المظاهرة، الثورة أو التمجيد بحزب الله وجمهوره، بدل أن تكون حفلاتها حفلات فنية صرفة. فهم يعتبرون أن “مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلّهِ لِلّهِ،” أي بمعنى آخر يجب على الفن أن يبقى في الفن والسياسة في السياسة.

وعلاوةً على ذلك، فإن جوليا صديقة لأسرة الأسد الحاكمة في سوريا، كما تعتبر الربيع العربي اختراعاً إسرائيلياً يهدف إلى تشتيت العرب عن قضيتهم الرئيسية، أي احتلال فلسطين. هذا ما دفع الكاتبة السورية ديمة ونوس لنشر مقالٍ في الصحيفة الإلكترونية، المدن، بعنوان “جوليا بطرس… صديقة المستبد،” حيث كتبت “ليس كلام جوليا بطرس غريباً. الغريب هو أن تظهر لتعلن موقفاً مؤيداً لثورة الشعب وانتفاضته الحقيقية ضد نظامه القمعي والمتوحش.”

لا تقتصر المعارضة على ميول جوليا السياسية على تجربتها في ديارها فحسب، ففي الأردن، على سبيل المثال، وقبل حفلها هناك عام 2018، تصدر وسم أردنيون_ نرفض_ وجود_ جوليا المواقع الإلكترونية، معبراً عن غضب النشطاء لعلاقتها الوثيقة مع الأسد ودعمها للنظام السوري.

بل ذهب ياسر أبو هلالة، المدير العام السابق لقناة الجزيرة، إلى أبعد من ذلك، مشيراً على تويتر: “هذا الوسم #اردنييون_نرفض_وجود_جوليا يمثلني، من تلتقط صور مع #بشار_الأسد[الرئيس السوري] تماماً مثل من تلتقط صور مع نتياهو ل[رئيس الوزراء الاسرائيلي]، من يقف ضد التطبيع [مع اسرائيل] يقف ضد التشبيح. سيمتلئ المدرج بالآلاف [من محبي جوليا بطرس] ولن يفكروا بنصف مليون قتلهم بشار، أن تكون مع #فلسطين يعني أن تكون مع المظلوم بمعزل عن جنسه أو مذهبه.”

من جهته، قال الناشط على تويتر أحمد دراوشة: “بالمناسبة، لم تذكر #جوليا_بطرس كلمة فلسطين في أغانيها ولا مرّة. لم تغنّ لفلسطين، غنّت للجيوش غنّت للعدو المجهول وللحرية المحدودة وللثورات الافتراضيّة، وغنّت للسلاح، أي نعم، للسلاح لا لفلسطين.”

ومع ذلك، يُجمع كل من المؤيدين والمعارضين أن جوليا تتمتع بصوتٍ جميل بالإضافة إلى التزامها الفني والأخلاقي. فقد استخدم صوتها في العديد من الاحتجاجات والمظاهرات التي تُقيمها الأحزاب السياسية والجماعات المدنية. فقد غنت في السابق: “أنا بتنفس حرية.. ما تقطع عني الهوا… ولا تزيدا كتير عليي.. أحسن ما نوقع سوا… ما بتقدر أبدا تلغيني.. بدك تسمعني و تحاكيني… مافيك تلون هالكون.. عبعضو بذات اللون.”

وفي وجه هذه المعارضة، ناضلت جوليا بطرس للحفاظ على القضايا الإنسانية والاجتماعية التي اعتنقتها منذ الطفولة، وهي الدفاع عن الحق في الحرية والكرامة والسيادة.

لكن التحدي الأكبر الذي يواجهها هو الحفاظ على إرثها الفني، خاصة مع ظهور الفنانات اللواتي يعتمدن بشكلٍ كبير على مظهرهن بدلاً من صوتهن في تسويق أغانيهن، حيث أن الأغلبية منهنّ يفتقرنّ إلى المضمون إلا أنهنّ يتمتعن بشعبيةٍ كبيرة في لبنان. لذلك، سيكون من المهم لها أن تستمر في جذب جمهورٍ واسع في الوطن وعبر العالم العربي، ذلك أنه ينظر إليها كأيقونة للثورة تتأرجح ما بين الخط الفاصل للفن والسياسة.