وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

قائد المليشيات المثير للجدل يصبح الرجل الثاني في السودان

Sudan- Hamidati
Photo: mubasher.aljazeera.net

أصبح المستقبل السياسي للواء محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، غير مؤكد في أعقاب الفض الدموي لاعتصام المتظاهرين في العاصمة السودانية الخرطوم في 3 يونيو 2019. أسفرت حملة القمع، التي يتهم زعماء الاحتجاج حميدتي، نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، بشنها، عن ما لا يقل عن 108 قتيلاً ومئات الجرحى.

لمع نجم الجنرال المثير للجدل محمد حمدان دقلو، المشهور بـحميدتي، في المشهد السوداني في السنوات السبع الأخيرة من الحرب في إقليم دارفور. وارتبط اسمه بمليشيات الجنجويد، التابعة للقبائل العربية في دارفور، المناصرة لحكومة الرئيس المخلوع عمر البشير. سرعان ما تغيرت حياة الرجل من تاجر صغير إلى مقاتل في صفوف الحكومة البائدة تحت إمرة أشهر رجل في حرب دارفور زعيم قبيلة المحاميد العربية، موسى هلال، أبرز المطلوبين لدى المحكمة الجنائية في لاهاي عن جرائم حرب.

في عام 2016، عمد البشير لتنصيب حميدتي قائداً لقوات الدعم السريع المُشاركة في حرب اليمن ضمن التحالف السعودي. مقابل خدماته الجليلة، منحه البشير رتبة لواء مع أنه لم يتدرب يوماً واحداً في الكلية الحربية ولم يتدرج في الترتيب المعروف في سلم القوات السودانية المسلحة. ثم قفز بزانة مليشيات الدعم السريع ليصل لرتبة فريق أول قبيل تعينه نائباً أول لرئيس المجلس العسكري في السودان بعد الإطاحة بالبشير من الحكم في أبريل 2019. يسخر معارضوا الرجل بأن حميدتي يكاد يكون العسكري الوحيد في السودان بل ودول العالم أجمع الذي وصل لرتبة فريق أول دون التدرج الطبيعي في سلم العسكرية.

البدايات

ينحدر حميدتي من قبيلة الرزيقات العربية المتمددة في ولايات شرق وشمال دارفور غربي السودان. على الرغم من أنه لم ينجح في إكمال تعليمه لكنه أظهر قدرة واضحة على التعلم. فقد أظهر ميوله التجارية منذ الصغر ودخل في المجال التجاري منذ العام 1991. عمل في تجارة الإبل والقماش بين السودان وليبيا ومصر حتى اندلاع الحرب في إقليم دارفور عام 2003.

لم يكن انضمام حميدتي إلى العسكرية مُرتباً له، لكن سريعاً ما تغيرت الأوضاع في الإقليم واضطربت الأوضاع، حيث استقطبت حكومة البشير القبائل العربية لتُقاتل في صفها ضد المتمردين وغالبيتهم من القبائل الأفريقية في دارفور لتأخذ الحرب مُنحنى عرقياً قبلياً في الإقليم.

بدايةً، شاركت القبائل العربية بشكلٍ عشوائي تحت مسمي قوات الدفاع الشعبي ضد التمرد، إذ لم يكونوا جنوداً نظاميين بملفات ورواتب وحقوق. وعليه، قاد حميدتي وفد ممثلي المجموعات المُقاتلة في صف الحكومة إلى الخرطوم وطالبت المجموعة بتجنيد هذه القوات في الجيش رسمياً، وتمت الموافقة على ذلك بعد اخضاعهم لتدريب قصير.

النجاح العسكري

تم في عام 2003 تعيين حميدتي في حرس الحدود، المألفة إلى حدٍ كبير من أعضاء من قبيلة المحاميد.  حققت قوات حرس الحدود بالفعل نجاحاتٍ عسكرية ضخمة ضد المتمردين وسرعان ما رجحت المليشيات كفة القتال لصالح الحكومة وأجبرت المتمردين على الانقسام ودخل بعضهم في مفاوضاتٍ مع الحكومة في العام 2004.

تشكلت قوات الدعم السريع في العام 2006 ودخلت بنجاحٍ في معارك لقمع قوات حركة العدل والمساواة المتمردة بقيادة خليل إبراهيم. بعد النجاحات المُتتالية للدعم السريع تم استيعابها تحت قيادة جهاز الأمن والاستخبارات.

كان التحول الكبير في مسيرة حميدتي في نوفمبر 2017، بعد الانقلاب على رئيسه موسى هلال بعد رفض الأخير الانصياع لقرار جمع السلاح بعد الضغوط الكبيرة من المجتمع الدولي على حكومة البشير بتجريد المليشيات من السلاح وقصره على القوات النظامية فقط.

كلفت قوات حميدتي بجمع السلاح من رئيسه السابق هلال، ومن ثم دخل الطرفان في مواجهاتٍ أسفرت عن مقتل شقيق هلال. بعدها كانت المعركة الفاصلة، حيث تمكنت قوات حميدتي في معركة قصيرة من القبض على موسى هلال. عندما تمت الإطاحة بالبشير في أبريل 2019، أوردت التقارير أن هلال لا يزال يقبع في السجن.

انتقادات محلية ودولية

واجهت قوات الدعم السريع انتقادات واتهامات واسعه من داخل السودان ومن المجتمع الدولي. ووجه السيد الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة، انتقادات حادة لقوات الدعم السريع آنذاك ووصفها بأنها مليشيات مسؤولة عن انتهاكات إنسانية في دارفور مما دفع الحكومة للزج بالمهدي في السجن إثر تلك التصريحات. وهناك جهات دولية وأحزاب مدنية معارضة وحركات متمردة مسلحة، زعمت أن الدعم السريع هي امتداد لـمليشيا الجنجويد سيئة السمعة، وتعتمد في مكونها على العنصر العربي في دارفور، لكن حكومة البشير، ظلت تنفي عن هذه القوات صفة القبلية، وأكد المسؤولون الحكوميون مراراً أنها قوة نظامية قومية.

فقد شهدت عدة مدن سودانية بعيدة عن دارفور في الآونة الأخيرة، احتفالات بتخرّج الآلاف من مجندي هذه القوات، وهو ما اعتبره حميدتي “تأكيد على قوميتها وأنها لا تمثل قبيلة واحدة كما يروج الأعداء.”

في مايو 2014، دخلت قوات الدعم السريع في جدل مع البعثة الأممية المختلطة “يوناميد” في دارفور، ووجهت اتهامات لقوات البعثة “بأنها تتربح من وراء الحرب الدائرة بالإقليم، وتسعى لتمديد أمدها،” وجاء ذلك رداً على تقارير أممية اتهمت قوات الدعم السريع بارتكاب “جرائم فظيعة” في دارفور.

مراكمة الثروة

في خضم الاضطرابات السريعة في المشهد السياسي السوداني، عمل حميدتي أيضاً على جمع المال ومراكمة الثروة بالانخراط في صناعة تعدين وتجارة الذهب في منطقة جبل عامر في دارفور حيث انتزع بالقوة مناجم التعدين الاهلي الذي كان يهيمن عليها منافسه موسى هلال. إضافةً إلى ذلك، كان يقوم بأعمال تجارية أخرى تحدث عنها دون أن يفصح عن طبيعتها. كما حصل على اموال طائلة لا يعرف مقدارها من مشاركة قواته في الحرب في اليمن. وقد أكد ذلك بنفسه قي مؤتمر صحفي عقب تعيينه نائباً لرئيس المجلس العسكري الانتقالي الحكم في السودان، مشيراً إلى أنه قد سلم البنك المركزي السودان مبلغ 27 مليار دولار لاستيراد الوقود والقمح.

ومع ذلك، لم يكن حتى أكثر المتفائلين يتوقع أن يخذل حميدتي، الرئيس المخلوع عمر البشير، ويصطف الى جانب حركة المحتجين التي انبثقت في ديسمبر 2018. وفي الوقت نفسه، أثار رفضه لقرارات البشير ودعمه لمطالب المتظاهرين جدلاً جديداً حول شخصيته وولائه.

رفض حميدتي التورط في فض المظاهرات التي أطاحت في نهايتها بالبشير، وأقر بأن للمتظاهرين مطالب مشروعة خرجوا للتعبير عنها. وكانت نقطة التحول الكبيرة عندما خاطب حميدتي قواته العائدة من الحدود السودانية الليبية إلى منطقة طيبة الحسناب، جنوبي العاصمة الخرطوم، حيث انتقد الرجل في خطاب شهير سياسات الحكومة التي تسببت في الازمة الاقتصادية ودعا لمحاسبة كل من يعمل علي تخريب الاقتصاد من الفاسدين أيَاً كانت وجهته.

أرسل حميدتي عدة رسائل سياسية خلال ذلك الخطاب، وأكد أن الدعم السريع يقف بالمرصاد للمندسين والمتمردين و المهربين والمخربين، لافتاً الى أن مهمة قواته هي حماية البلاد والحدود وليس قمع المحتجين. ويقول شهود عيان أن قوات حميدتي تدخلت في الايام الاخيرة الحاسمة من اعتصام المحتجين في الخرطوم لحماية المعتصمين من هجمات المليشيات المسلحة الاسلامية الموالية للنظام.

معادلة سياسية جديدة

بعد الإطاحة بالبشير واصل حميدتي إثارة انتباه الرأي العام، حيث انحاز مجدداً إلى جانب المعتصمين الذين رفضوا تولي وزير الدفاع عوض ابن عوف رئاسة المجلس العسكري، وأكد رفضه لأي حلول لا ترضي الشعب السوداني. كما طلب من قادة الانتفاضة فتح باب الحوار والتفاوض للوصول الى حلول ترضي الشعب السوداني وتجنب البلاد من الانزلاق والفوضى.

بعد الرفض الشعبي الذي قوبل به مجلس أبن عوف سارع حميدتي للاعتذار عن المشاركة فيه، وأعلن في بياٍن رسمي انحيازه لخيارات الشعب السوداني، وأكد انحيازه وقواته لخيارات الشعب السوداني بكافة اطيافه. أثارت تصريحه تشويشاً داخل المجلس العسكري، حيث أعلن أن ابن عوف قد استقال من منصبه بعد أقل من 24 ساعة من تعيينه وتعين الفريق اول عبد الفتاح البرهان الرئيس الحالي للمجلس العسكري في السودان خلفاً له

لم يجد قادة الجيش مناصاً من تعيين حميدتي في منصب نائب رئيس المجلس العسكري في السودان برئاسة البرهان لأن قواته التي استدعاها البشير لحمايته هي التي لعبت الدور الحاسم في اسقاطه. اضافةً إلى أن حميدتي كان مقرباً من الفريق عبد الفتاح برهان منذ تعاونهما معاً في الحرب الاهلية في دارفور اعوام 2004 الي 2008، ومؤخراً، كان مسئولاً عن ملف القوات السودانية في عاصفة الحزم باليمن، والتي تعتبر قوات الدعم السريع أكبر مكوناتها.

الفريق اول حميدتي متزوج من زوجتين ولديه عدد من الاطفال.