وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

إياد البغدادي ينجو من قبضة المملكة العربية السعودية على حرية التعبير

من الإمارات العربية المتحدة إلى النرويج، مروراً بماليزيا: الخطوات التي توجب على الكاتب الفلسطيني والباحث والناشط في مجال حقوق الإنسان إياد البغدادي اتخاذها على أمل أن يتمكن من الاستمرار في إدانة الظلم وإظهار كيف تتصرف دول الخليج تجاه مواطنيها – بينما لا يزال خارج أسوار السجن وعلى قيد الحياة. يقوم إياد حالياً بالتحري عن المملكة العربية السعودية وولي العهد محمد بن سلمان من النرويج.

لفت إياد البغدادي، الذي سيبلغ من العمر 42 عاماً في 17 يونيو، الكثير من الاهتمام خلال بضع سنواتٍ فحسب. نشأ إياد، الذي يقول وفقاً لكلماته إنه لم “يقصد أن يصبح ناشطاً في مجال حقوق الإنسان،” في عائلة هادئة من الطبقة المتوسطة من فلسطين في الكويت، حيث استقر والده إسماعيل، طبيب القلب، من مصر بعد أن أُجبرت أسرته على مغادرة يافا في عام 1948 بعد قيام الدولة الإسرائيلية. وبحسب ما قاله لنا في فَنَك في 20 مايو “بعض الناشطين الذين أعرفهم ما يمكن أن نسميه الناشطين العرضيين،” وأضاف “حدث ذلك عندما كانوا هم، أو أشخاص من أسرهم، مستهدفين بينما كانوا يعيشوا حياةً طبيعية، في واقعهم الخاص. ثم يواجهون حقيقة أكثر قسوة بسبب حدثٍ يوقظهم.

Palestine- Iyad el-Baghdadi
Photo: Twitter

بينما وُلد نشطاء آخرون في أسرٍ سياسية. هذه ليست حالتي، فقد جُذبت بالفطرة لطرح أسئلةٍ حول الحرية والكرامة. وأيضاً، كفلسطيني لا يحمل جنسية، من الصعب أن يصبح الأمر غير سياسي.”

انخرط في السياسية أكثر فأكثر مع بداية الانتفاضة المصرية في 25 يناير 2011، عندما بدأ في تحليل الأحداث علناً وترجمة مقاطع الفيديو والبيانات من العربية إلى الإنجليزية كوسيلة لجعل المزيد من الناس يفهمون ما يجري هناك. وقال البغدادي: “لم أفكر كثيراً في الأمر، شعرت فحسب أني لو كنت هناك لكنت سأذهب إلى الاحتجاجات أيضاً.” وتابع القول “شعرت بالحاجة إلى المشاركة شخصياً. كان الأمر وكأنه شعور داخلي يقول لي إنها فرصتنا للعيش أخيراً في منطقة تتمتع بالكرامة والحرية وحرية التعبير. اعتدت أن أفكر أنه ربما عندما أتقدم في السن، سيبدأ الناس في معالجة هذه القضايا، إلا أن الأمر حصل الآن، حانت لحظة الحقيقة.” بدأ بنشر تغريداته حول مصر منذ بداية الانتفاضة الأولى، 25 يناير، وبالكاد استغرق الأمر أكثر من ثلاثة أسابيع قبل أن يتلقى إخطاراً من السلطات الكويتية في 12 فبراير، بضرورة عدم تخطي الحدود وأنه فعل ذلك. “لم يكن هناك ما يوقفني. كان الناس يتعرضون للقتل والهجوم في هذه البلدان التي تقاتل من أجل الكرامة، فلماذا أتوقف عند أول تهديد؟”.

اكتسبت تغريداته، التي لم توثق الكثير منها آخر التطورات فحسب بل قدم أيضاً تعليقاتٍ ساخرة عن الزعماء المستبدين في المنطقة، متابعةً هائلة، ولا سيما وسم #ArabTyrantManual الذي انتشر على نطاقٍ واسع، والذي تمت ترجمته إلى العديد من اللغات. كما تجاوزت مشاهدة مقطع فيديو له على موقع يوتيوب، الذي نُشر في فبراير 2011، لدعوة الناشطة المصرية أسماء محفوظ للمصريين للاحتجاج في ميدان التحرير في القاهرة، والذي يعرض ترجمةً للبغدادي، أكثر من مليون مشاهدة. كما أنه أيضاً مؤلف كتاب “بيان الربيع العربي” المؤلف من مجلدين، والذي أوجز فيه رؤية “الليبرالية الإسلامية” التي كان يأمل أن تصبح الفلسفة التوجيهية لمنطقته في أعقاب الربيع العربي.

ولكن بعد ثلاث سنوات، في عام 2014، واجه أول عواقب حقيقية لمشاركته هذه. ففي 30 أبريل 2014، قام بالتغريد عن صديقه المقرب، الناشط المصري باسم صبري، الذي كان قد توفي للتو. وفي اليوم التالي، في الأول من مايو، أخبرته سلطات الهجرة الإماراتية في مدينته، عجمان، أن أمامه خياران: إما أن يُسجن لفترة غير محددة من الزمن، أو أن يقبل بالترحيل الفوري. لم تقدم السلطات أي سببٍ رسمي لهذا الإجراء، ذلك أنه لم يُتهم بارتكاب أي جريمة ولا يمكنه الطعن في القرار. اختار البغدادي، الذي كان يبلغ من العمر 36 عاماً، الترحيل. ولكن دون وجود بلدٍ يمكنه العودة إليه، انتهى به الأمر في المنفى: أولاً في ماليزيا، التي رفضته، حيث ظل عالقاً في مطار كوالالمبور؛ ثم، في أكتوبر 2014، انتهى به المطاف في النرويج. استغرق الأمر منه عامين لنقل عائلته إلى النرويج. ومع ذلك، ما زال والديه وشقيقته ينتظران الترحيب بهما في مكانٍ آمن، ويقول البغدادي إنه يخشى على حياتهم.

يرجع ذلك جزئياً إلى حقيقة أنه في مايو2019، كشف للصحافة أنه تعرض لتهديداتٍ بالقتل من المملكة العربية السعودية، وهو ما يراه وسيلةً لمحاولة إسكاته، في ضوء التحقيقات التي يجريها حول المملكة وقائدها الفعلي محمد بن سلمان.

وقال لـفَنَك إنه لم يشعر أن عليه الإعلان عن هذه التهديدات مباشرةً، فقد صرح علانية أنه كان بالفعل ضالعاً في قضية بيزوس “للتحقيق في الحملات التي تسيطر عليها الدولة السعودية على تويتر ضد رجل الأعمال الأمريكي ومؤسس أمازون جيف بيزوس.”

وفي 13 مايو في أوسلو، أصدر الناشط بياناً يوضح فيه بالتفصيل ما حصل: “في يوم الخميس، 25 أبريل، وصل عملاء بي إس تي [دائرة أمن شرطة النرويج] إلى عتبة داري. أظهروا لي شاراتهم وطلبوا مني مرافقتهم. اصطحبوني إلى مكانٍ آمن ثم أخبروني أنهم تلقوا معلومات من وكالة استخباراتٍ شريكة تشير إلى أني كنت هدفاً للتهديد. […] قرار الإعلان عن التهديدات لم يتم الاستخفاف به. بدأت في التفكير في خيار نشر التهديدات على الملأ منذ اليوم الأول، وكانت النصيحة التي تلقيتها من خبراء أمنيين مستقلين هي أن نشر التهديدات ستكون بمثابة رادع لاستهدافي الآن، لأن العالم سيراقب. من الأفضل بالنسبة لي أن أكون في منتصف ساحة البلدة من أن أكون في الظل. […] أكدت تقارير إضافية نُشرت في مجلة تايم في 9 مايو أن شركة إنتل الأمريكية قد أصدرت نصائح حول ناشطين آخرين على الأقل – عمر عبد العزيز في كندا، وناشط مقيم في الولايات المتحدة يفضل عدم الكشف عن اسمه في هذه المرحلة. وضع عمر عبد العزيز تحت الحماية من قبل السلطات الكندية، وفي الوقت نفسه مُنع الناشط المقيم في الولايات المتحدة من السفر إلى بلدان معينة كان يخطط لزيارتها.”

باعتباره صديقاً لجمال خاشقجي، وهو صحفي سعودي بارز قُتل في القنصلية السعودية في أكتوبر 2018 في إسطنبول – حيث يُعتقد أن ذلك تم بناءً على أوامر من محمد بن سلمان- وباعتباره من أشد المؤمنين بالديمقراطية والحرية، يشعر البغدادي بأن من واجبه مواصلة فضح جرائم المملكة العربية السعودية. وبحسب ما قاله لنا في فَنَك، “المملكة العربية السعودية هي ساحة المعركة في الوقت الحالي،” وأضاف “إنه بلدٌ كبير والتغيير مطلوبٌ هناك. يمكنها أن توقف أي حركة تريد الحرية والكرامة، كما حدث في السودان مؤخراً. والآن حان الوقت، حيث بدأ العالم يدرك أن المملكة العربية السعودية إحدى المشاكل.”