وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أمل سليمان: مأذونة التاريخ التي هزمت العادات

Egypt- Amal suleiman
Photo: www.aljazeera.net

في القاهرة، مدينةٌ لا تزال تُعاني الموروثات الاجتماعية والتقاليد المُكبلة للمرأة، تحدت إمرأة مصرية المعايير الاجتماعية سعياً لتحقيق حلم لطالما راودها. وبفعل ذلك، حركت المياه الراكدة، وأقحمت النساء في مجال عملٍ أقتصر على الرجال فقط.

في 1998، لم تكتفِ أمل سليمان بالحصول على شهادة المحاماة من جامعة الزقازيق، فحصلت على دبلومتي القانون العام والجنائي في عام 2005، قبل أن تسعى دون نجاح للعمل كمدرسة لمادة الشريعة في أحد المعاهد الأزهرية.

انتظرت أمل على مدار عامين كاملين قبل أن تلعب الصدفة دوراً في تغيير مسار حياتها: حيث توفي المأذون الشرعي لمدينة القنايات بمحافظة الشرقية، لتقرر التقدم رسمياً بأوراقها لشغل المنصب الشاغر ودخول عالم “المأذونية.”

تقول أمل إن أبرز الصعوبات التي واجهتها في سبيل الالتحاق بمهنة المأذون الشرعي تمثلت في تعنت موظفي الحكومة ورفضهم قبول الأوراق رغم صحتها. وأضافت أن الأمر وصل لاتهماها من قبل أحد الموظفين بمخالفة الشريعة الإسلامية، مما دفعها لاستفتاء رأي علماء الأزهر الشريف، الذين أكدوا أن عمل المرأة بمهنة المأذون وظيفة إدارية ولا غبار عليها شرعاً.

للوهلة الأولى، اعتقدت أمل أن اعتمادها مأذوناً شرعياً لا يتطلب سوى شهادتي التخرج والميلاد وصورة بطاقة الهوية الشخصية، إلا أنها تفاجئت بشروط أكثر تعقيداً من بينها ضرورة تصديق 10 رجال على موافقتهم بالعمل باعتبارها شهادة حسن السير والسلوك. ووفقاً لسليمان، تمكنت بصعوبةٍ بالغة من الحصول على الموافقات المطلوبة واستيفاء الأوراق ثم التقدم إلى محكمة الأسرة لاعتمادها رسمياً. وعلى الرغم من تقدم عدد من الرجال لشغل المنصب ذاته، إلا أنها نجحت في اقتناصه لحيازتها شهادات علمية أكثر قيمة.

رغبة أمل في شغل منصب المأذون الشرعية لمدينة القنايات دفعها للبحث في الأمور الشرعية المتعلقة بتعارض طبيعة عملها الجديدة مع الفقه الإسلامي، لتتأكد أن الأعذار الشرعية للمرأة لا تمنع من عقد القران أو إشهار الطلاق. في النهاية، استندت أمل في قرارها للعمل كمأذونة لرأيٍ شرعي من الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق، يؤكد فيه جواز امتهان النساء مهنة المأذون الشرعي.

وحتى يونيو 2018، وثقت أمل ما يقرب من 3 آلاف حالة زواج و200 حالة طلاق في محافظة الشرقية. وترى أن معظم حالات الطلاق تقع بسبب استخدام الأزواج لتطبيقات الهاتف وعلى رأسها “فيسبوك” و”واتس آب،” فضلًا عن بعض براجع التجسس التي يلجأ إليها أزواجٌ للتغلب على عدم الثقة والشك والغيرة، بالإضافة إلى الأسباب الأخرى المعلومة منها ما هو مادي ومنها بسبب الإنجاب.

وأيضاً وفقاً لأمل، يعتبر بعض الرجال عمل المرأة تقويضاً لكرامتهم، وبالتالي يصرون على اشتراط عدم عمل الزوجة المستقبلية. ونظراً لهذا وغيرها من مصادر الخلاف الأخرى، تؤكد أمل أن ثمة زوجات يرغبن في تثبيت شروطهن نصاً أثناء كتابة العقد، من حيث المؤخر وقائمة المنقولات، مما يؤدي إلى مشادات قوية بين الطرفين. تفعل هؤلاء النساء هذا لأن توثيق جميع الشروط في عقد الزواج يحميهن أثناء إجراءات التقاضي لاحقاً في حال شرع الزوج بها في المستقبل.

وفي ظل استمرار ظاهرة زواج القاصرات في بعض القرى والمحافظات المصرية، تقول أمل في حوار صحفي سابق، أنها تواجه تقريباً 4 حالات لزواج القاصرات شهرياً. وأشارت إلى أنه على الرغم من قبول أغلب الأهالي بمبدأ زواج القاصرات، إلا أنها تُصر على رفض إتمام الزيجة للإناث الأقل من 18 عاماً، بالإضافة لتوعية الأهالي بالمخاطر الناتجة عن تلك الحالات، سواءً على المستوى الصحي أو النفسي أو ضعف الموقف القانوني للفتاه ومولودها مستقبلاً. كما ترفض حالات الزواج المريبة خوفاً من استخدام الأزواج لمبدأ “المُحلل” (الزواج الذي يهدف إلى التحايل على الشريعة الإسلامية التي تقتضي زواج المرأة المطلقة ثلاثاً من رجلٍ آخر حتى تتمكن من العودة إلى زوجها السابق بعقدٍ شرعي جديد)، بالإضافة لامتناعها عن إتمام الزواج دون علم الأهل.

هذه الوظيفة لأمل سليمان، الشابة التي ولدت في محافظة الشرقية، وإصرارها على اقتحام عالمٍ كان حتى ذلك الحين حكراً على الرجال دفع الحكومة المصرية إلى تكريمها. فقد كرست وزارة التعليم المصرية فقرة في منهج الدراسات الاجتماعية لتعريف طلاب المدارس الابتدائية بأمل. وبالإضافةٍ إلى ذلك، تم تسمية أحد شوارع مدينة القنايات باسم “المأذونة” تكريماً لها.

شجعت تجربة أمل كمأذونة شرعية في مصر والعالم العربي حتى الآن خمس نساء مصرياتٍ أخريات على أن يحذون حذوها ويتولينّ منصب المأذونة. كما تم تخصيص تغطية إعلامية واسعة لأول عقد زواج وثقته في 25 أكتوبر 2008، خاصة بعد اقتضاء عدد من الدول العربية بالتجربة المصرية في تعيين إمرأة في وظيفة المأذون الشرعي من بينها الإمارات وفلسطين.

وعلى الرغم من التكريم الذي حظيت به، لا يزال هناك حلمٌ واحدٌ يراود أمل سليمان: تكريم محافظة الشرقية لها، كأول مأذونة شرعية- على أمل ألا تكون الأخيرة.