وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الزعيم غير المتوقع: الرجل الذي لم يقدم أي وعودٍ إنتخابية يصبح رئيس تونس

kais saied
Photo: FETHI BELAID / AFP

إذا ما كان هناك شخصٌ يستحق جائزة الاكتشاف التونسي لهذا العام، فهو دون أدنى شك قيس سعيّد، الذي انتخب رئيساً للبلاد في 13 أكتوبر 2019.

فقد “أُختُرع” أستاذ القانون السابق البالغ من العمر 61 عاماً والمختص بالقانون الدستوري من قِبل الشباب التونسي كمرشحٍ رئاسي ملائم، وتحول سعيّد من دخيلٍ محافظٍ مستقل ليجسد المسؤولية ضد الفساد والسياسيين المتعطشيين للسلطة وغيرها من “الأوبئة” التي تنخر الديمقراطيات الليبرالية.

حصل على نسبة 18,4% من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات التي بلغت نسبة إقبالها 49%، لكنه فاز في الجولة الثانية من الانتخابات بأغلبية ساحقة، ليظفر بما نسبته 72,71% من الأصوات، بأرقام مطلقة تقريباً ضعف سلفه الباجي قائد السبسي، بنسبة إقبال بلغت 58%.

وبتجاهله جميع قواعد الحملات الانتخابية في العصر الحديث، سيصنع المبتدىء السياسي، الملقب بـ”روبوكوب” أو الرجل الآلي بسبب جديته وصرامته، التاريخ بكل بُدّ باعتباره مرشحاً لا يتبع أي حزب ودون برنامجٍ إنتخابي أو حتى ميزانية.

“كنت وسأظل وسأبقى مستقلاً دوماً وأنا لم أخض حملةً إنتخابية بل حملةً توضيحية،” على حد تعبير سعيّد في مقابلةٍ له مع فرانس 24. وأضاف “هؤلاء، وبخاصة الشباب، الذين صوتوا لي يفهمون أنّا دخلنا حقبةً جديدة.”

ولد سعيّد في 22 فبراير 1958 في مدينة بني خيار الساحلية الشمالية الشرقية، وهو ابن موظف حكومي، حيث حصل على درجة علمية عليا في القانون الدولي العام من جامعة تونس (1985) ودبلوم من الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري في تونس ودبلوم المعهد الدولي للقانون الإنساني في إيطاليا (1986). بدأ مسيرته المهنية في تدريس القانون بجامعة سوسة عام 1986، ثم تبعه بمنصبٍ في جامعة تونس من عام 1999 إلى حين تقاعده في عام 2018.

وبحسب ما قاله أحد زملاء سعيّد السابقين في جامعة تونس لنا في فَنَك، “في صفوفنا، لطالما تمتع قيس بسمعة كونه شخصاً حازماً ويتعذر تغييره،” وتابع “نعلم جميعنا أنه لم يحصل على درجة الدكتوارة لأنه رفض استكمال بعض التعديلات البسيطة التي طلبها فاحصيه.”

جمع سعيّد بين عمله الأكاديمي والعديد من مناصب اللجان في مجال القانون الدستوري. انخرط في السياسة لأول مرة في عام 2011، عندما شارك في اعتصامات ساحة القصبة التي أطاحت بحكومة ما بعد الثورة المؤقتة المؤلفة من وزراء من النظام القديم. وبصفته أحد الشخصيات الرائدة في القانون الدستوري، اشتهر بمداخلاته وتعليقاته المنتظمة لكلٍ من وسائل الإعلام المطبوعة والإذاعية.

وفي هذا الصدد، قالت مديرة مركز الأبحاث المستقل، مؤسسة ياسمين، تسنيم الشريشي لفَنَك “يجسد سعيّد النمط الأصيل للمواطن التونسي المثالي.” وأضافت “لطالما أولى التونسيون أهميةً كبيرة للخلفية الأكاديمية.”

بينما قال الفيلسوف يوسف صديق في مقابلة إذاعية: “لأول مرة في تاريخهم، لن يحكم التونسيون شخصية أبوية، بل ما يشبه الأخ أكبر، واحد من المواطنين.”

فقد وصف سعيّد، الذي تشكّل سياسياً في الأيام التي أعقبت الإطاحة بالديكتاتور زين العابدين بن علي، مراراً وتكراراً ممثلي الديمقراطية التونسية بعدم تماشيهم مع العصر والأحزاب السياسية بالأحزاب التي عفا عليها الزمن. “يمكن الوثوق بالشعب التونسي ليحكم نفسه،” بحسب ما قاله للمجلة الفرنسية جون أفريك في الفترة التي سبقت الانتخابات في سبتمبر 2019، “وتتمثل مهمتي بتزويدهم بالأدوات اللازمة.”

في مايو 2011، عندما أشاد معظم التونسيين بأول قانون انتخابي بعد الثورة باعتباره انتصاراً ديمقراطياً، توقع سعيّد وعدة أشخاص آخرين إعادة ترتيب الديكتاتورية. منذ ذلك الحين، كانت مجموعة متزايدة من الأعضاء تمهد الطريق للإنتقال إلى شكلٍ من أشكال الديمقراطية المباشرة.

“تخيل نمواً عضوياً، شفهياً، لعصابة من المتحمسين،” كما أوضح قيس قروي، المتخصص في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وعضو الشبكة، لفَنَك. وأضاف “كان قيس سعيّد الأكثر نشاطاً، طرق جميع الأبواب دون كلل، وكان يتردد على المناطق الفقيرة حيث نادراً ما يأتي السياسيون.”

يدافع سعيّد وشكبته عن إحياء المجالس المحلية، التي انبثقت بشكلٍ عفوي خلال ثورة عام 2011، في كل تفويض، حيث سيتم إنتخاب أعضائها عن طريق نظام تصويت الأكثرية وستكون مدة ولايتهم قابلة للإلغاء. كما سيمثلهم أحد الأعضاء، الذي يتم سحب اسمه بالقرعة، على المستوى الإقليمي.

ثم تنتخب المجالس الإقليمية ممثليها على المستوى المركزي، بحيث تتألف من 276 نائباً بدلاً من 217 نائباً في الوقت الحالي، لتعكس بشكلٍ أفضل الرغبات المحلية. يتوقع خليل عباس، الباحث في علم الاجتماع وعضو في شبكة “مؤسسون،” حدوث صدام بين الشعب التونسي والبرلمان على المدى المتوسط. “أنا متأكد من أن الأحزاب السياسية ستعارض مشروعنا، [بحجة أن] تبنيه [سيكون] بمثابة انتحار. لكن سعيّد مدعوم من المواطن. وبالاعتماد على الأصوت، يتمتع الرئيس بشرعية أكبر من جميع الأحزاب السياسية مجتمعة.”

أثرت لقاءات سعيّد مع الشباب في المناطق المهمشة، بؤرة ثورة 2011، على أفكاره حول الديمقراطية. “أنا لا أقدم أي وعود؛ سئم التونسيون من الوعود. أريد مخاطبة عقولهم،” صرحّ في المناظرة الرئاسية التي بثها التلفزيون قبل يومين من الجولة الثانية من التصويت. وأضاف “أتذكر التونسيين في القصرين ومكتر وماجل بلعباس. كانوا قادة المناقشات، والأشخاص الذين يحملون أفكاراً وخططاً وبرامج. يفكر هؤلاء المواطنون في حلول لخلق الثروة في منطقتهم.”

كما واصل انتقاد تطبيق القانون بشكلٍ تعسفي، والافتقار إلى الاستقلال القضائي والتشكيك في السيادة الوطنية، معبراً عن أهم ثلاث نقاط على قائمة الناخبين.

في حين قال لطفي حمدي، أحد أصحاب المشاريع الاجتماعية، في رسالةٍ وجهها عبر فيديو نشره على الفيسبوك بعد إدلائه بصوته “اخترت تونس بظلمٍ اجتماعي أقل، وعدم مساواةٍ أقل، ونظام قضائي عادل. بلدٌ يمكننا أن نتطور فيه في مناخٍ أكثر هدوءاً تضمنه دولة أكثر مسؤولية،” معبراً بذلك عن أصوات الغالبية العظمى من مؤيدي سعيّد.

من الناحية العملية، تجاهل حمدي وغيره ممن يطلق عليهم “الليبراليين” حجج سعيد المثيرة للجدل المؤيدة لعقوبة الإعدام والمناهضة لحقوق المثليين وحقوق المساواة في الميراث للنساء. وفي هذا الصدد قال عباس، “يعكس سعيّد قيم التيار السائد في تونس.”

بينما كان آخرون أقل توافقاً، إذ قال الناشط المثلي والمحامي منير بعطور لموقع franceinfo Afrique، “يعاني سعيّد من رهاب المثلية الجنسية، وكراهية النساء، وكراهية الأجانب، هو شخص جاهل. إنه شخص متوحد تقريباً. يشكل هذا خطراً كبيراً على الديمقراطية في تونس!”.

من جهته اعترف عباس بالقول، “هناك بعض التنوع في وجهات النظر داخل شبكتنا بشأن هذه القضايا.” وأضاف “لن نتردد في إدراجها على جدول الأعمال. قيس سعيّد الأكثر توازناً واعتدالاً بيننا، وبالتالي الأكثر “رئاسة،” لكنه ليس “زعيم” شبكتنا.”

وعلى الرغم من عيوبه السياسية – خاصة افتقاره إلى الخبرة – أثبت سعيّد أنه سيد التوقيت السياسي. “قررنا تخطي الانتخابات الرئاسية لعام 2014 لأن سياستنا حددتها قضايا الهوية في السنوات الأولى بعد الثورة،” بحسب قول مناصر سعيّد، قروي. وأضاف “جاءت اللحظة الحاسمة بعد انتخابات 2014 عندما تشبث صبي، أو مراهق، بسعيّد وسأله وهو يبكي،‘لمَ خنتنا؟‘ شعر قيس سعيّد بأنه توسلٌ يائس [وقرر الترشح للرئاسة].”

يمكن أن يزعم المتهكمون أن الصبي لن يصاب بخيبة أملٍ ذلك أن سعيّد لم يُقدم أي وعودٍ للناخبين خلال حملته “التوضيحية.” ومن الناحية الواقعية، لا يُفضي السياق السياسي في تونس إلى النجاح، ولكن بالنسبة لبعض الناخبين على الأقل، يعدّ انتخاب سعيّد بحد ذاته انتصاراً.