وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الشيخ منصور: الوجه الجديد للقيادة الإماراتية

Shiekh-Mansour
الشيخ منصور. Photo PA Photos Ltd

لم يكن منصور بن زايد بن سلطان بن زايد بن خليفة آل نهيان (مواليد عام 1970)، المعروف باسم الشيخ منصور، معروفاً فعلياً خارج إمارة أبو ظبي، الصغيرة حجماً والكبيرة من حيث الموارد النفطية، حتى عام 2008. إلا أنّ الأمور تغيرت عندما اشترى نادي مانشستر سيتي لكرة القدم مقابل 210 مليون جنيه استرليني. فقد أصبح يُعرف بـ”أغنى رجلٍ في عالم كرة القدم،” إلا أنّ العديد تساءلوا عما إذا كان المالك الجديد، عديم الخبرة، سيتمكن من شراء النجاح.

وبعد شرائه نادي مانشستر سيتي، انتقل لشراء أصول بريطانية تذكارية أخرى: بنك باركليز، الذي تعود جذوره إلى عام 1690. ووسط الأزمة المالية في عام 2008، تحول باركليز إلى المستثمرين في قطر وأبو ظبي لجمع أكثر من 7,3 مليار جنيه استرليني  في النقد كاعتمادات طوارىء لتبقى خارج سيطرة الحكومة. وبالنسبة للمستثمريّن الفرديين الرئيسيين – الشيخ حمد أمير قطر والشيخ منصور من أبو ظبي – رفع الاستثمار بشكلٍ ملموس شخصياتهم ونفوذهم في المملكة المتحدة.

ومع ذلك، كانت وسائل الإعلام البريطانية أقل ترحيباً بالشيخ الطموح. فقد جذبت صفقتيّ كلٍ من نادي مانشستر سيتي وبنك باركليز الجدل والإنتقاد على نطاقٍ واسع، وهو الأمر الذي يحاول أفراد العائلة المالكة الخليجيون عادةً تجنبه. وعلاوةً على ذلك، لم يسبق لأفراد العائلة المالكة هؤلاء أبداً أن تحملوا أي سخريةٍ في وسائل الإعلام المحلية، الأمر الذي يعتبر من المحرمات. ففي يناير 2009، على سبيل المثال، مع انخفاض أسهم باركليز وتعثر محاولة مانشستر سيتي شراء لاعب كرة القدم البرازيلي الشهير، ريكاردو كاكا، من نادي ميلان، عنونت صحيفة ذا صن، وهي صحيفة بريطانية شعبية، كاريكاتيراً يحمل صورة الشيخ منصور بـ” Sheikh in the Kaka.”

وبعد سبعة أشهر، كان الشيخ من يضحك أخيراً. فقد سجلت شركة الاستثمارات البترولية الدولية، وهي أداة استثمارية حكومية يرأسها الشيخ، أرباحاً تقدر بـ1,46 مليار جنيه إسترليني بعد أن قامت ببيع أسهم باركليز. وعلاوةً على ذلك، ارتفعت قيمة نادي مانشستر سيتي من 210 مليون جنيه استرليني في عام 2008 إلى 1,293 مليون جنيه استرليني في عام 2016، وفقا لفوربس، وهو ما يمثل عائداً كبيراً للاستثمار إذا ما قرر الشيخ بيع النادي أو جزء من أسهمه.

يُذكر أن الشيخ منصور يشغل منصب نائب رئيس وزراء دولة الامارات العربية المتحدة، التي تعتبر أبو ظبي عاصمتها، ووزير الشؤون الرئاسية، إذ لا يُعرف الكثير عن حياته في السابق. ومع ذلك، عندما سربت ويكيليكس برقياتٍ من السفارة الأمريكية في أبو ظبي، ذكرت وثيقة مختصرة عن وزراء حكومة الإمارات العربية المتحدة أن منصور كان طالباً في قسم اللغة الإنجليزية في كلية المجتمع في سانتا باربرا في عام 1989. “يتكلم الإنجليزية بشكلٍ جيد، إلا أن سجله الأكاديمي كان ضعيفاً. حصل على درجة البكالوريوس في العلاقات الدولية في عام 1993 من دولة الإمارات العربية المتحدة،” كما تذكر الوثيقة.

وفي منتصف تسعينيات القرن الماضي، تزوج من الشيخة علياء بنت محمد بن بطي الحامد، إبنة محمد بن بطي الحامد، أحد كبار رجال الدولة في أبوظبي، وهو قريبٌ من زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، ووالد الشيخ منصور. لديهم ابن واحد؛ زايد. وفي مايو 2005، تزوج الشيخ منصور من الشيخة منال بنت محمد بن راشد آل مكتوم، بكر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي. ولديهم خمسة أطفال هم: فاطمة، ومحمد، وحمدان، ولطيفة، ورشيد، الذي ولد في 22 مارس 2017. تعمل الشيخة منال في مساعدة المرأة على تحقيق النجاح في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والرياضية والفنية والسياسية في دولة الإمارات العربية المتحدة.

وبحسب مجلة فوربس، أصبح الشيخ منصور أحدث ملياردير خليجي في عام 2009، حيث يُقدر صافي قيمة أصوله الشخصية بـ3,9 مليار جنيه استرليني، يأتي معظمها من عائدات النفط. واليوم، يُقدر هذا بـ17 مليار جنيه استرليني، على الرغم من عدم وجود أرقام يمكن التحقق منها بشكلٍ كامل، ذلك أن فوربس لا تُقدر الثروات الملكية إلا إذا كان بالإمكان تتبعها بوضوح.

وفي العقد الماضي أو نحو ذلك، إعتمد قادة أبو ظبي ودبي استراتيجيةً جريئة لاستثمار مليارات الدولارات على مستوى العالم وفي مختلف القطاعات، ولم يكن الشيخ منصور استثناءً. ومع ذلك، كان أول من استثمر بشكلٍ فردي، باستخدام اسمه. ومنذ وفاة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، برز اسم الشيخ منصور وشقيقه محمد بن زايد (ولي العهد) كأحد أبرز الشخصيات العامة في الإمارات، إلى جانب الشيخ محمد، حاكم دبي. أصبح “المحمدان” وجها للحكم، في حين أن الشيخ منصور واجهةُ الإنفاق والاستثمارات الأجنبية. كما أن أهمية الشيخ منصور تتعلق بالأجيال أيضاً، حيث يُنظر إليه على أنه يمثل الإماراتيين الأصغر سناً والأكثر ديناميكية وحداثة و”عالمية.”

هناك قولٌ مأثورٌ في العالم العربي ينطبق تماماً على نجاح الشيخ منصور: يتحوّل التراب بين يديه إلى ذهب، فأخلاقيته في العمل وإلتزامه برؤية والده لا هوادة فيهما. وإلى جانب استثمارته العالمية، يرأس الشيخ منصور أيضاً المجلس الوزاري للخدمات، وجهاز الإمارات للاستثمار، وهيئة الإمارات لسباق الخيل. كما أنه عضو في مجلس إدارة المجلس الأعلى للبترول والعديد من الشركات الاستثمارية الأخرى بما فيها مجلس أبوظبي للاستثمار. وعلاوة على ذلك، يمتلك حصصاً في عددٍ من المشاريع التجارية، بما في ذلك فيرجين غالاكتيك وسكاي نيوز العربية، التي تشترك مع سكاي نيوز البريطانية.

تمثل صفقات الاستثمار مع فيرجين غالاكتيك، ودايملر، الشركة الألمانية لصناعة سيارات مرسيدس بنز، وتسلا، رغبة أبوظبي في التنويع بعيداً عن اقتصادها النفطي، أولاً وقبل كل شيء. وعلاوة على ذلك، فإن هذه الخطط، التي يرأسها خصيصاً الشيخ منصور، تتماشى مع المسار الذي وضعه الجيل الجديد من الحكام الإمارات، والذي يتمثل في تعزيز البحوث والتكنولوجيا والعلوم على مستوى القاعدة الشعبية، والاستثمار في الشباب الإماراتي لتصبح الإمارات مركزاً دولياً للسياحة في المنطقة.

وعلى هامش القمة العالمية للحكومات، التي استمرت لثلاثة أيام والتي عقدت في دبي في فبراير 2017، أشرف الشيخ منصور على توقيع مذكرتيّ تفاهم بين مجلس شباب الإمارات، ومؤسسة الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ومؤسسة ولي العهد الأردني، بهدف تمكين وتحفيز المواهب الشابة على الابتكار في مجالات التعليم والمعرفة وريادة الأعمال والعمل الإجتماعي، ولتحفيز التواصل بين منظمات الشباب في العالم العربي.

وخلال الجلسة الختامية للقمة، وكجزءٍ من الاستراتيجية الوطنية للشباب العربي، أعلن الشيخ منصور عن إطلاق سبع مبادراتٍ لتمكين الشباب العربي. وقال إن المبادرات، التي تشمل بناء برنامجٍ لتبادل الطلاب وعقد دوراتٍ للشباب في العالم العربي، هي جزءٌ من خطط الحكومة لمساعدة الشباب على تحقيق طموحاتهم.

وفي كلمةٍ ألقاها أمام حشدٍ من القادة والمفوضين، قال الشيخ منصور “الشباب العربي هم مستشارونا وأفضل من يحقق رؤيتهم واستراتيجيتهم. المستقبل في أيدي الشباب، ويرى أطفالنا [القيادة] نموذجاً يحتذى به. ولذلك، فإن مسؤوليتنا كحكوماتٍ عربية خلق الأمل وفتح أبواب الفرص أمامهم.”

يُمثل الشيخ منصور سلالةً جديدة من القادة الإقليميين الذين يدركون التحديات التي تواجهها مجتمعات الشرق الأوسط والخليج في الوقت الذي يقومون فيه بالتحديث والتطوير، وهم على استعدادٍ للقيام بكل ما يلزم لضمان نجاح بلدانهم.