وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

زهران علوش وجيش الإسلام

.زهران علوش قائد جيش الإسلام سيبقى لاعباً محورياً في الحرب الدائرة في سورية

زهران علوش, قائد جيش الإسلام
زهران علوش, قائد جيش الإسلام Photo Roy Gutman/ZUMA

زهران علوش هو قائد ومؤسس “جيش الإسلام،” وهو مجموعة مسلحة سورية مكونة ـ حسب التقديرات ـ مما بين 20000 إلى 30000 مقاتل، جميعهم سوريون، وتنشط ـ على نحو رئيسي ـ في منطقة مدينة دمشق وريفها.

وزهران هو ابن الداعية الإسلامي السلفي المعروف الشيخ عبدالله علوش، وكان زهران قد وُلد في عام 1970 في مدينة دوما في الريف الدمشقي الشرقي، أو ما يعرف بالغوطة الشرقية. سائراً على خطى والده، درس زهران الشريعة في جامعة دمشق، ومن ثم حصل على الماجستير في الدراسات الإسلامية من إحدى الجامعات السعودية، قبل أن يعود إلى مدينة دوما حيث انخرط بالنشاط الدعوي وأسس عملاً خاصاً به في مجال المقاولات.

في مطلع العام 2009، أي قبل اندلاع الحرب السورية بنحو سنتين، اعتقل زهران على أيدي المخابرات السورية على خلفية نشاطه الدعوي الجهادي، وظل في المعتقل حتى أفرج عنه بموجب عفو رئاسي في شهر حزيران (يونيو) عام 2011 ، وقد رأى عدد من المراقبين آنذاك أن النظام منح المتطرّفين ذلك العفو لكي يمكنهم من “سرقة الثورة” التي كانت لا تزال سلمية في ذلك الحين. وبعد خروجه من السجن، سارع علوش إلى تأسيس قوة عسكرية تحت اسم “لواء الإسلام” في مدينة دوما لغرض قتال قوات الأسد وإسقاطه.

وفي 18 تموز (يوليو) من العام 2012، ذاع صيت لواء الإسلام بعد أن تبنى عملية تفجير مكتب الأمن القومي بدمشق والذي أودى بحياة أرفع القادة الأمنيين في نظام الأسد، وكان من بينهم زوج شقيقة الأسد الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الأركان العماد آصف شوكت، إلى جانب وزير الدفاع داوود راجحة ومعاون نائب الرئيس العماد حسن تركماني. إلا أنه يبقى من غير المؤكد أن لواء الإسلام كان ـ حقاً ـ وراء تلك العملية.

في شهر أيلول (سبتمبر) 2013، أجرى علوش توسيعاً كبيراً في مجموعته حيث قام بضم نحو 50 فصيل مقاتل ناشط في منطقة الغوطة إلى لواء الإسلام الذي يقوده وحول اسم الأخير إلى جيش الإسلام. وبعد فترة قصيرة، أي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2013، قام علوش بالانضمام إلى تحالف جمع ستة مجموعات إسلامية أخرى تحت اسم الجبهة الإسلامية، وأصبح يشغل منصب القائد العسكري لها.

بالتحاقه بالجبهة الإسلامية خرج جيش الإسلام من حدود تواجده في الغوطة الشرقية وضواحي دمشق إلى أماكن أخرى من سورية كان منها القلمون (وسط سورية) وريف حلب (شمال سورية)، إلا أن الغوطة الشرقية ظلت تشكل معقله الرئيسي ومنطقة نفوذه الأقوى.

وتشير تقارير إعلامية عدة إلى أن علوش يتمتع بالدعم من المملكة العربية السعودية، وأن الأخيرة كانت وراء تشكيل جيش الإسلام كما لعبت دوراً محورياً في إقامة الجبهة الإسلامية.

تمكن لواء الإسلام ـ ومن بعده جيش الإسلام ـ من خلال المعارك التي خاضها مع قوات النظام منذ العام 2012 من السيطرة على نحو ثمانين بالمائة من مساحة الغوطة الشرقية.

“كلاب أهل النار”

لكن جبهات جيش الإسلام لا تقتصر على قتال النظام، إذ أنه في حالة قتال دائم ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والتي لطالما وصف زهران علوش رجالها بـ”كلاب أهل النار.” وكان الخلاف بين جيش الإسلام وداعش قد بدأ في ريف حلب في أواخر العام 2013، وذلك حين قام عناصر من داعش بسلسلة هجمات على حواجز لعناصر الجبهة الإسلامية بهدف توسيع مناطق سيطرتها. وسرعان ما تحولت تلك المناوشات إلى حرب مفتوحة بين الجانبين تدور رحاها اليوم في أماكن عدة منها منطقة القلمون وريف دمشق إضافة إلى الريف الحلبي.

ويضم كل من جيش الإسلام وداعش أعداداً متقاربة من المقاتلين، إلا أن عتاد الأخير يعتبر أفضل، كما أن داعش يعتبر أكثر استقلالية من ناحية التمويل. ومع ذلك فقد استطاع جيش الإسلام دحر داعش من معظم مناطق الغوطة الشرقية كما أنه يقارعه بشدة في القلمون اليوم، وذلك ـ ربما ـ بفضل ثقل جيش الإسلام في الجنوب، على عكس داعش التي تتخذ من مناطق الشمال والشمال الشرقي السوري معقلاً لها.

لكن جيش الإسلام يحتفظ بعلاقة جيدة مع جبهة النصرة، التي تضم نحو 15000 مقاتل وتنشط على نحو كبير في الشمال الغربي، كما تشكل أحد ألد أعداء داعش. وفي مقابلة بثت على شبكة الإنترنت في أواخر العام 2013، أشاد علوش بأبو محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة واصفاً رجالها بأنهم “أخوة ذوو بأس.”

وحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية فإن نحو مليون نسمة تعيش في المنطقة الواقعة تحت سيطرة زهران علوش، وجل هؤلاء من المدنيين. ومنذ سقوط تلك المناطق بيد جيش الإسلام فرضت عليها قوات النظام حصاراً خانقاً بينما تقوم بقصفها على نحو مستمر، كما شكلت الغوطة مسرح الهجوم الكيماوي الذي أودى بحياة مئات المدنيين في شهر آب (أغسطس) 2013، والذي يُعتَقد أنه كان من تنفيذ قوات النظام.

في كانون الأول (ديسمبر) 2013، قام ملثمون مسلحون باختطاف الناشطة المحامية رزان زيتونة مع زوجها واثنين من زملائها من مكتبها الكائن في دوما الواقعة تحت سيطرة جيش الإسلام. وقد وجهت أصابع الاتهام إلى زهران علوش بالوقوف وراء اختفائها، إلا أنه لطالما نفى تلك الاتهامات.

كما تعرض علوش إلى كثير من الانتقادات إثر قيام جيش الإسلام بقصف دمشق بشكل عشوائي عدة مرات (كان آخرها في 27 حزيران/يونيو 2015) وبعشرات الصواريخ في كل مرة، مما أدى إلى سقوط العشرات من المدنيين.

وفي شهر نيسان (أبريل) 2015، استفاق السوريون على خبر زيارة قام بها علوش إلى إسطنبول في تركيا، ونقل في حينه عن الناطق باسم جيش الإسلام أن علوش كان سيلتقي بشخصيات معارضة لمناقشة سبل فك الحصار عن المدنيين في الغوطة الشرقية. لكن ثلة من المحليين رأت الزيارة ـ آنذاك ـ في سياق ما قيل أنه تحالف سعودي تركي يهدف إلى حرف ميزان القوى على الأرض لصالح الثوار.

وأظهرت مواقع التواصل الاجتماعي في ذلك الوقت كثيراً من السخط حيال زيارة علوش إلى تركيا، وكان السؤال هو كيف استطاع علوش الخروج من الغوطة “المحاصرة” والعودة إليها، بينما يموت الأهالي فيها جوعاً بحجة الحصار الخانق.

في حقيقة الأمر، تشير التقارير إلى أن مناطق الغوطة الشرقية شهدت حتى الآن عدداً لا بأس به من الاحتجاجات ضد جيش الإسلام، ويقول محمد الدوماني وهو من سكان المنطقة عبر سكايب أن جماعة علوش تضرب بيد من حديد ضد أي انتقادات لأفرادها تخرج من تلك المناطق. ويصيف الدوماني إنه “يقبع الآلاف من المدنيين في سجون جيش الإسلام دونما محاكمة،”ويتهم قادة جيش الإسلام باحتكار المساعدات والمود الغذائية التي تصل إلى المنطقة، كما يتهمهم بتجويع السكان وعقد الصفقات مع التجار من أجل رفع الأسعار في المناطق المحاصرة.

وكان علوش قد انتقد ـ في مناسبات عدة ـ الديمقراطية، على أنها نظام فاسد، ولم يترك مكاناً للشك في أنه يسعى إلى إقامة دولة إسلامية في سورية ما بعد الأسد. لكنه وفي أول مقابلة له مع وسيلة إعلام أمريكية، قام بتغيير خطابه. ففي المقابلة التي منحها في شهر أيار (مايو) 2015 بينما كان في تركيا لموقع ماكلاتشي الأمريكي، تراجع علوش عن دعواته السابقة لطرد العلويين من دمشق، بينما وصفهم في المقابلة بأنهم “جزء من الشعب السوري.”

وأضاف أنه سيدع السوريين يقررون شكل الدولة التي يريدون، وقال “إننا نريد التأسيس لدولة تضمن حقوقنا.” كما استنكر علوش في المقابلة “التمييز الطائفي” ضد المسلمين السنة، وقال أنه “بعد ذلك ينبغي أن يختار الشعب السوري شكل الحكومة التي يريد.” موضحاً أنه يؤيد تشكيل حكومة “تكنوقراط.”

حتى مقتله, بقي زهران علوش أحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل في الحرب السورية، فرغم الإعتراضات والشكوك التي يحملها سوريون كثر حول منهجه، يبدو الرجل في عيون كثيرين قائداً مقداماً.

و قبل مقتله لا شك أنه ثمة إجماع على أنه ما دام علوش يقبع على رأس أقوى الفصائل في دمشق وما حولها، فإنه سيبقى لاعباً محورياً في الحرب الدائرة في سورية.

في اواخر ديسمبر ٢٠١٥, تم قتل زهران علوش خلال غارة جوية في منطقة المرج في الغوطة الشرقية. وبعدها قام أعضاء جيش الإسلام بإنتخاب خليفته, أبو همام البيضاوي بعد ساعات من الغارة التي نفذتها القوات السورية.