وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

خديجة السلامي: من “طفلة عروس” يمنية إلى دبلوماسية

خديجة السلامي.
خديجة السلامي. Photo SIPA Press.

“شعرت بقوة، حتى في هذه السن، أنني بالتعليم سأصبح أي شخصٍ وأفعل ما أريد،” كتبت المخرجة اليمنية خديجة السلامي في كتابها دموع سبأ، متحدثةً عن أول أيامها في المدرسة.

خديجة التي ولدت عام 1966 خلال إحدى الحروب الأهلية في اليمن، في ظل والدٍ عنيف يعاني من اضطرابٍ عصبي وأمٌ انتقلت للعيش مع زوجها الثاني، تُركت لتعيش مع جدتها في أحد الأحياء القديمة والفقيرة في صنعاء، إذ لم يكن مستقبلها مُشرقاً، إلا أنّ المدرسة كانت شريان الحياة بالنسبة لها.

ولكن، لم يستمر الأمر طويلاً، ففي سن الحادية عشر، تزوجت من رجلٍ كبير في السن، ولم تعد المدرسة خياراً متاحاً. بدلاً من ذلك، انتقلت مع زوجها إلى دمشق. بعد اغتصابها، ومحاولتها الانتحار، ومعاناتها من نوبات غضب، تمكنت من اقناع زوجها بإعادتها إلى اليمن.

وبعنادها وحرصها الشديد على التعلم، تمكنت من التحرر من عائلتها المحافظة التي تخشى العار، ووجدت لنفسها وظيفة كمقدمة برنامج للأطفال في إحدى محطات التلفزيون، ولا تزال تبلغ من العمر 11 عاماً، حيث كانت ترتاد المدرسة في النهار.

ومن هنا، تحسنت الأمور. ذهبت السلامي للدراسة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وانتهى بها الأمر بالحصول على وظيفةٍ في باريس، حيث تعيش منذ عام 1986 وتعمل كملحق ثقافي للسفارة اليمنية. تزوجت من شارلز هوتس، وهو أمريكي شاركها كتابة دموع سبأ.

وفي الوقت نفسه، لم تتحسن الأمور كثيراً في اليمن، إذ لا تزال التقاليد الاجتماعية والدينية الخانقة سائدة، لتبقى البلاد في أدنى قائمة التقرير اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻟﻠﻔﺠوة ﺒﻴن اﻟﺠﻨﺴﻴن.

الفجوة بين الجنسين موضوعٌ متكرر في أعمال السلامي، التي تتكون في معظمها من الأفلام الوثائقية التلفزيونية مثل “الصرخة،” الذي يتحدث عن دور المرأة خلال انتفاضة اليمن عام 2011، و”غريبة في موطنها،” الذي تتبع فيه فتاة تبلغ من العمر 13 عاماً أثناء تحديها لجميع الأعراف الاجتماعية.

حظيت أعمال السلامي بالإشادة، ففي عام 2013، اختارتها مجلة أرابيان بيزنس، ومقرها الإمارات العربية المتحدة، ضمن قائمة أقوى 500 شخصية عربية في العالم. كان من ضمن القائمة أيضاً إمرأتين يمنيتين، توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 2011، ووفاء الريمي، وهي فتاة تبلغ من العمر 16 عاماً التي تشغل منصب الرئيسة التنفيذية لشركة تعمل بالطاقة الشمسية.

ومع ذلك، لا تتمتع السلامي داخل اليمن بذات الشهرة. “تركت هذه السيدة اليمن منذ فترة طويلة. لا يعرفها أحدٌ هنا، باستثناء من يُطلقون على أنفسهم مثقفين أو المجموعة التي تختلط بها. إذا ما سألت الناس بشكلٍ عشوائي، فلا أحد يعلم الكثير عنها،” هذا ما أخبرتنا به إحدى السيدات اليمنيات في مقابلةٍ مع Fanack.

لم يُثني هذا السلامي عن إخراجها أول فيلم روائي طويل “أنا نجود، إبنة العاشرة ومطلقة،” الذي تم تصويره بالكامل في اليمن. الفيلم مُقتبس عن قصة حقيقة لفتاة اسمها نجود علي، الطفلة العروس الأكثر شهرة في اليمن، التي تزوجت في سن العاشرة ورفعت دعوى طلاق في المحكمة. لم تكن قصة نجود القصة الوحيدة التي أرادت السلامي حكايتها، بل كانت أيضاً قصتها وقصة غيرها من العديد من الأطفال العرائس في اليمن.

فاز هذا الفيلم بجائزة أفضل فيلم روائي في مهرجان دبي السينمائي الدولي، كما عُرض في المهرجانات السينمائية الأخرى في جميع أنحاء العالم، حيث اعتبر من الأفلام التي تحمل في مضمونها رسالةً قوية وغاية في الأهمية.

ويبدو أنّ السلامي مدركة أن قيمة رسالتها تتمثل بوصولها إلى أولئك الذين يستطيعون إحداث التغيير، وعلى وجه التحديد، الأبوين. “لذلك، أود عرض الفيلم في كل قرية في جميع أنحاء بلادي.” هذا ما قالته في مقابلةٍ لصحيفة الأهرام.

ووفقاً لتعليق المحرر في الأهرام، من غير المرجح حدوث هذا “بالنظر إلى الوضع الأمني الحالي.” ولكن لا صلة لهذا بالموضوع، فلن يكون الوضع الأمني في اليمن ما سيمنع السلامي من عرض فيلمها في القرى، بل حقيقة أنّ، بالرغم من نواياها الطيبة، لن تكون قادرةً على تغيير المجتمع اليمني.

يحتاج الأمر إلى أكثر من إرسال الرسائل إلى الجمهور الغربي المتلقي، رسائل قد يقول البعض أنها عاطفية جداً أو تبريرية. في أفلامها وكتابها، تعالج الأمر- على الدوام- بعناية، مظهرةً تفهماً كبيراً للمجتمع اليمني، ومتجنبةً بحذر الحساسيات الدينية، وكاشفةً عن الجمال الخلاب للبلاد.

لا يمكن للمرء لومها، فهي تحب اليمن، ناهيك عن تمثيلها الدبلوماسي للبلاد. إنها صوت العقل، فهي تتمتع بالقدرة أمام جمهورها على توضيح ماهية شتى الأمور مثل الفقر والأمية والفساد ومبادىء المحافظين، كما هي عليه. ومع ذلك، قد يترك هذا نفس الجمهور مرتبكاً وأن هناك، بطريقةٍ أو بأخرى، مجالٌ للأعذار.

ولكن هل يوجد حقاً؟ قد يكون التعليم مفتاح العديد من الأمور، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ما إذا كان المرء بحاجة لأي تعليمٍ على الإطلاق ليدرك أنّ الزواج القسري لفتاة تبلغ من العمر عشر سنوات، ليس فكرة مطروحة في الأصل. ربما ما تُريد حقاً التعبير عنه وقوله، لكن يصعُب عليها الأمر لحساسيته، أنّ الوقت قد حان للتخلص من المربين الدينيين الذين يرون فيه فكرة سديدة.

user placeholder
written by
telesto
المزيد telesto articles