وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

السلطة بأيدي الجيل الجديد؟ صعود نجم الأمل الرئاسي التونسي، يوسف الشاهد

Tunisia- Youssef Chahed
Photo AFP

تحيا تونس! كان العنوان الرئيسي الذي تصدر الصفحات الرئيسية للصحف التونسية في 27 يناير 2019.

تحيا تونس هو أيضاً اسم أجدد حزبٍ سياسي في تونس، الذي تأسس في مدينة منستير الساحلية من قِبل أعضاء سابقين في حزب نداء تونس الحاكم. ويعد الحزب بتوحيد الأحزاب العلمانية حول “مشروع ديمقراطي حديث لقيادة الأمة والتنافس مع الإسلاميين.”

ولا بد أن العديد من التونسيين شعروا بنوعٍ من الديجافو، إذ يبدو أن الحركة السياسية الجديدة، التي يقودها رئيس الوزراء يوسف الشاهد، كانت محاولة منسقة استراتيجياً بنسخةٍ محسنة من نداء تونس.

فقد خرجت الحركة من رحم عداءٍ بين جيلين سياسيين داخل الحزب الحاكم، يجسّدها المؤسس البالغ من العمر 92 عاماً، الباجي قائد السبسي، من جهة، والشاهد، البالغ من العمر 43 عاماً، المحمي السابق والمعيّن من قبل السبسي، من جهة أخرى.

في الوقت الراهن، يبدو المستقبل زاهياً جداً بالنسبة للزعيم الحكومي الطموح. فالشاهد، أصغر رئيس وزراء في تونس على الإطلاق، على استعدادٍ لتحويل الديناميكيات السياسية للبلاد.

فقد تخرج الشاهد، المتزوج وأب لإبنة واحدة، في عام 1998 من المعهد الوطني للعلوم الفلاحية في تونس، وفي عام 2003، حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد الزراعي من نفس المعهد. قد تكون أطروحته للدكتوراه، التي تحمل عنوان “قياس تأثير تحرير التجارة الزراعية على التجارة والرفاهية،” قد أرست الأسس لتقلده منصباً في قسم الخدمات الزراعية الخارجية في السفارة الأمريكية في العاصمة تونس، حيث عمل كخبير في السياسات الزراعية. وكشفت وثيقتان كتبهما وظهرتا في الصحافة بعد أن أصبح رئيساً للوزراء في عام 2016 موقفاً واضحاً “بالود تجاه الولايات المتحدة،” مما أثار التلميحات في وسائل الإعلام بأنه مستعد لـ”بيع تونس.”

وفي مقابلةٍ تلفزيونية مع قناة التاسعة، وهي قناة تلفزيونية خاصة، في ديسمبر 2018، لخص الشاهد خلفية عائتله: “نشأت في عائلة دستورية، وأسس عمي حسيب بن عمار، الذي كان المدير السابق للحزب الحر الدستوري الجديد، الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.” إلا أنه “نسي” على نحو عملي، ذكر جدته الناشطة النسائية الشهيرة، راضية الحداد (التي تم تسمية أحد شوارع وسط العاصمة تونس باسمها)، والمعروفة بأنها من أشد المنتقدين لمؤسس الحزب الحر الدستوي الجديد، وأول رئيس للبلاد ما بعد الاستقلال، الحبيب بورقيبة، الذي أعلن نفسه أيضاً مهندس “تونس الحديثة.”

ومع انتظاره ضمنياً الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر أجراؤها في أكتوبر وديسمبر 2019 على التوالي، هذا التلاعب الخلاق بالحقائق كان محاولةً من الشاهد لوسم نفسه كقائد يمكن للناخبين أن يعهدوا له بمشروع تونس الحداثي، على غرار الحزب الحر الدستوري الجديد، الحركة التاريخية وراء الصورة الذاتية لتونس التقدمية (الغربية).

ظهرت طموحات الشاهد السياسية في أعقاب الإطاحة بالزعيم زين العابدين بن علي في عام 2011. شارك الشاهد، المفعم بغبطة “كل شيء ممكن” من ذلك الوقت، بتأسيس الحزب الجمهوري الليبرالي/ الوسطي، مع صديقه وكاتم أسراره سليم العزابي، الذي أصبح اليوم الرئيس الصوري لتحيا تونس. ومع ذلك، قرر الرجل البراغماتي تغيير الحزب عندما بدا أن الحزب الجمهوري أكثر ضعفاً من أن ينافس النجم الصاعد، نداء تونس، الحزب الذي يسيطر عليه المشاهير السياسيون.

وعلى النقيض من صورته الخارجية المستقلة، استفاد الشاهد المستجد، على نحوٍ كبير، من شعار السبسي “أبقِها ضمن إطار العائلة،” الذي استنكره الشاهد بشدة فيما بعد. وعليه، قام السبسي، في محاولةٍ لوضع حدٍ للتنافسات المستمرة التي تعصف بالحزب، بترشيح وزير الخارجية المعين حديثاً، الشاهد، في عام 2015 كزعيم لجنةٍ “توافقية” للتوسط في صراع السلطة بين نائب الرئيس حافظ قائد السبسي (نجل الرئيس)، والأمين العام محسن مرزوق.

لربما لم يكن ذلك النجاح الذي أمله الشاهد وتوقعه، إذ أن 4 من أصل 13 عضواً انسحبوا من اللجنة، متهمين الشاهد بتفضيل الموالين للسبسي.

ومع ذلك، عين السبسي الشاهد رئيساً للوزراء في وقتٍ لاحق، في أعقاب الإطاحة بحبيب الصيد في تصويتٍ برلماني لسحب الثقة في 30 يوليو 2016. إن من شأن الصعود السياسي السريع للشاهد تحت جناح الرئيس تقويض مصداقيته السياسية للسنوات التالية.

الشاهد هو مشروع الرئيس، فهو من أوجده. في ذلك الوقت، أراد السبسي التخلص من حبيب الصيد، الذي بدأ عناده يصبح مزعجاً يوماً بعد يوم للقصر الرئاسي في قرطاج. وقال موقع ميدل ايست آي، الموقع الإخباري على الإنترنت، إنه لا يوجد خطر من هذا القبيل من أستاذٍ شاب في الاقتصاد الزراعي يعرف أكثر عن الأخشاب الفرنسية، حيث كان يدرس، عن ما يعرفه عن السياسة التونسية.

إلا أنه سرعان ما بدأ الإجماع المنشود بإظهار علاماتٍ على التوتر. فقد وجد الشاهد نفسه معزولاً كما يُقال مع تصدع علاقته بحافظ السبسي وظهور شكاويه من ممارسي عرقلة الأعمال السياسية داخل الحكومة والإدارة. باعتباره غريباً، انسحب الشاهد، الذي أظهر القليل من الصبر في ظل الحساسيات داخل نداء تونس وتأكيده مراراً وتكراراً أنه مضطر لتكريس جميع جهوده لمهامه كرئيس للوزراء، بعيداً عن خصومات الحزب المتعمقة وكافح من أجل الدفع بإصلاحاتٍ غير شعبية التي فرضها في الغالب صندوق النقد الدولي.

وبحسب ما قاله سليم خراط، المدير التنفيذي في البوصلة، وهي منظمة معروفة في المجتمع المدني، في مقابلةٍ مع ميدل إيست آي، “لم يجد الشاهد مكاناً له قط في نداء تونس؛ لم يتمكن من إثبات نفسه.”

في حين قدم رضوان مصمودي، مؤسس ورئيس مركز دراسة الإسلام والديمقراطية ومقره واشنطن، تفسيراً مختلفاً لفَنَك، إذ قال “أعتقد أنه أشار إلى أشخاص ينتمون للنظام القديم بالإضافة إلى “جماعات الضغط” أو لرجال الأعمال الفاسدين. هذا أمر طبيعي ومتوقع خلال فترة انتقالية من الديكتاتورية إلى الديمقراطية. أعتقد أنه يحاول بجد أكبر من أسلافه، منذ انتخابات 2014، لملاحقة الفساد والأفراد الفاسدين.”

كما أكدت مجموعة الأزمات الدولية وجهة النظر هذه في تقريرٍ نشر عام 2017، مشيرةً إلى “التأثير الخفي للنخبة الاقتصادية” في تونس الذين يعيقون قدرة الشاهد على تنفيذ الإصلاحات الضرورية.

انشق الشاهد في مايو 2017، بشنه “حرباً على الفساد.” إذ قال في ذلك الوقت، “في الحرب على الفساد، لا يوجد خيار. إما الفساد أو الدولة. إما الفساد أو تونس.” بدأت “الحرب” بالقبض على اثنين من رجال الأعمال والسياسيين البارزين المقربين من نداء تونس وحزب النهضة، أحد الأحزاب السياسية الرئيسية الأخرى، من بينهم شفيق جراية، حليف حافظ قائد السبسي ومتبرع هام لنداء تونس.

كان قراراً جريئاً، فقبل فترةٍ وجيزة، كتب موقع Maghreb Confidential، وهو موقع إخباري أفريقي، أن العديد من الشخصيات ذات النفوذ المشتبه في فسادهم في الحزب الحاكم كانوا يستعدون لاستبدال رئيس الوزراء بأحد وزرائه، فاضل عبد الكافي.

ومع ذلك، من حيث التسويق، حققت الحرب على الفساد، بما لا يدع مجالاً للشك، نجاحاً كبيراً، مما جعلته يكسب تأييدا شعبياً واسع النطاق ورفعت مكانة الشاهد باعتباره نجماً، حتى وإن لم يدم ذلك طويلاً.

لكن النقاد وصفوا الحملة بأنها مجرد وسيلة لصرف الانتباه عن الاضطرابات الاجتماعية في أجزاء كثيرة من البلاد، خاصة في المناطق ذات حقول النفط مثل تطاوين في الجنوب.

وعلاوةً على ذلك، فإن تعيين شخصيات مثيرة للجدل من النظام القديم، واعتماد قانون للمصالحة يمنح العفو للمسؤولين المتهمين بالفساد أثناء حكم بن علي وتأجيل الانتخابات المحلية قد أضر بمصداقية الشاهد كمحاربٍ للفساد.

كما قوبلت بعض قراراته الأخرى بالمعارضة، فعلى سبيل المثال، تم انتقاد إقالته لعبد الجليل بن سالم، وزير الشؤون الدينية، في نوفمبر 2016، لربطه بين الوهابية والإرهاب، راضخاً لإرادة المملكة العربية السعودية، حيث الوهابية هي دين الدولة.

تلى ذلك عدد محدود من حالات الإقالة “الاستراتيجية،” التي يفترض أنها ترضي أحد الحلفاء الملائمين أو غيرهم أو تقضي على الأعداء. ومن خلال إقالة وزير الخدمة المدنية والمسؤول السابق في الاتحاد العام التونسي للشغل القوي، في فبراير 2016، أدى الشاهد إلى تفاقم العلاقة المتوترة بالفعل مع النقابات.

وبحسب ما صرح به نور الدين الطبوبي، زعيم الاتحاد العام التونسي للشغل فصيح اللسان، في مارس 2018، “ما يجعل رئيس الوزراء جيداً هو أن يتسم بالواقعية، وله دراية كاملة بتحديد الأولويات وأن يكون صاحب تجربة في إدارة الشأن العام ومتمتعاً بالقدرة على تسيير وتوظيف قدرات فريق عمل حكومي متجانس.” تعكس كلماته إحباطاً عاماً بسبب المصاعب الاقتصادية والوعود التي لم يتم الوفاء بها. فقد اكتسب الشاهد سمعة “مجرد كلام دون أفعال.” كما أسفر تصميمه العنيد، على ما يبدو، على تنفيذ إصلاحات صندوق النقد الدولي إلى زيادة المعارضة داخل حزبه ومن الأحزاب اليسارية، التي وقفت إلى جانب النقابات.

وفي شهر مايو 2018، أعرب حافظ قائد السبسي عن قلقه من أن نتائج نداء تونس الضعيفة في الانتخابات المحلية سيكون لها تداعيات وخيمة على انتخابات 2019، وحثّ الشاهد، وهو أطول رئيس وزراء في تونس، على الإستقالة، مما أشعل أزمة حكومية غير مسبوقة واستقالة العشرات من برلماني نداء تونس. ثم قاموا بتشكيل “الائتلاف الوطني،” الحزب السابق لتحيا تونس.

الخلاف المستمر بين الشاهد وأنصار السبسي اشتعل غضباً ليتحول إلى حربٍ مفتوحة. ووفقاً لمجموعة الأزمات الدولية، توصل الرئيس وقادة نداء تونس وحزب النهضة بالفعل إلى اتفاق لتنحية الشاهد خلال صيف عام 2017.

وقال المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي لصحيفة لاكروا الفرنسية “إنه صراع على الانتخابات المقبلة.” وأضاف “هذا منتشر في مصالح الجميع،” مكرراً الاتهامات من داخل وخارج نداء تونس بأن الشاهد يسيء استخدام منصبه لبناء حزبه السياسي الخاص.

“ليس صحيحاً،” هذا ما قاله صديق الشاهد، العزابي، عند إطلاق حزب تحيا تونس. “جميعنا ننتمي لنفس العائلة الديمقراطية والمتواضعة. لن يكون الحزب الجديد من القادة والأسماء البارزة،” في إشارةٍ إلى مزاعم المحسوبية الموجهة لأنصار السبسي.

أصاب الشاهد المستقل، منتهزاً فرصة الحكم الذاتي الدستوري الممنوح لرئيس الوزراء، كعب أخيل لدى السبسي.

فقد قال السبسي في مقابلة مع صحيفة Arab Weekly، “ينص الدستور التونسي على أن السلطة التنفيذية لها رئيسان: رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، لكل منهما امتيازاته الخاصة. يعدّ هذا جانباً سلبياً يحتاج إلى تعديل.”

أما فيما يتعلق بالعلاقة المفككة ما بين نداء تونس والشاهد، قال السبسي أن الأمر يتعلق برغبة الشاهد البقاء في السلطة.

ويبدو أن رئيس الوزراء الذي يعيش تسع حيوات قد قلب هذا الوضع لمصلحته الشخصية، حيث أظهر نفسه على أنه “وجه تونس الجديد.” كما أعلن وزير الفلاحة سمير الطيب في مقابلةٍ إذاعية: “سأصوت للشاهد عندما ينافس على الرئاسة،” لأنه “يمثل تجسيداً لمستقبل تونس وله مهمة واضحة لتونس.”

ويقول مؤيدو الشاهد ان قيادته لمكافحة الفساد والمحسوبية ستعني في النهاية خياراً للناخبين الباحثين عن سياسي يتمتع بالنزاهة. ويقول منتقدوه، العديد منهم من حزبه السابق، نداء تونس، إنه شخص مغفل استغل منصبه كرئيسٍ للوزراء لإنشاء حزبه السياسي، بهدف تعزيز فرصه في الانتخابات المقبلة.

في حين أن خالد شوكت، المؤسس المشارك اليساري لنداء تونس، كان أكثر تشككاً، إذ قال لنا في مقابلةٍ مع فَنَك، عن تجربته مع نداء تونس: “إن قيادة الدولة أمر، وإنشاء حزب سياسي أمر مختلف تماماً.” فقد أدى الاقتتال المستمر منذ تأسيس الحزب في عام 2012 إلى إثارة تساؤلاتٍ حول قدرة القيادة على التركيز على التحديات التي تواجه البلاد.