وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ملك المغرب محمد السادس: ملكٌ لكل المواسم

هل سيتمكن ملك المغرب من إعادة الهدوء وسط أشد احتجاجاتٍ تعصف في البلاد منذ الربيع العربي؟

Morocco-faces-King Mohammed VI
ملك المغرب محمد السادس. Photo SIPA Press

يواجه الملك محمد السادس احتجاجاتٍ واسعة النطاق في منطقة الريف، وهي القضية التي تناولها ضمناً وصراحةً في خطابٍ متلفز في 30 يوليو 2017 احتفالاً بجلوسه الـ18 على العرش.

فقد سيطرت الاحتجاجات على منطقة الريف، ذات الأغلبية الأمازيغية (البربر)، منذ أكتوبر الماضي، بعد أن سُحق بائع سمك حتى الموت في شاحنة للقمامة بينما كان يحاول استرجاع سمك أبو سيف الذي تمت مصادرته منه لاصطياده خارج الموسم.

وفي وقتٍ لاحق، تطورت المطالب بتحقيق العدالة لبائع الأسماك إلى حركةٍ اجتماعية تطالب بتوفير الوظائف والتنمية ووضع حدٍ للفساد.

وفي كلمته، انتقد الملك السياسيين والمسؤولين لـ”سوء إدارتهم لمصالح المواطنين،” من خلال عدم معالجة مشاكلهم. غير أنه أوضح أنه لا ينتقد القوى الأمنية التي “تحملت مسؤولياتها بشجاعة وصبر وضبطٍ للنفس، وأظهرت احتراماً كبيراً للقانون.” كما أعلن عن إصدار عفوٍ عن أكثر من ألف سجين، بمن فيهم عددٌ من المعتقلين بسبب مشاركتهم في احتجاجات الريف. ويبقى أن نرى ما إذا كان هذا سيضع حداً للاضطرابات.

ومن الجدير بالذكر أن محمد السادس هو الملك الثالث والعشرون لسلالة العلويين، التي يعود عهدها إلى منتصف القرن السابع عشر. فقد ولد الابن الأكبر للملك الراحل الحسن الثاني، محمد السادس في 21 أغسطس 1963 في العاصمة الرباط.

تولى العرش في 30 يوليو 1999، حيث أضفى تتويجه الصفة الرسمية على منصبه كأميرٍ للمؤمنين، مما يجعله أعلى سلطة سياسية ودينية في المغرب. تتسم هذه المناسبة بإمامته بصلاة الجمعة وإلقاء الخطبة، الأمر الذي يواصل القيام به سنوياً فيما بات يُعرف بيوم العرش.

فقد أعده تعليمه وتدريبه الأكاديمي للمهام التي كان يفترض أن يضطلع بها. فعندما كان في الرابعة من عمره، الحقه والده بالمدرسة القرآنية في القصر، حيث تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في كلية القصر الملكي، قبل أن يدخل جامعة محمد الخامس في الرباط، إذ حصل هناك على درجة البكالوريوس في القانون في عام 1985، وبعد ثلاث سنوات، على درجة الماجستير في القانون العام. ثم دخل جامعة نيس في فرنسا، حيث حصل على الدكتوراه في القانون في عام 1993. تناولت أطروحته للدكتوراه العلاقات بين اتحاد المغرب العربي والسوق الأوروبية المشتركة.

إن دور محمد السادس له عدة جوانب: الدينية والاجتماعية والسياسية / الدبلوماسية والاقتصادية والنفسية.

فمن الناحية الدينية، يقوم بتيسير الإصلاح الدقيق. على سبيل المثال، بعد الهجوم الإرهابي في الدار البيضاء في 16 مايو 2003، قام بنشاط بتشجيع السمة المعتدلة من الإسلام الصوفي وعيّن أحمد توفيق، وهو مؤرخ وروائي محترم ومؤيد للحوار بين الأديان، كوزير للشؤون الإسلامية. وفي عام 2004، أعلن عن إصلاحاتٍ جوهرية في قانون الأسرة، حيث منح المرأة حقوقاً لم يسبق لها مثيل، مثل الحق في الطلاق والحضانة. وفي عام 2006، أعلن عن إنشاء مركزٍ لتدريب المرشدات، وهنّ واعظاتٍ من النساء. وفي عام 2008، صادق على قانون الجنسية الذي يمنح المرأة الحق في نقل جنسيتها إلى أطفالها. وفي عام 2011، عدل الدستور، ليمنح بذلك سلطةً أكبر للسياسيين المنتخبين، سيما رئيس الوزراء الذي كان يتم تعيينه في السابق، على الرغم من أن الملك لا يزال يتمتع بقبضةٍ قوية على الأمن والجيش والمسائل الدينية. وقد جنبت هذه الإصلاحات وغيرها المغرب انتفاضات الربيع العربي، على الرغم من شيوع الاحتجاجات هنا وهناك.

Morocco-faces-King Mohammed VI
ملك المغرب محمد السادس يلوح بالعلم المغربي. Photo Flickr

ومن الناحية الاجتماعية، يُعرف الملك بجهوده الرامية إلى مساعدة الفقراء، الأمر الذي عزز شعبيته إلى حدٍ كبير. وبعد ثلاثة أشهر فقط من جلوسه على العرش، برز الشاب البالغ من العمر 36 عاماً كمحفز قوي للتغيير الاجتماعي والتحديث في منطقة تشهد تحولاً في الأجيال الملكية من المغرب إلى الأردن. وقد تم التأكيد على ذلك من خلال حفل زفافه المتلفز إلى الأميرة لالا سلمى في 21 مارس 2002. فلم يسبق أبداً أن سمحت العائلة المالكة قبل ذلك بتغطيةٍ إعلامية واسعة النطاق لمثل هذا الحدث الخاص. وفي ظل حكم الحسن الثاني الذي توفي قبل عامين آنذاك، ضمنت السيطرة الصارمة على وسائل الإعلام والخدمة الأمنية التي لا ترحم، خصوصية الأسرة داخل المغرب. فقليل من الناس اليوم يتذكرون رؤية صورةٍ لوالدة محمد السادس، كما لم تكن شريحة كبيرة من الناس يعرفون اسمها (أو اسم زوجة الحسن الأخرى).

أما من الناحية السياسية، وبالإضافة إلى قضية الصحراء الغربية، وهي منطقة متنازع عليها تبلغ مساحتها 266 ألف كيلومتر مربع في شمال غرب أفريقيا، توجب على الملك معالجة ثلاث حركات اجتماعية رئيسية هي: الحركة الإسلامية، والحركة الأمازيغية، والحركة النسائية. وتحت ضغطٍ متزايد للتصدي لهذه الحركات، أعلن الملك عن رغبته في تعزيز “مفهومٍ جديدٍ للسلطة.” فعل ذلك من خلال دعواتٍ لتحسين نصيب المغاربة العاديين، الذين كان الكثير منهم يعيشون في فقر.

ومن الناحية الدبلوماسية، بدأ محمد السادس، في فوضى ما بعد الربيع العربي، البحث عن فرصٍ خارج المنطقة. فقد أقام علاقاتٍ قوية مع إفريقيا من خلال الانضمام إلى الاتحاد الأفريقي في 31 يناير 2017، بعد غيابٍ لأكثر من 30 عاماً، إذ قال “حان الوقت للعودة الى ديارنا.”

ومن الناحية الاقتصادية، أولى اهتماماً خاصاً لتنمية المغرب. ومن أبرز إنجازاته في هذا الصدد، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي سمحت لآلاف الرجال والنساء المغاربة من الطبقات الفقيرة في المجتمع بالحصول على دخلٍ منتظم.

ومن الناحية النفسية، يُعترف بدور الملك، على نطاقٍ واسع، كقوةٍ للاستقرار في المغرب وخارجه. وكثيراً ما ينظر إلى هذه المهمة باعتبارها عاملاً موحداً ذلك أنها تحول دون تعدد الأصوات الدينية والتطرف. فعلى سبيل المثال، تم تناول العديد من الموضوعات الحساسة مثل وسائل منع الحمل والإجهاض والسلطة الدينية للمرأة في إطار الإسلام المعتدل، وبالتالي تجنب الاضطرابات الاجتماعية.

وبالرغم من هذا، يواجه الملك، والمغرب ككل، تحدياتٍ غاية في الأهمية، سيما وضع الصحراء الغربية، وانتشار الفقر، وعدم المساواة الاجتماعية. ولا تزال البطالة بين الشباب تتجاوز ما نسبته 20%، والفساد، وفقاً لتسريبات السفارة الأمريكية التي أطلقها ويكيليكس.