وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، المؤثّر الرئيسي في دولة الإمارات العربية المتحدة

الشيخ محمد بن زايد
رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة المُنتخب حديثًا الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال لقاء مع الرئيس الفرنسي في قصر المشرف في أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة، في 15 مايو عام 2022. كريستيان هارتمان / وكالة الصحافة الفرنسية

يحظى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة منذ 14 مايو عام 2022، باحترامٍ كبير من قِبل زملائه الإماراتيين، ويتمتع بعلاقاتٍ وثيقة للغاية على الساحة الدولية.

لعب الشيخ بن زايد دورًا بارزًا باعتباره الحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، بعد إصابة شقيقه خليفة بن زايد (الرئيس السابق) بجلطةٍ دماغيةٍ في عام 2014. وفي 13 مايو 2022 توفّي خليفة بن زايد وشغل الشيخ محمد بن زايد منصب الحاكم كخليفًا له.

الخلفية العسكرية

ولد بن زايد في مدينة العين عام 1961، عندما لم تكن الإمارات العربية المتحدة بلداً أو دولةً، بل كانت تُعرف باسم الإمارات المتصالحة، وهي مجموعة من الإمارات الخاضعة للحماية البريطانية شُكلّت في أواخر القرن التاسع عشر للسيطرة على القرصنة في الخليج العربي.

كان بن زايد في العاشرة من عمره عندما جمع والده، الشيخ زايد ، اتحاداً من ست عشائر رئيسية أخرى لتشكيل الإمارات العربية المتحدة.

تلقى تعليمه في المدارس المحلية في العين وأبو ظبي. وفي عام 1979، التحق بأكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في المملكة المتحدة- حليفة أسرته منذ فترةٍ طويلة- حيث حصل على دورة دروع تأسيسية ودورة طيران تأسيسية وتحويل طائرات عمودية وطيران تكتيكي ودورة مظليين. تخرج بعد عام وعاد إلى دياره لينضم إلى دورة تدريب الضباط. شغل عدة وظائف في الجيش الإماراتي، بدءاً من ضابطٍ في الحرس الأميري (قوة أمن النخبة في الإمارات) وطيار في سلاح الجو، وصولاً إلى منصبه الحالي كنائبٍ للقائد الأعلى للقوات المسلحة.

وعلى الرغم من تخليه عن الزي العسكري منذ فترةٍ من الزمن، إلا أنه يبقى في المقام الأول والأخير رجلٌ عسكري. وبإلقاء نظرةٍ على سيرته الذاتية على الموقع الإلكتروني للحكومة الإماراتية، يظهر مدى تأثيره والدور الذي لعبه في الجيش، مما يُفسر زيادة ميزانية الجيش والترسانة منذ أن أصبح الحاكم الفعلي، إذ بات اليوم الجيش الإماراتي واحداً من أفضل الجيوش تسليحاً في المنطقة. تزوج بن زايد الشيخة سلامة بنت حمدان بن محمد آل نهيان في عام 1981 ولديه منها تسعة أطفال.

وبعيداً عن السياسة، يرأس صندوق محمد بن زايد للمحافظة على الكائنات الحية ، وهو وقف خيري أسس لتقديم المنح للمبادرات الفردية في مجال حفظ الأنواع، وتكريم رواد الحفظ والبحث العلمي، وتسليط الضوء على قضية حفظ الأنواع، ورفع مستوى الوعي بشأنها في مجتمعات ومحافل صون موارد الطبيعة الأحيائية.

ولكونه مُربياً ومدرباً شغوفاً للصقور، يلتزم بن زايد بحماية الصقور، فضلاً عن الأنواع الأخرى، بما في ذلك حيوانات المها وطيور الحبارى في شبه الجزيرة العربية. وتماشياً مع تفانيه لحماية البيئة، تولى أيضاً زمام المبادرة في مشاريع الطاقة البديلة في أبو ظبي، وخاصة مدينة مصدر.

وعلاوة على ذلك، فهو ملتزمٌ أيضاً بمكافحة الاتجار بالبشر من خلال التبرع بمبلغ 55 مليون درهم لمبادرة الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الاتجار بالبشر؛ وفي عام 2011، تعهد هو ومؤسسة غيتس الخيرية بمبلغ 50 مليون دولار لكلٍ منهما لتمويل شراء وتسليم اللقاحات للأطفال في أفغانستان وباكستان.

الاستراتيجية الدولية

شهِد بن زايد أثناء نشأته التحول السريع لدولة الإمارات العربية المتحدة من مجرد منازل بسيطة إلى فنادق هيلتون و ناطحات السحاب. وطوال الوقت، أدرك هو ووالده، الشيخ زايد بن سلطان، وشقيقه خليفة بن زايد، درسين مهمين: لا يمكن بقاء دولة الإمارات العربية المتحدة دون حمايةٍ خارجية، كما أن عليهم المحافظة على أهمية استراتيجية للإبقاء على اهتمام ومساندة حلفائهم الغربيين. وعلاوة على ذلك، فإن الموقع الجغرافي للبلاد يضعها بين قوتين إقليميتين أظهرت كلٌ منهما، على مر التاريخ، اهتماماً بالسيطرة عليها.

فقد احتل شاه إيران ثلاث جزرٍ في الخليج العربي ادعت الإمارات، قبل الاتحاد وإعلانها الاستقلال، مُلكيتها، بينما حاولت المملكة العربية السعودية احتلال مسقط رأس بن زايد، العين، في خمسينيات القرن الماضي، إلا أنها فشلت. وعليه، وقعت حكومتا المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اتفاقية جدة في عام 1974 لإنهاء 40 عاماً من الصراع الإقليمي.

وفي أعقاب الاستقلال وإنهاء الاستعمار البريطاني، أقام والده شبكة من التحالفات تتمحور بشكلٍ أساسي حول الولايات المتحدة الأمريكية، القوة العظمى في العالم، حيث قدم قواعد وموانىء لأسطولها المتنامي في الخليج.

وعلى صعيدٍ آخر، شكلت ثورة عام 1979 في إيران تهديداً رئيسياً مباشر لسيادة الإمارات.

الحاكم الفعلي

ورث ودعم خليفة بن زايد، نجل وخليفة الشيخ زايد بن سلطان، استراتجية الأخير في الحفاظ على دولة الإمارات العربية المتحدة باعتبارها واحة هدوءٍ سياسي، إلى أن وافته المنية [الشيخ زايد بن سلطان] بسكتةٍ دماغية عام 2014. حينذاك، برز بن زايد كحاكمٍ فعليّ للبلاد، على الرغم من وجوده بالفعل على رأس سياساتها الداخلية والخارجية منذ ما يقرب من عقدٍ من الزمان.

ومنذ إنتهاء حرب الكويت ، تمتعت دول الخليج بالسلامة والأمن، الذي وفرته في الغالب حليفتها الأمريكية، إلا أن تأثير إيران المتنامي على مدار العام أثار مخاوف خطيرة في المنطقة. وفي الوقت الذي انتقلت فيه الإدارة الأمريكية من بوش الإبن إلى أوباما، رأى صناع السياسة في واشنطن أن الصين تشكل تهديداً ناشئاً وبدأت في تحويل تركيزها بعيداً عن الشرق الأوسط لاحتواء العملاق في الشرق الأقصى.

ومع بداية عام 2010، قُرعت أجراس الإنذار في أبو ظبي، فقد كان أوباما جاداً في التفاوض مع طهران. كما أشرف على نزع أغلال الاقتصاد الأمريكي، المعتمد على النفط، في ظل التصدع المحلي. وفي وقتٍ لاحق، تضاءل اهتمام الولايات المتحدة وقلقها بشأن المملكة العربية السعودية، وكذلك اهتمامها بدولة الإمارات العربية المتحدة.

كما تفاقمت مخاوف الملوك الخليجيين عندما اجتاح الربيع العربي المنطقة وثبُت أن إدارة أوباما لن تفعل شيئاً يذكر لمساعدة حلفائها وأصدقائها القدامى. والأهم من ذلك، أرعب صعود جماعة الإخوان المسلمين العديد من الملوك الخليجيين الذين اعتبروه تهديداً مباشراً لنماذجهم الحاكمة.

شعر بن زايد بالخطر عندما قامت جماعة المعارضة الإماراتية، جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي، المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين ، بتوزيع عرائض تطالب فيها بتمثيلٍ أكبر في الإمارات العربية المتحدة. رد باعتقال أعضاء الجمعية وإجبارهم على توقيع تعهداتٍ مُهينة بعدم المطالبة بالديمقراطية مجدداً. أصدر بعد ذلك قانون مكافحة الإرهاب الذي يهدف إما لإبقائهم في السجن أو في المنفى. وبسحقه جميع أشكال المعارضة، أرسل رسالةً مفادها أنه سيبذل قصارى جهده وكل ما يلزم للحفاظ على النظام في دياره، ثم شرع في مهمة إعادة توازن القوى في المنطقة.

ازدادت مخاوفه عندما دعمت قطر ، وفقاً للمزاعم، مجموعةً من الثوار العرب (الليبراليين والاشتراكيين والإسلاميين) من خلال قناة الجزيرة التي تديرها الدولة، والتي اشتبك معها بن زايد منذ فترة طويلة حول سياساتها التحريرية، ومنحهم منصة للتحدث.

تمثل رد فعله في محاولة احتواء آثار الربيع العربي على الفور والبحث عن جميع السبل الممكنة للحد من تداعياته.

استراتيجية الاحتواء

ركز بدايةً على مصر باعتبارها أهم الدول العربية التي اكتسبت فيها جماعة الإخوان المسلمين موطئاً سياسياُ، ليتحالف مع القوى الرجعية داخل البلاد التي دعمها دبلوماسياً ومالياً. وبعد أن استولى عبد الفتاح السيسي على السلطة عام 2013، أغدقت الإمارت العربية المتحدة مليارات الدولارات على خزائن القاهرة لمساعدتها على استقرار اقتصادها المتدهور. اشتدت قبضة السيسي على السلطة، إلا أن تهديده الأكبر ظل يغذي أمةً قوامها 90 مليون نسمة.

ومع دخول قيادةٍ جديدة إلى المملكة العربية السعودية في يناير 2015، انتقل بن زايد إلى تعزيز علاقاته بين كلا الزعيمين ومواءمة سياساتهم. وبالفعل، نجح في تقديم نفسه كـ”مرشدٍ” لولي العهد الشاب والطموح، محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، نظراً لاعتلال صحة أبيه، الملك سلمان ، وعدم اهتمامه بالحكم.

والآن، أصبح الأعداء المحددون قطر و تركيا ، اللتان تعاطفتا مع الإخوان المسلمين وأيدتا “التغيير” الذي عصف بالعالم العربي.

فقد كشفت تسريبات مراسلات سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى واشنطن، يوسف العتيبة ، في عام 2017 مدى تأثير النفوذ الذي تمارسه دولة الإمارات العربية المتحدة في الدوائر السياسية والدبلوماسية الكبرى في الولايات المتحدة، فضلاً عن وسائل الإعلام، إذ أنفقت المليارات على دعم وتعزيز نظام السيسي.

كما كشفت التسريبات عن كيفية حشد دولة الإمارات للولاء السياسي استعداداً للمعركة الدبلوماسية مع قطر التي أطلقتها المملكة العربية السعودية و البحرين ومصر والإمارات العربية المتحدة في مايو 2017.

في حين تمثل الهدف الأخير من استراتيجية بن زايد بتعزيز العلاقات مع إدارة ترامب، التي يبدو أنها تستخدم خطاباً يشد من عزم الإماراتيين.

ظهرت بدايةً قضية تجسس روسيا- ترامب. فوفقاً لصحيفة واشنطن بوست “الإمارات العربية المتحدة نظمت اجتماعاً سرياً في يناير الماضي بين إريك برينس، مؤسس شركة بلاك ووتر، ومصدر روسي مُقرَّب من الرئيس فلاديمير بوتين، وأتى هذا الاجتماع في إطار جهودٍ واضحة لإنشاء وسيلة تواصل غير رسمي بين موسكو والرئيس المنتخب دونالد ترامب، وذلك وفقاً لمصادر رسمية عربية، وأميركية، وأوروبية.”

ثم توجه بن زايد إلى واشنطن وكان من بين أول رؤساء الدول الذين يستضيفهم الرئيس الجديد. وقبل زيارة ترامب للمملكة العربية السعودية ، عقد بن زايد محادثاتٍ معه في البيت الأبيض، وناقش تعزيز سُبل التعاون في مجال مكافحة الإرهاب ومواجهة إيران وتوطيد علاقاتٍ وثيقة بين البلدين.

أعدّ بن زايد ومحمد بن سلمان زيارة ترامب للمملكة وتحدثا إلى الرئيس باللغة الأحب إلى قلبه: المال. وعليه، تم توقيع اتفاقٍ بقيمة 350 مليار دولار على مدى عشر سنوات بين القيادة السعودية وإدارة ترامب.

تمثلت الاستراتيجية وراء هذا النهج غير الرسمي بمحاولة تحييد التنافس الروسي- الأمريكي الذي تفاقم في ظل إدارة أوباما، في محاولةٍ لوقف الدعم الروسي لإيران، وهي علاقةٌ تطورت بعد تدخل روسيا لإنقاذ النظام السوري ، الحليف المشترك لكلا البلدين.

منح هذا بن زايد المزيد من النفوذ لدحر تهديد إيران، الذي ينبع في المقام الأول من نهجها العنصري الشيعي التوسعي.

وعلاوة على ذلك، ومع محاولة الانقلاب في أنقرة، التي كشفت تسريبات رسائل البريد الإلكتروني للعتيبة تمويله المزعوم من قِبل الإمارات العربية المتحدة، دفع بن زايد محمد بن سلمان إلى مواجهات مع القطريين، الحلقة الأضعف في السلسلة الإقليمية الأكبر.

ووفقاً لصحيفة واشنطن بوست، نقلاً عن مسؤولين في الاستخبارات الأميركية، نسقت الإمارات العربية المتحدة اختراق وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الاخبارية التابعة للحكومة القطرية في أواخر مايو لنشر تصريحاتٍ انتقادية، ولكن مُلفقة على لسان أمير قطر، مما أسفر عن أزمةٍ دبلوماسية أدّى إلى فرض حصار على قطر ، الأمر الذي أصاب منطقة الخليج بالشلل واستمر حتى يناير 2021.