وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

اللواء قاسم سليماني

اللواء الركن قاسم سليماني الذي قتل بغارة طائرة بدون طيار أمريكية في بغداد في 3 يناير 2020، كان القائد الطويل الأمد لقوة القدس، وهي الفرقة النخبوية للقوات الخاصة للحرس الثوري الإيراني المسؤولة عن العمليات العسكرية والسرية خارج الحدود الإيرانية. شارك سليماني بشكل فاعل في العديد من الصراعات في الشرق الأوسط، وتستكشف هذه المقالة حياته، وتكتيكاته، ودوره في صياغة السياسات في المنطقة.

قاسم سليماني
قاسم سليماني. SIPA-Press

اللواء قاسم سليماني (قُتل في غارة جوية بطائرة دون طيار في بغداد في1 يناير 2020) هو القائد طويل العهد لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وهي وحدة قوات خاصة من النخبة مسؤولة عن العمليات العسكرية والسرية خارج الحدود الإقليمية، ويعتبرها البعض واحدة من أفضل قوات النخبة في العالم.

بصفته من المحاربين القدماء في الحرب الإيرانية العراقية، لعب سليماني دوراً فعالاً في العديد من الصراعات في الشرق الأوسط، وبخاصة في بلاد الشام، محاولاً بشكلِ عام تجنب لفت الأنظار إليه. تتضمن الأساليب التي يتبعها مزيجاً من التدخل العسكري من خلال الوكلاء ممن يحملون ذات العقيدة والدبلوماسية الاستراتيجية صعبة المراس.

ولد سليماني، الذي غالباً ما تُشير إليه وسائل الإعلام الإيرانية بالحاج قاسم سليماني، في 11مارس 1957، لعائلة من فقراء الفلاحين في قرية رابورد الجبلية قليلة السكان ، قرب بلدة بافت في مقاطعة كرمان الجنوبية الشرقية. بعد اتمامه التعليم الابتدائي، غادر قريته وانتقل للعيش في كرمان، عاصمة المقاطعة. وبعد عدة سنوات، عمل في شركة مياه كرمان كفنيّ.

ترقيته في الرتب العسكرية

مع حظر شاه إيران السابق، محمد رضا بهلوي، جميع المجموعات السياسية القابلة للنمو في ذلك الوقت، نمى نفوذ رجال الدين المعارضين لنظامه. كان أحد هؤلاء، رجل الدين سيد رضا كامياب، الذي كان يُعرف في كرمان بخطاباته النارية. كان سليماني تابعاً دينياً لكامياب، الذي تم اغتياله من قِبل منظمة مجاهدي خلق التي تتبع الفكر الماركسي في يوليو 1981. كما شارك سليماني في الثورة التي أطاحت بالشاه في فبراير 1979.

في مايو 1979، انضم سليماني إلى الحرس الثوري الإيراني، الذي تأسس حديثاً، “كمتطوع”. أثبت سرعة تعلمه وهو ما فتح أمامه طريق تصعيده في رتب الحرس.

الحرب الإيرانية العراقية

في عام 1980، كان لسليماني دورا فعّالا في تدريب وإيفاد عدة كتائب من الحرس الثوري الإيراني من كرمان إلى جبهة القتال في الحرب الإيرانية العراقية. وفي نهاية المطاف تم تعيينه قائداً لفرقة “ثأر الله 41” المتمركزة في كرمان، التي أرسلت إلى الجبهة ولعبت دوراً رئيساً في صد القوات العراقية عن اجتياح بلدة سوسنجرد في مقاطعة خوزستان. اشتهر بكونه أحد “أشجع وأمهر المحاربين على الجبهة،” حيث قاد بنفسه عملياتٍ طوعية خاطر فيها بالوقوع في أسر القوات العراقية.

ومع انتهاء الحرب أخيراُ في أغسطس 1988، أصبح قادة الحرس الثوري الإيراني ضباطا مكلفين. تقلّد معظم كبار القادة رتبة عميد، مثل سليماني، أو فريق.

العلاقات مع آية الله

عندما انتخب رجل الدين الاصلاحي محمد خاتمي رئيساً لإيران في 23 مايو 1997، بدأ برنامجاً حذراً للإصلاح. وبشكل مفاجيء، عزل آية الله خامئني اللواء محسن رضائي من منصبه كقائد للحرس وعيّن العميد يحيى رحيم صفوي مكانه، وهو أحد المتشددين. وقّع ثلاثة وثلاثون من ضباط الحرس الثوري ذوي الرتب العليا، ومنهم سليماني، رسالة عبرت عن اعتراضهم على عزل رضائي ولامت خاتمي بشكل مطلق عليها. ومن المثير للاهتمام، أن صفوي عيّن في وقت لاحق سليماني قائداً لفيلق القدس.

في 24 يناير 2011، تمت ترقية سليماني من قِبل خامنئي إلى رتبة لواء، وهي رتبة عسكرية يحملها القليل جداً من القادة العسكريين في إيران. وفي وقتٍ لاحق، انتشرت التكهنات حول من سيكون المرشح العسكري في الانتخابات الرئاسية لعام 2013. ووفقاً لـ”مصدر موثوق” في طهران، طُرح اسم سليماني في دوائر المتشددين إلى حدٍ ما ذلك أنه قد أثبت ولاءه المتواصل لخامنئي. ولكن على ما يبدو، لم يتم ترشيح سليماني وفاز في الانتخابات المرشح الوسطي حسن روحاني.

اللواء الإيراني في العراق

لطالما تمتع سليماني بنفوذ سياسي وعسكري في العراق من خلال الأحزاب السياسية الشيعية والكردية، الذين تمردوا ضد صدام حسين في انتفاضة عام 1991.
فقد أثارالغزو الأمريكي البريطاني للعراق في عام 2003 قلق القيادة الإيرانية بشدة، حيث اخترق الآلاف من عملاء المخابرات الإيرانية وأعضاء فيلق القدس العراق ليؤسسوا علاقات مع مجموعات متعددة، وتذكر التقارير ضخهم لكميات ضخمة من الأموال. ومع احتدام المقاومة ضد الاحتلال، بدأ الجيش الأمريكي في اتهام إيران وفيلق القدس تحديداً بالتدخل في العراق وتحميلهم مسؤولية بعض الخسائر الأمريكية.

وفي أوائل عام 2008، بدأ جيش المهدي التابع للزعيم العراقي الشيعي مقتدى الصدر، محاربة القوات الحكومية العراقية المدعومة من قِبل الولايات المتحدة. وعندما بدأ الوضع بالخروج عن السيطرة، اجتمع ممثلون من كلا الطرفين مع سليماني في مدينة قُم، وبعد مفاوضات مكثفة، تم الإتفاق على وقف إطلاق النار. وبالتالي، كان هذا مظهراً آخر لمظاهر نفوذ وسُلطة سليماني في العراق.

ونقلت صحيفة الجارديان عن مستشار الأمن القومي العراقي السابق، موفق الربيعي، قوله أن “هو] سليماني[ الرجل الأقوى في العراق دون شك. لا شيء يتم دون الرجوع إليه.” وصرّح مسؤول أمريكي بارز للصحيفة واصفاً سليماني بقوله “هو يُملي الشروط ثم يجعل الأمور تحدث، والعراقيون متروكون ليواجهوا وضعاً لم يساهموا فيه”.

وفي عام 2009، زعم تقرير تم تسريبه أن سليماني كان قد التقى كريستوفر هيل والجنرال ريموند أوديرنو، اثنين من كبار المسؤولين الأمريكيين في بغداد في ذلك الوقت، في مكتب الرئيس العراقي آنذاك جلال الطالباني (الذي يعرف اللواء سليماني منذ عقود). ومع ذلك، نفى هيل وأوديرنو أن الاجتماع قد تم من أصله.

الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية

كما ساعد سليماني في قيادة قوات الحكومة العراقية والميليشيا الشيعية المشتركة التي حُشدت ضد الجماعة السُنية المتطرفة، تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في الفترة ما بين 2014 و2016.

كان دور سليماني في القتال ضد “داعش” واضحاً للعيان في مدينة آمرلي العراقية حيث تعاون مع القوات العراقية وصد هجوم متمردي “داعش” في سبتمبر 2014. ووفقاً لصحيفة لوس أنجلوس تايمز، التي ذكرت أن آمرلي أول مدينة تنجح في الصمود أمام غزو عناصر “داعش،” أن المدينة تم تأمينها بفضل “شراكة غير اعتيادية بين الجنود العراقيين والأكراد، والمليشيات الشيعية المدعومة من ايران والطائرات الحربية الأميركية.”

وبالمثل، قال مسؤول عراقي رفيع لبي بي سي أنه عندما سقطت مدينة الموصل، فإن الاستجابة السريعة من قبل إيران، وليس القصف الأمريكي، حال دون حدوث انهيار أكبر على نطاقٍ واسع في العراق.

كما لعب سليماني دوراً متكاملاً في التنظيم والتخطيط للعملية الحاسمة لاستعادة السيطرة على مدينة تكريت العراقية، التي كانت تمت السيطرة عليها في عام 2014 عندما حقق تنظيم “داعش” مكاسب هائلة في شمال ووسط البلاد.

وفي مايو 2016، أشارت عدة تقارير أن سليماني شارك بشكلٍ مباشر في التخطيط والتنسيق للحملة العسكرية العراقية التي كانت تهدف إلى تحرير الفلوجة من “داعش.” فقد تم نشر صورة لسليماني على موقع الفيسبوك، تُظهره، كما يُزعم، مع عدد من قادة الجماعات المسلحة الشيعية العراقية في “غرفة عمليات الفلوجة” لمناقشة خطط لاقتحام المدينة وطرد مسلحي “داعش.”

دعم النظام السوري

في عام 2012، ساهم سليماني في دعم الحكومة السورية، الحليف الإيراني الرئيسي، في الحرب ضد الجماعات ذات الأغلبية السُنيّة. وفي منتصف عام 2012، تولى سليماني شخصياً قيادة التدخل الإيراني في الحرب السورية، عندما بدأت إيران تشعر بالقلق البالغ إزاء عدم قدرة بشار الأسد على دحر المعارضة. وتُفيد التقارير أن سليماني نسّق للحرب من قاعدة في دمشق تضمنت أحد قادة حزب الله اللبناني ومنسق الميليشيات الشيعية العراقية إلى جانب ضباط سوريين وإيرانيين. ووفقاً لأحد مسؤولي الأمن في الشرق الأوسط، قَدِم إلى سوريا الآلاف من عناصر فيلق القدس والميليشيات الشيعية العراقية، حيث قال “أنهم منتشرون في جميع أنحاء البلاد.”

يُنسب إلى سليماني وضع الاستراتيجية التي ساعدت الأسد في قلب الطاولة على قوات المتمردين واستعادة المدن والبلدات الرئيسية. وعلى الرغم من أن تفاصيل تدخله مُبهمة، إلا أن العديد من الأحداث، بدءاً من تدريب الميليشيات المتحالفة مع الحكومة السورية، وتنسيق العمليات العسكرية الحاسمة، وصولاً إلى رؤية طائرات التجسس الإيرانية دون طيار في سوريا، تُشير بقوة إلى انخراط فيلق القدس في العديد من جوانب الحرب السورية. كما أن زيارته إلى العاصمة اللبنانية بيروت في 29 يناير عام 2015، حيث وضع سليماني اكاليل الزهور على قبور قتلى عناصر حزب الله، من بينهم قائد حزب الله الراحل عماد مغنية، الذي قتل في سوريا، تربط أيضاً سليماني بالأنشطة العسكرية لحزب الله في سوريا.

علاقته بالبرنامج النووي الإيراني

في مارس 2007، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار رقم 1747، الذي يحظر بيع الأسلحة من وإلى إيران بسبب المخاوف بشأن برنامجها النووي. كما فرض المرسوم أيضاً عقوبات على عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني، بما في ذلك سليماني. وفي أكتوبر من ذلك العام، فرضت الولايات المتحدة عقوبات إضافية عليه، متهمةً إياه بدعم الإرهاب وأنشطة الانتشار النووي. ومع ذلك، حتى الآن، لم يتم الكشف العلني عن أي صلة لفيلق القدس بالبرنامج النووي الإيراني. وفي حالة وجود مثل هذا الدليل، يُعتبر قائد الظل الإيراني متمرساً في ستر تحركاته.