وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ناي البرغوثي: رحلة بحث شابة عن صوتٍ جديد في عالم موسيقى الشرق الأوسط

Palestine- Nai Barghouti
Photo: Issa Shaker

تبلغ ناي البرغوثي، عازفة الفلوت والمُلحنة والمغنية منفردة من رام الله في الضفة الغربية، من العمر 22 ربيعاً فحسب، إلا أنها تفخر بمشوارٍ فني سريع النمو وشهرةٍ متنامية في الشرق الأوسط وأوروبا.

منذ ولادتها، أصبحت الموسيقى جزءاً من حياة ناي، فقد كان والداها منخرطان في عالم الفن والموسيقى وبدأت أختها الكبرى في تلقي دروس الكمان في معهد إدوارد سعيد في رام الله في سنٍ مبكرة. إن مشاهدتها للأخبار ورؤية التأثير المدمر للحرب جعل ناي، البالغة من العمر 7 سنوات فقط، حريصةً على التعبير عن نفسها، إذ قالت لفَنَك في 23 يوليو: “كنت أرى أطفالاً في عمري محرومون من الوجود.” وأضافت “كنت بحاجة [لإيجاد طريقة] للتعبير عن نفسي و[التغني] بمشاعري، لذلك بدأت في تعلم الفلوت في المعهد. اخترت هذه الأداة عشوائياً، على الرغم من أن اسمي ناي يعني “الفلوت العربي” في الإنجليزية.”

في سنٍ صغيرة للغاية، كانت الفنانة الناشئة تتبع خطى والدتها، مغنية الجوقة، خلال البروفات والعروض. ثم، في سن الرابعة، بدأت تغني. “عرفت منذ سن صغيرة أن الموسيقى ما كنت أرغب في فعله، لكني بدأت أدرك فقط حلمي بالاحتراف مع أول حفلٍ غنائي منفرد مدته ساعة ونصف في الثالثة عشر من عمري.” اتجهت ناي بعد ذلك للدراسة من أجل تعميق فهمها، وللإبداع، في الموسيقى، لذلك التحقت بمدرسة جاكوبس للموسيقى في ولاية إنديانا في الولايات المتحدة. ومع ذلك، كانت بلدة بلومنغتون منعزلة للغاية، وبعد عامين، غادرت ناي للدراسة في معهد الموسيقى في أمستردام، حيث تخرجت في مايو 2019 بدرجة البكالوريوس في الفن. اليوم، تخطط لبدء دراسة الماجستير في سبتمبر.

تشتهر ناي على وجه الخصوص بدمج موسيقى الجاز والموسيقى الشرق أوسطية، وذلك بعد أن حصلت على شهادتها في موسيقى الجاز وقضت معظم وقتها في تأليف الموسيقى. وبحسب قولها “أجد أن تأثير موسيقى الشرق الأوسط على موسيقى الجاز لا يتم مناقشته مطلقاً، ولكنه موجود. الآن، لا أحاول مزج الاثنين معاً فحسب، بل أنا أعمل على خلق نمط موسيقي ثالث يوفّق بين الإثنين من جذورهما بدلاً من إقحامهما معاً [ظاهرياً]. يفعل أشخاص آخرون ذلك، مثل إبراهيم معلوف وزياد الرحباني، لكني مهتمة أكثر بالصوت نفسه كأداة، لمعرفة إلى أي حدٍ يمكن للصوت أن يصنع الموسيقى بدلاً من استخدامه فقط لسرد القصص. إلا أن هذا يأخذ الكثير من الوقت. يسميها والدي “أداة ناي،” تيمناً باسمي.”

قادتها موهبتها إلى تقديم عروضٍ في أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط، إذ قالت ناي لنا في فَنَك: “في الوقت الحالي، أقيم في أوروبا لأني أمتلك الكثير من الفرص، لكن هدفي النهائي هو العودة إلى فلسطين والعودة إلى الناس هناك.” وتابعت القول “انها بلدي. كانت السبب الأول لدراستي الفن! حلمي هو إطلاق برنامجٍ موسيقي [في فلسطين] يقدم شهادات رسمية حتى لا يضطر الشباب إلى المغادرة للدراسة في الخارج. أريدهم أن يحصلوا على فرص في بلدهم. ”

هذا الحلم هو السبب في كون ناي جزء من أوركسترا شباب فلسطين، التي تعاونت معها عدة مراتٍ بالفعل. “نهدف إلى عرض الموسيقى العربية من خلال تضمين صوتنا. اعتدت أن أكون عازفة فلوت، لكني جئت هذا العام كمغنية منفردة.” لم يحصل العديد من زملائها الموسيقيين من غزة على تصريح سفر من السلطات الإسرائيلية، التي تسيطر على حركة الدخول والخروج من القطاع، لمغادرة غزة. تتنهد ناي قائلةً: “كل عام نواجه مشاكل مع هذه [المعضلة].” وأضافت “لا يمكن لبعض الزملاء الانضمام إلينا، إلا أن الموسيقى توحدنا. بالنسبة لي، إن الوصول إلى الموسيقى هو حق من حقوق الإنسان، لكن في فلسطين، وخاصة في غزة، يعتبر الفن امتيازاً. يعزز هذا من قوة رسالتنا، من الناحية الموسيقية وباعتباره تصريحاً:

[أنه] على الرغم من تلك المشاكل والرفض، على الرغم من نقاط التفتيش، سنتحدّ ونصنع الموسيقى.”

تم إنشاء أوركسترا شباب فلسطين في عام 2004 من قبل معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى، بهدف الجمع بين الموسيقيين الفلسطينيين الشباب من جميع أنحاء العالم، بعد أن قدموا أداءهم على مر السنين في فلسطين وألمانيا وفرنسا والأردن وسوريا والبحرين ولبنان واليونان وايطاليا. تضم أوركسترا شباب فلسطين حوالي ثمانين موسيقي شاب من أصلٍ فلسطيني يقيمون في جميع أنحاء العالم، الذين يجتمعون سنوياً لدورة مدتها أسبوع واحد، تليها جولة موسيقية. ومنذ عام 2012، طور معهد إدوارد سعيد شراكةً مع أوركسترا أوسلو، حيث يعمل أعضاء الأوركسترا النرويجية كمدربين للأقسام المختلفة في أوركسترا شباب فلسطين.

سيكون عرض ناي البرغوثي القادم في أوروبا خلال فصل الصيف، حيث ستقدم المغنية المنفردة عروضها مع أوركسترا الشباب الفلسطيني في كريستيانساند، في النرويج، في 4 أغسطس. كما ستقدم عرضاً منفرداً في فيينا في سبتمبر وفي إسبانيا في أكتوبر. ولربما سيكون العرض الأكثر أهمية في حياتها، العرض الذي ستقدمه في احدى أكبر قاعات أوروبا، الكونسيرت خيباو (قصر الحفلات) في أمستردام في شهر نوفمبر المقبل.

لعبت مؤسسة لطيفة رباني، ومقرها لاهاي، والتي تتمثل مهمتها في تحسين التفاهم الأوروبي العربي من خلال الحوار والتبادل التعليمي والثقافي، دوراً رئيسياً في جعل هذا العرض ممكناً على أرض الواقع؛ إذ سيكون ذلك العرض الثاني لناي برغوثي في هولندا وسيرافقها أوركسترا الشباب الوطنية الهولندية. في وقت سابق من عام ٢٠١٩، قدمت ناي عرضا في BIMHUIS، نادي للجاز.

عندما طلبنا منها أن تقول عبارة واحدة أخيرة في لقائنا معها في فَنَك، قالت ناي البرغوثي: “مواجهة العوائق لن تمنعنا [الفلسطينيين] من المضي قدماً والتواجد في العالم.” بهذه الكلمات، من الواضح أن ناي البرغوثي تُمثل صوتاً بالغ الأهمية وغير مسموعٍ غالباً لبلدها. وبفعلها ذلك، تأمل أن تشجع الآخرين على رفع أصواتهم.