وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مروان البرغوثي- من المعتقل إلى الرئاسة؟

مروان البرغوثي اثناء محاكمته في تل أبيب عام 2004 Photo Rina Castelnuovo/The New York Times
مروان البرغوثي اثناء محاكمته في تل أبيب عام 2004 Photo Rina Castelnuovo/The New York Times

مازال الفلسطينيون يؤمنون بأهمية وجود زعيم سياسي ذو تأثير يلتف من حوله الشعب ويؤيده ويحقق لهم المشروع والحلم الوطني. فبعد أكثر من عشر سنوات من رحيل ياسر عرفات، مازال الشعب الفلسطيني يستذكرونه وينظرون له بنظرة الزعيم الذي لم يستطع خليفته تعبئة الفراغ الذي تركه.

الوحيد الذي يخطر على بال المجتمع الفلسطيني ليتربع على هذا الموقع هو مروان البرغوثي، القابع في سجون الإحتلال الإسرائيلي منذ أبريل 2002.

بلا أدنى شك يعتبر البرغوثي المولود عام 1959 ابن قرية كوبر القريبة من رام الله والذي بدأ يقترب من العقد السادس من حياته، أحد أهم الرموز الفلسطينية وأحد أهم قياديي حركة فتح الفلسطينية التي انضم إليها بعمر الخامسة عشرة، حيث أمضى جُل حياته في المعترك التنظيمي و السياسي.

وفي عام 1976 وبعمر الثامنة عشر، أعتقل مروان البرغوثي من قِبل السلطات الإسرائيلية، حيث أنه تعليمه الثانوي (التوجيهي) في سجون الاحتلال. وفي عام 1983 التحق بجامعة بيرزيت وجرأته مكنته من ترأس مجلس طلبة جامعة بيرزيت لثلاث دورات متعاقبه، وهو الذي عمل على تأسيس حركة الشبيبة الطلابية التابعة لفتح. مما حذى بقوات الإحتلال الإسرائيلي بعد إعتقاله لعدة مرات، منها ستة سنوات متتالية، بنفيه في نهاية الأمر إلى خارج البلاد في عام 1986 بقرار من وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك اسحق رابين في إطار سياسة الإبعاد التي طالت العديد من القادة الفلسطينين.

في المنفى، تم تكليف البرغوثي إلى جانب خليل الوزير من حركة فتح بمسؤولية تنظيم حركة فتح في الأراضي الفلسطينية. وينظر كل من الإسرائليين والفلسطينيين إلى مروان البرغوثي بإعتباره مهندس الإنتفاضة الأولى وعقلها المدبر (1987- 1993).

إنجازاته على الأرض مهدت له الطريق ليكون من بين خمسين عضواً تم إنتخابهم بشكل مباشر في المجلس الثوري لحركة فتح في المؤتمر الخامس للحركة عام 1989، وكان البرغوثي في ذلك الوقت العضو الأصغر سنا الذي يُنتخب في هذا الموقع القيادي الرفيع في تاريخ الحركة.

وفي أبريل عام 1994 عاد البرغوتي على رأس أول مجموعة من المبعدين الى الأراضي الفلسطينية في إطار إتفاقية أوسلو لعام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. وفي أول إجتماع لقيادة حركة فتح في الضفة الغربية تم إنتخابه بالإجماع أمين سر حركة فتح في الضفة الغربية، ليبدأ مرحلة جديدة من العمل التنظيمي والنضالي. وفي عام 1996 وفي إطار الإنتخابات العامة للمجلس التشريعي الفلسطيني تم إنتخاب البرغوتي عن دائرة رام الله وعمل في المجلس في إطار كل من اللجنة القانونية واللجنة السياسية، وقد كان ذلك بسبب إهتمامه الشديد بموضوع سيادة القانون وتعزيز السلطة القضائية وإستقلاليتها من ناحية، ومن ناحية أخرى مواصلة العمل السياسي من أجل إنهاء برنامج التحرير والإستقلال من ناحية اخرى.

المراقب للأمر يجد أن الانتفاضة الثانية (2000-2005) كان لها الدور المحوري في رفع إسم مروان البرغوتي وزيادة شعبيته في الأوساط الفلسطينية، ليس فقط داخل حركة فتح، وإنما بكافة تياراتها السياسية، إلا أنّ شهرته هذه كانت محفوفة بالمخاطر. ولدوره البارز في مواجهة الإحتلال تعرض البرغوثي إلى أكثر من محاولة إغتيال ونجا منها، سواء بالقصف الإسرائيلي المباشر أو بمحاولة سيارة مفخخة، الى أن تم إعتقاله مجدداً عام 2002 وإدانته بصفته أمين سر حركة فتح في الضفة الغربية وبالتالي تحمل مسؤولية العمليات المسلحة لكتائب شهداء الاقصى التابعة لحركة فتح. وفي عام 2004، حُكم عليه بالسجن المؤبد خمس مرات بتهمة القتل، حيث رفض الدفاع عن نفسه مصراً على أنّ المحاكمة غير قانونية.

ومنذ ذلك الوقت، بقى مروان البرغوثي الحاضر الغائب على الساحة السياسية الفلسطينية سواء داخل أروقة حركة فتح أو فيما يتعلق بالقضية الوطنية، حيث ترأس قائمة حركة فتح في الإنتخابات التشريعية في شهر يناير لعام 2006 رغم وجوده في المعتقل، بالإضافة إلى إنتخابه عضو اللجنة المركزية لمؤتمر حركة فتح السادس في أغسطس عام 2009. المفاجأة الكبرى حققها البرغوتي في انتخابات اللجنة المركزية لمؤتمر حركة فتح السابع نهاية نوفمبر لعام 2016، بحصوله على أعلى الاصوات، لدرجة ان الغالبية من انصار حركة فتح طالبت بمنحه منصب نائب رئيس حركة فتح، وهو لم يتحقق له.

الموقف الوطني البالغ الأهمية الذي يذكرُه التاريخ له هو مبادرته مع زملائه في الفصائل الأخرى في المعتقل الإسرائيلي بصياغة وثيقة الأسرى في صيف عام 2006 والتي سُميت فيما بعد بوثيقة الوفاق الوطني التي تعبر عن القواسم المشتركة لجميع الفصائل الفلسطينية والتي تم بموجبها الاتفاق على برنامج سياسي موحد تم التوقيع عليه من قبل كافة فصائل المقاومة الفلسطينية بإسثناء حركة الجهاد الاسلامي التي تحفظت على بعض بنود الوثيقة.

لم تكن إستطلاعات الرأي في عام 2016 غير محقة عندما أجمعت بأن مروان البرغوتي هو الشخصية السياسية التي يثق بها غالبية المجتمع الفلسطيني، والتي أجمعت في غالبيتها أيضاً بأنه الشخصية التي لو تقدمت في إنتخابات رئاسية سوف يكون لها الحظ الأوفر في النيل بها.

في حقيقة الأمر أن البرغوثي قريب من الناس، يلبس من ما يلبسون ويأكل من ما يأكلون. كما أن انتمائه لحركة فتح منذ فترة طويلة جداً يعني الكثير بالنسبة للفلسطينين، ومقارعته للإحتلال ودفعه أثمان باهظة من حريته حيث خاض التجربة الاعتقالية مرات ومرات ومازال يقبع تحت سوط السجان. والسبب الأخير في هذا السياق هو إحترام الفصائل الفلسطينية له وخاصة حركة حماس التي لم يسجل التاريخ بأنه خاض سياسة معاداة مع الحركة الاسلامية، على العكس من ذلك فهو أول من طالب عرفات بإدماج حركة حماس في المعترك السياسي والسلطة الوطنية بعد إندلاع الانتفاضة الثانية وكان صاحب مقولة “شركاء في الدم… شركاء في القرار”، المقصود بها من يشارك في التضحية في مكافحة الإحتلال يجب أن يشارك في صناعة القرار.

المتابع للشأن الفلسطيني يعرف بأن هناك ثلاث عوامل يجب أن يمتلكها السياسي الفلسطيني لقيادة الشعب، وهي أولاً الدعم الحزبي والقبول المجتمعي، ثانيا: القدرة على جعل قادة الاجهزة الامنية والعسكرية يمتثلون له و لقراراته، وثالثاً: القبول الدولي. هذه الشروط الثلاث غير مجتمعة لغالبية الشخصيات الفلسطينية الحالية، وبالتالي فإنّ الشخصية الوحيدة التي تمتلك بلا أدنى شك العنصرين الأول والثاني هي شخصية مروان البرغوتي، أما بالنسبة للعنصر الثالث فهو مرهون بموقف سياسي إسرائيلي ودولي.

على الرغم من وجود البرغوتي في الاعتقال الاسرائيلي منذ اكثر من خمسة عشر عاماً، لم ينطوي البرغوتي على نفسه، فلقد استمر برفع صوته في الشأن السياسي الداخلي، وخاصة فيما يتعلق بالمصالحة بين فتح وحماس، وواصل مقارعة الاحتلال الاسرائيلي، فلقد دعى البرغوتي مع مجموعة من زملائة البرلمانيين للاضراب عن الطعام، حتى تتحقق مطالب المعتقلين الفلسطينيين. فمنذ 17 أبريل 2017 يخوض اكثر من 1600 فلسطيني معتقل الاضراب عن الطعام، وبعد مرور اكثر من أربعة اسابيع (لغاية كتابة المقالة) مازال الاضراب مستمرا ووضع المعتقلين الصحية يزاد سوءاً.

وفي رسالة كتبها البرغوثي من داخل معتقله وخص بها صحيفة نيويورك تايمز، يحث فيها برلمانيي المجتمع الدولي لوضع حد للسياسات الاسرائيلية، مؤكدًا أن اسرائيل اعتقلت اكثر من 70 برلمانيًا، منهم 13 برلمانيًا مازالوا داخل السجون، وهو يعد إهانة لكل البرلمانيين وللديمقراطية ولحقوق الإنسان في العالم. اسرائيل تزعم بأن ال6500 معتقل “ارهابيون”، بينهم 300 طفل و56 امرأة و13 برلمانيًا و28 صحفيا، بجانب 500 محتجز إداريا دون اتهام أو محاكمة لفترات غير محددة. المعتقلون يطالبون بنهاية الإجراءات التعسفية والاستبدادية ضدهم، ونهاية التعذيب والمعاملة السيئة، وبإنهاء الإهمال الطبي، وبإنهاء القيود الصارمة على الزيارات العائلية والاتصال الشرعي، وباحترام حقهم في التعليم، مطالب مشروعة وفقًا للقانون الدولي.

الفرصة الوحيدة لكي يخرج البرغوثي من المعتقل الإسرائيلي تكمن في توفر شروط سياسية محددة ومناخ سياسي مناسب لكي يُتخذ قرار توافقي بانهاء الصراع المستمر منذ عدة عقود بشكل نهائي. إسرائيل والمجتمع الدولي سيجدان أن الوحيد القادر على تسويق الصفقة فلسطينيا  هو مروان البرغوثي بسبب صفاته المذكورة سابقا لدى المجتمع الفلسطيني الذي لا يشك مطلقاً بوطنية البرغوثي.