وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

سعد الحريري: لاعبٌ محلي، بيدقٌ إقليمي

Lebanon- Lebanon-faces-Saad Hariri-fanack-AFP
سعد الحريري. Photo AFP

تم ترشيح سعد الحريري (47 عاماً)، الذي هو أولاً وقبل كل شيء رجل أعمالٍ يمكن لمصالحه المالية الشخصية التدخل في منصبه العام، من قِبل رئيس الدولة اللبنانية، العماد ميشال عون في 18 ديسمبر 2016. فغالباً ما يكون من الصعب الحفاظ على منصب الحريري، المحبوب والذي تتم السخرية منه على حد سواء.

فقد تولى سعد الحريري، زعيم تيار المستقبل، وهو حزبٌ سياسي سُنيّ ويشكل العامود الفقري لتحالف 14 آذار المناهض لسوريا، ونجل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري الذي تعرض للاغتيال، منصب رئيس الوزراء (الذي يجب أن يكون مسلماً سُنياً وفقاً لنظام التمثيل النسبي في البلاد) بداية في الفترة ما بين 2009- 2011 ومجدداً في ديسمبر 2016.

تزوج سعد في عام 1998 من لارا العظم، وهي ابنه رجل الأعمال وقطب المقاولين السوري الثري وذو النفوذ، بشير العظم، ولديه ثلاثة أطفال منها. وفي نوفمبر 2017، قدر صافي ثروته بـ1,5 مليار دولار.

أنهى تعليمه في كلٍ من لبنان وفرنسا والمملكة العربية السعودية، التي يحمل جنسياتها جميعاً، ثم حصل على شهادة دولية في إدارة الأعمال من جامعة جورج تاون في عام 1992. ومع استعداده لتولي شؤون الأعمال التجارية لأسرته، بدأ بالإشراف على أعمال البناء في شركة سعودي أوجيه، وهي شركة مقاولات ملكٌ لوالده ومقرها السعودية، إلى أن تم تعيينه المدير العام بعمر الـ26. ومن هناك، قام بتوسيع الشركة في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية، إلا أنه تم دفعه إلى المعترك السياسي بعد أن تسبب انفجار سيارة مفخخة في مقتل والده في بيروت.

بيد أنه لم يحقق نجاحاً سياسياً كبيراً إلى أن حان موعد الإنتخابات البرلمانية اللبنانية في يونيو 2009، والتي حاز فيها حزبه على مقاعد الأغلبية في البرلمان. وقد تم تعيينه رئيساً للوزراء في الشهر نفسه من قبل الرئيس السابق ميشيل سليمان (2008-2014)، إلا أنه لم ينجح في تشكيل حكومة. استقال، ليتم ترشيحه بعد ذلك مجدداً وأجبر على تشكيل حكومة وحدة وطنية مع حزب الله الشيعي بعد ستة أشهرٍ تقريباً من ترشيحه الأول. وباعتباره زعيماً لتيار المستقبل، يعارض الحريري التحالف مع حزب الله، المدعوم من سوريا وإيران، إلا إذا ما أجبر على ذلك. وعليه، اضطر على مضض إلى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية هذه.

لم تدم حكومة الوحدة الوطنية طويلاً، وذلك لإنسحاب مجموعة تضم 11 وزيراً من حزب الله والأحزاب المتحالفة معه من مناصبهم في يناير 2011، مما أجبر الحريري على الخروج من الصورة وبدلاً من ذلك دُفِع بنجيب ميقاتي إلى منصب رئيس الوزراء في يونيو من ذلك العام. تبع ذلك في ديسمبر 2012 ، إصدار الحكومة السورية مذكرات توقيف بحق كلٍ من الحريري ونائب كتلة المستقبل عقاب صقر ومسؤول الجيش السوري الحر لؤي المقداد بتهمة تسليح وتقديم الدعم المالي للجماعات السورية المعارضة. وعليه، رفض الحريري هذا الأمر ووصف الرئيس السوري بشار الأسد بـ”الوحش،” وذلك أثناء وجوده في فرنسا حيث كان يعيش آنذاك بعد أن فرض على نفسه منفىً سياسي ذاتي.

قرر العودة من المنفى في أغسطس 2014، معلناً عن دعمٍ مالي سعودي للقوات المسلحة اللبنانية “للحفاظ على أمن لبنان” ضد الجهاديين على الحدود اللبنانية السورية. وبعد ذلك بعامين، عُيّن رئيساً للوزراء مرةً أخرى، حيث بدا أن كل شيء يسير في الاتجاه الصحيح على الرغم من مشاكله التجارية.

ظهر ولاؤه للمملكة العربية السعودية مرةً أخرى في حادثةٍ غريبة في أوائل نوفمبر 2017، إذ أعلن استقالته في خطابٍ متلفز من العاصمة السعودية الرياض، وألقى باللوم على إيران لزرعها “الفوضى والدمار” في لبنان ووصف حزب الله بـ”ذراع إيران.” فعائلته ترتبط بعلاقاتٍ مع المملكة منذ عام 1978، وهو العام الذي أسست فيه شركة سعودي أوجيه، إلا أن القيود المالية في السعودية دفعت شركته إلى إغلاق أبوابها. وكان من الممكن أن تؤدي استقالته إلى أزمةٍ كبيرة تعصف بلبنان، وسط تكهناتٍ باحتجازه رهينة لدى السعودية. وفي جميع أنحاء البلاد، رفرفت لافتاتٌ تضامنية تحمل شعار “كلنا سعد.” وبحسب رويترز، “قالت مصادر مقربة من الحريري إن السعودية خلصت إلى أن على رئيس الوزراء… الاستقالة من منصبه لأنه لم يكن مستعداً لمواجهة حزب الله.”

وفي تحولٍ مثير للأحداث، تحدث الحريري مرةً أخرى على شاشة التلفزيون لتعليق استقالته بعد ثلاثة أسابيع، وتحدث عن “الإجماع الوطني” وعلاقات لبنان مع “الإخوة العرب.” عاد إلى لبنان في 6 ديسمبر 2017، ولم يقدم أي تفسيرٍ أو تفاصيل عن إقامته في المملكة العربية السعودية، والتي ذكر مراراً وتكراراً إنه على علاقة جيدة بها.

وكأن شيئاً لم يكن، إذ عادت الحياة إلى طبيعتها في لبنان وتحولت الأنظار إلى الإنتخابات البرلمانية المزمع عقدها في مايو 2018، وهي أول انتخاباتٍ تُعقد منذ يونيو 2009. ومنذ ذلك الحين أعلن الحريري عن حصةٍ نسائية في الانتخابات المقبلة، مشيراً إلى تغييرٍ حقيقي محتمل في السياسة، كما هنأ عبد الفتاح السيسي على إعادة انتخابه رئيساً للبلاد. وفي ضوء تأثير الحريري المحدود على السياسة اللبنانية وسياق وصوله إلى هذا المنصب الرفيع في المقام الأول، لربما قد حان الوقت ليعترف بأنه أكثر ملاءمةً لإدارة الأعمال التجارية.