وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

موشيه يعالون، زعيم إسرائيل التالي؟

israel-faces-moshe-yaalon-fanack-hh-1024px
موشيه يعالون. Photo HH

من الحقائق المعروفة أن مرشح رئاسة الوزراء في إسرائيل يمتلك فرصاً أفضل للفوز إذا ما كان مقلداً بأوسمة مسيرة عسكرية متميزة. موشيه يعالون، الذي استقال من منصب وزير الدفاع في 20 مايو 2016، هذا الرجل. ولكن، هل سيكون هذا كافياً للإطاحة ببنيامين نتنياهو، الزعيم الحالي، في الانتخابات المقبلة؟

تنحى يعالون، الذي يتبع حزب الليكود الحاكم تماماً كحال نتنياهو، من منصبه بعد ثلاث سنوات قضاها وزيراً للدفاع، مشيراً إلى “انعدام الثقة،” برئاسة الوزراء. فقد سبق وصرّح في مؤتمرٍ صحفي في وزارة الدفاع “هيمنت عناصر متطرفة وخطيرة على إسرائيل وكذلك حزب الليكود وهزت دعائم البيت الوطني وهددت من فيه بالأذى.”

خلفه في وزارة الدفاع المتشدد افيغدور ليبرمان، وهو عضوٌ في حزب اسرائيل بيتنا. عمل هذا التعيين على توسيع رقعة غالبية الحكومة الائتلافية في الكنيست المكوّن من 120 مقعداً، من 61 مقعداً إلى 67. اعتبر البعض هذه الخطوة دليلاً على الذكاء السياسي لنتنياهو، إلا أنها أغضبت آخرين. لا ينبع الغضب فحسب من حقيقة أن ليبرمان خدم مدة سنة فقط في وظيفة غير قتالية في الجيش الاسرائيلي، بل حقيقة أنّ الدفاع الوطني، الذي يعتبره الكثيرون من الأمور المقدسة، أصبح ورقة مساومةٍ سياسية. فأياً كان من يتقلد منصب وزير الدفاع مسؤولٌ عن حياة أبناء وبنات إسرائيل، وجميعهم مُلزمون باستكمال عدة سنواتٍ من الخدمة العسكرية.

وفي الفترة التي سبقت استقالة يعالون، كان يُعتقد أن نتنياهو سيُقدم له حقيبة الخارجية كجائزة ترضية. ومع ذلك، فاجأه يعالون بالاستقالة من منصبه أمام العامة وانتقد بشدة قيادته للبلاد.

ظهر الخلاف بين نتنياهو ويعالون للمرة الأولى عندما وجدوا أنفسهم ينحازون إلى أطراف مختلفة أثناء الاضطرابات العامة. وقع الحادث الأول في مدينة الخليل في 24 مارس من العام الجاري، عندما تم تصوير جندي اسرائيلي يُطلق النار ليعدم شاباً فلسطينياً جريحاً أعزل. وصف يعالون تصرف الجندي بالغير أخلاقي واعتبره مخالفاً لأخلاق الجيش الاسرائيلي. كما جاءت تصريحات نتنياهو مماثلةً لتصريحات يعالون، حيث ذكر أن اسرائيل تنأى بنفسها عن تصرف الجندي. ومع ذلك، كان رد فعل الجمهور على التعليقات قاسياً، حيث اتهمهما الآلاف بـ”خيانة” الجندي لصالح العرب واليساريين وأعداء اسرائيل. وفي محاولةٍ لاحتواء الضرر السياسي، سرعان ما تراجع نتنياهو عن تصريحاته وأعلن دعمه للجندي. وبعد أسابيع قليلة، وفي عشية احتفال الاسرائليين بذكرى المحرقة، قارن نائب رئيس هيئة الأركان في إسرائيل، اللواء يائير جولان، السلوكيات المتطرفة في المجتمع الاسرائيلي بألمانيا ما قبل الحرب. ومجدداً، تأجج غضبٌ شعبي، إذ دافع يعالون عن جولان لتعبيره عن رأيه، وأعرب عن خيبة أمله بنتنياهو لعدم شجبه تصرفات نشطاء اليمين، الذين يُحرّضون على العنف ضد القضاة وكبار قادة الجيش.

وعلى صعيدٍ آخر، لم تخلو مسيرة يعالون العسكرية من الجدل أيضاً. فقد شغل منصب قائد الجيش الاسرائيلي من يوليو 2002 إلى يونيو 2005، خلال الانتفاضة الثانية. فقد صب مجمل تركيزه على قمع الانتفاضة، حيث كانت عملية الدرع الواقي على غزة في أبريل 2002 جزءاً منها. وفي ديسمبر 2005، رفع أقارب ضحايا مجزرة قانا في لبنان دعوى قضائية ضد يعالون في العاصمة واشنطن. فقد شن الطيران العسكري الاسرائيلي هجوماً في خضم قتالٍ عنيف بين الجيش الاسرائيلي وحزب الله في لبنان خلال عملية عناقيد الغضب في أبريل 1996، كما استهدفت مدفعية الجيش الاسرائيلي مقراً للأمم المتحدة، مما أسفر عن مقتل مئات المدنيين اللبنانيين اللاجئين هناك. قُتل أكثر من 106 أشخاص، فضلاً عن جرح 116 على الأقل. وفي عام 2006، صدرت مذكرة اعتقالٍ بحق يعالون أثناء وجوده في نيوزلندا في رحلةٍ خاصة لجمع التبرعات للصندوق القومي اليهودي، لتورطه في اغتيال القيادي في حماس، صلاح شحادة، في غزة. ألغيت مذكرة الاعتقال بعد أن أعلن المدعي العام في نيوزيلندا عدم وجود أدلة كافية لمحاكمته.

عند استقالة يعالون من الكنيست، قال أنه سيعتزل المعترك السياسي مؤقتاً. ومع ذلك، لم يمضي أقل من شهر حتى أعلن ترشحه لمنصب رئيس الوزراء في مؤتمرٍ أمني في هرتسليا. كان يمكن أن يكون خصماً قوياً، فمن ناحية، يوجد نتنياهو في السُلطة منذ ما يقارب العشر سنوات، ومن ناحيةٍ أخرى، انتقد العديد من أنصار يعالون في حزب الليكود نتنياهو علناً. فقد أعلن كلٌ من جدعون ساعر، وزير التربية والتعليم السابق، ووزير المالية موشيه كاهلون عن خيبة أملهما برئيس الوزراء منذ أن استسلم لأعضاء اليمين المتطرف في حكومته. وبالتالي، فإن الخبرة والمسيرة السياسية ليعالون في الجيش الاسرائيلي ستجعل منه مرشحاً محبباً في بلدٍ غالباً ما ينتخب الجنرالات، الذين من بينهم اسحق رابين وإيهود باراك وارييل شارون. ومن غير الواضح ما إذا كان سيقوم بتشكيل حزبٍ خاصٍ به أم سيخوض الانتخابات ضد نتنياهو كمرشحٍ عن حزب الليكود.

واتهم يعالون في خطابه رئيس الوزراء بـ”تعمية البلاد بالتهديدات الوهمية من أجل صرف الإنتباه عن المشاكل الجدية التي تواجه اسرائيل.” وأضاف أن نتنياهو بدلاً من توحيد الشعب ينشغل في اثارة الغرائز وبث الخوف بين اليهود والعرب، واليمين واليسار، من أجل إطالة عمر حياته السياسية. وأشار إلى أنه يعتزم تقديم بديلٍ للقيادة الحالية من خلال معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك العنصرية السائدة والتمييز على أساس الجنس، ويدعي أنه “لا يمكننا الاستسلام والقول شخصٌ آخر سيصلح الأمور.” فهو يحاول استمالة “اسرائيل الوسط،” وهم جزءٌ من يسار الوسط وكذلك اليساريين الذين يشعرون بتخلي حزب العمل عنهم.

فقد ولد يعالون (1950) في عائلة من الطبقة العاملة التابعة لحزب العمل، ونشأ في مستوطنة تميل إلى اليسار. كان يُنظر إليه بعين الريبة من قِبل العديد من أنصار اليمين، من بينهم شخصيات بارزة في حركة الاستيطان، على الرغم من بدء حياته العسكرية المهنية مباشرةً بعد حرب أكتوبرعام 1973. ومع ذلك، وقف في صف نتنياهو فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وشارك بانتقاد سياسة الرئيس أوباما في مساعيه إبرام الاتفاق النووي مع إيران عام 2014.

لعل هذا الجمع بين المسيرة العسكرية الهامة، والوعود بمعالجة القضايا الحقيقية للمجتمع الاسرائيلي، ودعم الضباط الذين يعبرون عن رأيهم صراحةً، فضلاً عن تراجع شعبية نتنياهو، ستثبت كونها وصفةً ناجحة لمحاولة يعالون الفوز في الانتخابات القادمة.