وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

نادية مراد: من سبيةٍ لدى داعش إلى الفائزة بجائزة نوبل للسلام عام 2018

نادية مراد
نادية مراد Photo AFP

مُنحت العراقية نادية مراد في 5 أكتوبر جائزة نوبل للسلام لعام 2018 مناصفةً مع طبيب الأمراض النسائية والجراح الكونغولي، دينيس موكويجي، على جهودها لإنهاء استخدام العنف الجنسي في النزاعات المسلحة. فقد أصبحت مراد، البالغة من العمر 25 عاماً، وفي غضون سنوات، صوت ضحايا العنف الجنسي والاتجار بالبشر في جميع أنحاء العالم.

ولدت نادية مراد في شمال العراق في عام 1993 لعائلة من اليزيديين، وهي أقلية دينية كردية، إلا أن حياتها انقلبت رأساً على عقب في 3 أغسطس 2014، عندما داهم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) المتطرف قريتها واختطفها برفقة شاباتٍ أخريات بعد أن قتل 600 شخص، بينهم ستة من إخوانها الأشقاء وغير الإشقاء. تم بيع النساء في سوقٍ للعبودية الجنسية كجزءٍ من حملة داعش ضد الأقليات الدينية التي لا تتوافق مع تفسيرها للإسلام.

تعرضت نادية، التي احتجزت في الموصل، إلى الضرب والحرق بالسجائر، واغتصبت وأجبرت على الزواج من أحد الجهاديين. وفي تصريحٍ لها قرأته في مجلس الأمن الدولي في ديسمبر 2015، استذكرت تجربتها المؤلمة: “في مبنى في الموصل، كان هناك الآلاف من النساء والأطفال اليزيديين الذين تم القبض عليهم من قبل [داعش] لتقديمهم كهدايا. اقترب مني أحد المتشددين، وقال إنهم سيأخذونني، كنت أنظر إلى الأسفل، كنت مرعوبة، عندما نظرت إلى الأعلى، رأيت رجلاً كبيراً، بدا وكأنه وحش. بكيت، قلت إني لا أريدك […] ثم أجبرني يوماً ما على ارتداء ملابس [ملابس ضيقة] له ووضع المكياج، وفعلت ذلك، وفي تلك الليلة السوداء، فعلها. أجبرني على خدمة فريقه من المسلحين، أهانني بإجباري على ارتداء ملابس فاضحة. ولم أتمكن من تحمل المزيد من الاغتصاب والتعذيب، فقررت الفرار، لكنني فشلت وتم إلقاء القبض علي من قبل أحد الحراس. في تلك الليلة، ضربني وأجبرني على خلع ملابسي ووضعني في غرفة مع ستة متشددين. استمروا في ارتكاب جرائم بحق جسدي إلى أن فقدت الوعي.”

نجت نادية في نهاية المطاف بمساعدة أسرةٍ مجاورة وهربت إلى أوروبا. حصلت على صفة لاجىء في ألمانيا، حيث تعيش الآن. بدأ نشاطها على الفور تقريباً، وواصلت حملتها ليس من أجل شعبها فحسب، بل من أجل جميع ضحايا النزاعات العنيفة.

وفي مقالٍ للرأي لصحيفة الجارديان، كتبت: “[الكلمة التي قدمتها في منتدى الأمم المتحدة في سويسرا في نوفمبر 2015] كانت المرة الأولى التي أروي فيها قصتي أمام جمهورٍ كبير. أردت أن أتحدث عن كل شيء – الأطفال الذين ماتوا بسبب الجفاف أثناء فرارهم من [داعش]، والعائلات التي لا تزال عالقةً في الجبل، وآلاف النساء والأطفال الذين بقوا في الأسر، وما شاهده إخوتي أثناء المجزرة.

كنت واحدةً من مئات الآلاف من الضحايا اليزيديين. كان مجتمعي مشتتاً، نعيش كلاجئين داخل وخارج العراق، وكانت كوجو [مسقط رأسها] لا تزال تحت سيطرة [داعش]. كان هناك الكثير مما توجب على العالم سماعه عن ما كان يحدث لليزيديين… كان قرار أن أكون صريحة أحد أصعب القرارات التي اتخذتها على الإطلاق، وأهمها أيضاً… والأهم من هذا كله، قلت، أريد أن أكون آخر فتاةٍ في العالم تعيش قصةً مثل قصتي.”

تواصل نادية وصديقتها لمياء حجي بشار، الحاصلتان على جائزة سخاروف لحرية الفكر لعام 2016 التابعة للاتحاد الأوروبي، الكفاح من أجل اليزيديين الثلاثة آلاف الذين ما زالوا مفقودين، والذين يُفترض أنهم ما زالوا في الأسر. كما حصلت نادية على جائزة فاتسلاف هافل لحقوق الإنسان، فضلاً عن كونها أول سفيرة للنوايا الحسنة للأمم المتحدة من أجل كرامة الناجين من الاتجار بالبشر، وحائزة على جائزة كلينتون العالمية للمواطن وجائزة السلام من رابطة الأمم المتحدة في إسبانيا.

كما يركز الفيلم الوثائقي “على أكتافها،” الذي عرض لأول مرة في مهرجان صندانس عام 2018، على قصتها ويعرض رحلتها، من الشهادة أمام الأمم المتحدة إلى زيارة مخيمات اللاجئين والاجتماع بمسؤولين حكوميين.

فقد استخدمت تسليط الأضواء عليها دولياً لتأسيس مبادرة نادية، وهي منظمة تقوم بحملاتٍ وتقدم المساعدة لضحايا العنف الجنسي. وقد وعدت في أول مؤتمرٍ صحفي لها بعد قبولها جائزة نوبل للسلام، باستخدام كل أموال الجائزة لدعم المنظمة واستخدام صوتها للدفاع عن حقوق الأشخاص المضطهدين في جميع أنحاء العالم.

منحت الجائزة الأمل للطائفة اليزيدية في الوطن. وقالت نغم حسن، وهي ناشطة يزيدية وطبيبة نسائية قدمت العلاج والاستشارة للعديد من النساء اليزيديات في مخيمات اللاجئين في العراق بمن فيهنّ نادية، لإذاعة صوت أمريكا: “عندما هربت نادية من أسرها ووصلت إلى المخيم في سنجار، كانت تعاني من الصدمة والخوف، إلا أنها اليوم تطورت لتصبح هذه المرأة القوية وأصبحت صوتاً لجميع الرجال والنساء من ضحايا العنف الجنسي.”

ساعدتها كتابة مذكراتها التي حملت عنوان الفتاة الأخيرة في عملية الشفاء، وهي قصة مؤثرة تسرد تفاصيل شخصية لمحنتها المروعة والطريق التي سلكتها كناشطة ومعرفتها على المستوى العالمي. كما تمت خطبتها في أغسطس 2018 لعابد شمدين، وهو ناشط أيزيدي أيضاً، حيث غردت آنذاك: “جمعنا النضال من أجل شعبنا معاً وسنواصل هذا الطريق معاً.”

سلبت شجاعتها قلوب وعقول الناس حول العالم. فقد كتبت الصحافية كيران نازيش، التي تدير شبكة دعمٍ عالمية للنساء في الصحافة، عن فوز مراد بجائزة نوبل، “هذه جائزة تتقاسمها كل امرأة تتحلى بالشجاعة للتحدث صراحةً على الرغم من مخاوفهن وصدماتهن. النساء في جميع أنحاء العالم يقفنّ ضد الظلم والرقابة على أجسادهن، وحياتهن. هؤلاء النسوة هنّ المحظوظات. وكما أخبرتني نادية مراد في تلك الليلة في مارس 2016 [عندما قابلتها نازيش] – إن البقاء على قيد الحياة هو نوعٌ من الحظ الجيد، الذي يمكّنك من الكفاح من أجل بقاء الآخرين.”