وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

محمد صلاح: نجمٌ أكبر من مصر؟

Egypt- Mohamed Salah
مصريون يتابعون نهائي دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، بين ريال مدريد وليفربول، في أحد المقاهي في العاصمة المصرية القاهرة في 26 مايو 2018. Photo AFP

ضجت المقاهي في جميع أنحاء مصر بالشتائم عندما تسبب مدافع ريال مدريد، سيرجيو راموس، بإصابة مهاجم ليفربول، محمد صلاح، بتدخلٍ عنيفٍ من الأول في نهائي دوري أبطال أوروبا في 26 مايو 2018.

ويعتبر صلاح، الذي بلغ الـ26 من عمره في يونيو الجاري، أنجح لاعبٍ في تاريخ كرة القدم المصرية وبطلاً قومياً. وبالنسبة للعديد من المصريين، هو أكثر من مجرد لاعبٍ فذ، فهو مثالٌ حي على كيفية تحول شابٍ من خلفية بسيطة ومتدينة إلى نجم. ولكن على الرغم من شعبيته، إلا أن صلاح لم ينج من السياسة في البلد الذي يحكمه العسكر.

فقد بدأ صلاح مسيرته الاحترافية في عالم كرة القدم مع نادي المقاولون العرب، وهو نادٍ صغير في القاهرة يُشارك في الدوري الممتاز في مصر. وبعد أن تم إيقاف الدوري بعد مذبحة استاد بورسعيد في عام 2012، غادر صلاح مصر للانضمام إلى نادي بازل السويسري، لينتقل بعدها إلى كلٍ من تشيلسي وفيورنتينا وروما، وصولاً إلى ليفربول في عام 2017، حيث سطع نجمه في عالم المستديرة. فقد أصبح هداف الدوري الإنجليزي الممتاز، الذي يعدّ على نطاقٍ واسع أحد أقوى الدوريات في العالم، بعد أن سجل 34 هدفاً. وفي موسم 2017/2018، حصل على جائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي الممتاز للموسم، وأفضل لاعب كرة قدم إفريقي. كما كان لاعباً أساسياً في مباريات ليفربول لمنافسات دوري أبطال أوروبا. ومع ذلك، بعد تعرضه لخلعٍ في الكتف في المباراة النهائية، ظهر ضعف أداء فريق ليفربول وخسر في نهاية المطاف.

كما أن صلاح أحد اللاعبين البارزين في المنتخب الوطني لمصر. فبعد ركلة جزاءٍ في الدقيقة الأخيرة لمنتخب بلاده ضد الكونغو في نوفمبر 2017، منح صلاح مصر أول مشاركةٍ لها في نهائيات كأس العالم منذ 28 عاماً. وعلى الرغم من عدم تعافيه الكامل من إصابته الأخيرة خلال منافسات كأس العالم لعام 2018 الجارية حالياً، إلا أن صلاح أحرز هدفيّ بلاده الوحيدين- ضد كلٍ من روسيا والمملكة العربية السعودية– بالرغم من خروج المنتخب في نهاية المطاف من المونديال في دوري المجموعات.

ومع ذلك، فهو مدين بشعبيته الكبيرة في مصر بما يتخطى مهاراته في تسجيل الأهداف. فصلاح، الذي ولد في قرية نجريج الصغيرة في دلتا مصر، جاء من خلفيةٍ متواضعة، إذ يبدو أنه يحافظ على هذا التواضع في مقابلاته، مبتعداً كل البعد في حياته العامة عن البهرجة التي يعيشها المشاهير. فعلى سبيل المثال، بعد تسجيله أربعة أهدافٍ في إحدى المباريات، اعتذر من حارس مرمى الفريق الثاني. وعلاوة على ذلك، فهو لا يتنكر لجذوره، إذ أفادت التقارير أنه تبرع بـ450 ألف دولار لقريته الأم لبناء محطة لمعالجة المياه، فضلاً عن تبرعه بأموالٍ لشراء معدات للمستشفى، وسيارة إسعاف، ولتجديد مدرسة القرية. وعندما عرضت صورة طفل صغير كتب اسم محمد صلاح على قميصٍ بالٍ عبر شاشة التلفزيون المصري، اتصل صلاح على الفور بالمنتجين وأرسل للطفل قميصاً رسمياً لفريق ليفربول. كما رفض استلام فيلا فاخرة عرضها عليه أحد رجال الأعمال المصريين كمكافأةٍ له على جهوده في مبارة الكونغو، إذ قال إن التبرع بالأموال لقريته الأم سيجعله أكثر سعادة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن صلاح مسلمٌ متدين، وهو أمرٌ يعدّ محط تقديرٍ كبير في بلدٍ كمصر ذو الأغلبية المسلمة والمحافظة. وغالباً ما يقرأ سورة الفاتحة قبل أن يبدأ أي مباراة ويسجد شكراً لله بعد تسجيل أي هدف. فقد إنتشر فيديو لمشجعي ليفربول وهم يغنون لصلاح “إذا سجل المزيد من الأهداف فسأصبح مسلماً،” كالنار في الهشيم في مصر وفي جميع أنحاء العالم العربي. في الواقع، يتم تشبيه صلاح بسفير الإسلام، إذ يقول البعض أنه ساهم في محاربة الإسلاموفوبيا.

بل وصل الحد بوسائل الإعلام المحلية إلى ربط شعبية صلاح بآمال ثورة 25 يناير 2011.

فقد كتب موقع مدى مصر الإخباري المستقل “بالنسبة للمصريين اليوم، يعتبر صلاح تجسيداً لأحد الظروف التي حضّت على الثورة: الطريق نحو حق الاختيار، الحق في تغيير رأيه، والسعي نحو مساراتٍ بديلة.” وأضاف المقال أيضاً “صلاح مثالٌ حي لكل شابٍ مصري أن لا أحد في البلاد يحتاج إلى الدولة للبقاء على قيد الحياة، أو للنجاح.” قد يبدو هذا الرابط بعيد المنال، إلا أنه بالتأكيد منح المصريين شيئاً يفخرون به خلال الأوقات العصيبة والركود الذي يعانونه بشكلٍ عام، سواء كان اقتصادياً أو سياسياً، مما جعله يلقب بـ”صانع السعادة.”

ومع ذلك، فمنذ استيلاء الجنرال عبد الفتاح السيسي، الذي تحول إلى رئيسٍ للبلاد في عام 2013، واستيلائه على السلطة هو ونظامه الاستبدادي على نحوٍ متزايد، لا يمكن لأحد أن يكون أكبر من الدولة. فقد أدرج نجم كرة القدم المعتزل محمد أبو تريكة على قائمة “الإرهاب” للأفراد الذين يُزعم انتماؤهم إلى جماعة الإخوان المسلمين المحظورة ويعيشون في المنفى الاختياري. وربما نتيجةً لذلك، ابتعد صلاح عن السياسة ويبدو أنه يريد تجنب المشاكل مع الدولة. فقد تبرع بمبلغ 5 ملايين جنيه مصري (285 ألف دولار) إلى صندوق “تحيا مصر” الذي يستخدم في المشروعات الحكومية “الوطنية” الكبيرة مثل توسيع قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة. إلا أنه وجد نفسه بيدقاً سياسياً دون رغبةٍ منه، سواء كان ذلك لاستخدامه في تحقيق مكسبٍ سياسي أو لتشويه سمعته من قبل وسائل الإعلام الموالية للنظام.

ففي أبريل، أحرج الاتحاد المصري لكرة القدم صلاح بوضع صورته على طائرة الفريق الوطني إلى جانب الراعي الرسمي للمنتخب، وهي شركة الاتصالات وي (WE)، رغم أنه يملك عقد رعاية خاص به مع فودافون. وفي تغريدةٍ لصلاح تعليقاً على هذا الأمر، قال: ” طريقة التعامل فيها إهانة كبيرة جداً… كنت أتمنى أن يكون التعامل أرقى من ذلك.”

وخلال تواجد المنتخب المصري القصير في منافسات كأس العالم، عاد صلاح إلى تصدر عناوين الصحف مجدداً. فقد كان مقر المنتخب المصري في عاصمة الشيشان، غروزني، التي يتزعمها رجل المنطقة القوي، رمضان قديروف. فقد استغل قديروف، الذي اشتهر بحملات القمع الوحشية ضد المعارضة، صلاح لتعزيز صورته، وذلك بدايةً بالتقاطه صوراً مع اللاعب أمام الصحافة العالمية خلال التدريبات، وبعدها من خلال منح صلاح المواطنة “الشرفية” لجمهورية الشيشان.

وذكرت العديد من وسائل الإعلام أن صلاح كان غير راضٍ عن استغلاله لأغراض سياسية وبأنه يفكر في اعتزال المنتخب الوطني. نفى اتحاد كرة القدم المصري جميع التقارير، إلا أنه لم يصدر أي رد فعلٍ عن صلاح.

وبالرغم من استمرار الشائعات، إلا أن المصريين لم يتخلوا عن صلاح. بل على العكس، أصبح وسم (هاشتاغ) أنا مع صلاح، الأكثر تداولاً في مصر. فقد كان هذا تعبيراً عن دعم المصريين للاعب، سواء انسحب من الفريق الوطني أم لم يفعل، وانتقاداً للنظام المصري الذي يحطم نجاح أي شخص.