وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مردخاي فعنونو: خائن أم ناشط سلام؟

Israel- Mordechai Vanunu
Photo AFP

رجلٌ أصلعٌ ذو بُنيةٍ صغيرة، يتجول بعيونه الخرزية التي أنهكها الأرق في جميع أنحاء ساحة فناء فندق الأمريكان كولوني المليئة بالأزهار في القدس الشرقية، الذي كان يوماً ما ملاذاً للمراسلين الأجانب. ولا يزال الفندق المكان المعهود الذي يتردد عليه مردخاي فعنونو، الذي مُنع، بما يبعث على السخرية، من التحدث إلى وسائل الإعلام منذ إطلاق سراحه مؤخراً من السجن.

فإسرائيل تعتبر فعنونو خائناً لكشفه أسرارها النووية لصحيفةٍ بريطانية عام 1986، في حين يرى آخرون أنه ناشط سلامٍ أعرب عن معارضته لأسلحة الدمار الشامل.

فقد عمل فعنونو كخبيرٍ نووي في مفاعل ديمونة من عام 1976 وحتى عام 1985. وخلال تلك الفترة، كشفت الصور التي التقطها للمنشأة عن أدلةٍ دامغة على برنامج إسرائيل النووي في صحراء النقب. بعث فعنونو الصور لصحيفة صنداي تايمز، مما دفع بالخبراء النوويين الدوليين إلى الاستنتاج بأن إسرائيل تمتلك ما لا يقل عن 100 رأس نووي.

ولطالما حافظت إسرائيل على سياسة “الغموض النووي،” إذ لم تؤكد أو تنفي امتلاكها أسلحةً نووية.

صممت إسرائيل على مقاضاة فعنونو ولكن ليس على الأراضي البريطانية خوفاً من توتر العلاقات الدبلوماسية مع حكومة تاتشر. وبدلاً من ذلك، استدرجته إحدى العميلات في الموساد إلى إيطاليا، حيث تم أسره وتخديره وإعادته إلى إسرائيل. أمضى 18 عاماً في السجن، منهم 11 عاماً في الحبس الإنفرداي.

وعلى الرغم من إطلاق سراحه من السجن في عام 2004، إلا أنه لا يزال يخضع لمجموعة من القيود الصارمة، فعلى سبيل المثال، هو ممنوعٌ من مغادرة البلاد، كما يُحظر عليه التحدث إلى أي شخصٍ أجنبي دون الحصول على إذنٍ من الشاباك (جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي)، ويمنع من التواجد على مقربة 500 متر من أي معبرٍ حدودي أو مطار، أو حتى التواجد ضمن مسافة 90 متراً من أي سفارةٍ أجنبية، ويخضع هاتفه وشبكة الإنترنت لديه للمراقبة، ويتوجب عليه إخطار السلطات في حال تغيير مكان إقامته.

بالإضافة إلى ذلك، فقد تم سجنه عدة مراتٍ لفتراتٍ قصيرة بزعم انتهاكه لشروط الإفراج عنه. وفي الآونة الأخيرة، في عام 2017، أدين بالاجتماع مع اثنين من المواطنين الأمريكيين في القدس الشرقية في عام 2013 دون إذنٍ من السلطات الإسرائيلية.

واليوم، بعد أن بلغ عمره الـ62 وفي ظل خيبة أمله ببلاده، اعتنق المسيحية، وتزوج من بروفيسورة من النرويج، ويدعي عدم امتلاكه المزيد من الأسرار للكشف عنها. ومع ذلك، ترفض السلطات الإسرائيلية السماح له بمغادرة البلاد، كما رفضت المحكمة العليا استئنافه الأخير في نوفمبر 2017.

ويزعم منتقدو المعاملة التي يلقاها فعنونو أنه محتجزٌ إلى أجلٍ غير مسمى حتى يتسنى لإسرائيل تجنب الإحراج السياسي والعواقب المالية مع الولايات المتحدة. ففي حال اعترفت إسرائيل بامتلاكها أسلحة دمار شامل، فلن تكون مؤهلةً للحصول على حزمة مساعدات بقيمة 2 مليار دولار من الولايات المتحدة.

وفي نوفمبر 2017، كتب فعنونو على موقعه الإلكتروني: “بعد 32 عاماً لست حراً بعد لمغادرة هذا البلد، لأنضم لزوجتي في أوسلو. يحبون رؤية معاناتي هنا. ولكن ينبغي عليهم إغلاق هذه القضية، عاجلاً أم آجلاً. لقد انتهت أسرار إسرائيل النووية إلى الأبد. هذا أمر لا رجعة فيه، إلى الأبد. أياً كان ما سيفعلونه بي، فلا بد أن أحصل على الحرية!”.

وفي تغريدةٍ له في يناير 2018، أعلن أن عام 2018 هو “عام الحرية،” وأعرب عن أمله بأن يكون العام الذي ستمنحه فيه السلطات الإسرائيلية تصريحاً لمغادرة البلاد. وعلى الرغم من أن النرويج دعته رسمياً للإنتقال للعيش في البلاد، إلا أنه اليوم وبعد انقضاء أكثر من نصف العام، لم يتحقق حلمه على أرض الواقع بعد.