ترى المخرجة المصرية ندى ثابت (37 عاماً) أن عباءة الفن تتسع لتشمل الترفيه والاستمتاع، إلى جانب فتح أبواب الحوار في مختلف الموضوعات ورفع الوعي والتعليم وغيرها من الأدوار التنويرية. وإيماناً بهذه القناعات أسست مع مجموعة من أصدقائها شركة “نون للإبداع” عام 2011.
بدأ شغف ندى بالمسرح منذ الطفولة حين كانت تشارك في المسرح المدرسي، وقررت وقتها أنها ستستمر في هذا المجال، وعليه درست مسرح وعلم نفس في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وأكملت دراسة الماجسيتر في ريادة الأعمال الإبداعية في المملكة المتحدة.
جاء قرار تأسيسها نون للإبداع بالتزامن مع دراستها الماجسيتر، إذ قالت “جزء من حصولي على الشهادة تطلب عمل كافة الإجراءات المطلوبة لتأسيس شركة، واستغليت الفرصة وأسست نون.”
قدمت “نون للإبداع” خلال السنوات الثماني الماضية مئات العروض المسرحية وورش العمل والمؤتمرات داخل مصر وخارجها، وطورت شراكاتٍ مع منظمات حكومية وغير حكومية محلية ودولية.
تناولت العروض موضوعات متنوعة وشائكة مثل الختان والتحرش الجنسي، وأطفال الشوارع، والأحلام، والمشاركة المدنية للشباب، والبيئة، والعنصرية، والهجرة، وتصوير المرأة في الإعلام والقانون في مصر.
وبحسب ندى، “من التحديات التي قابلتها تقديم عروض في قرى ليست مجهزة لاستقبال عروض مسرحية، ولكن بمساعدة المتعاونيين المحليين والجهات المانحة تم التغلب على هذه العقبات،” وهو من الأمور التي تفخر بها ندى كونهم وصلوا إلى أغلب المحافظات والقرى المصرية فيما عدا سيناء بسبب الأوضاع الأمنية.
كما تفخر بمخاطبتهم لمختلف الشرائح العمرية والاجتماعية، حيث تتنوع العروض بين عروض للشباب والبالغين ومسرح عرائس للأطفال والناشئين، إضافة لانتشار عروضهم في بلدان عربية مثل الأردن والبحرين والمغرب وتونس.
ومن أهم العروض التي قدمتها نون عرض “تاء ساكنة” في عام 2017، والذي شارك في مهرجانات إقليمية مثل مهرجان البحرين الدولي. بناءً على قصص واقعية لـ12 أم، يتحدث”تاء ساكنة” عن عقبات رحلة الأمومة في المجتمع المصري والمتمثلة في الاكتئاب ومشاكل الصحة العقلية والنفسية.
تختلف استجابات الجمهور المتلقي للعروض التي تقدمها نون، لا سيما التي تتناول قضايا جدلية كالطلاق والختان. وترى المخرجة ندى ثابت أن الفن لا يملك عصا سحرية لوقف ظاهرة كالختان على سبيل المثال عن طريق عرض مسرحي واحد، إلا أن مثل هذه العروض يمكن أن تفتح الباب للحوار والتفكير والتساؤل عن ماهية الختان. قد ينتج من خلال هذا الحوار تغيير في الوعي والسلوك، وهو ما لا يحدث غالباً في سياق اليوم العادي.
كما تُصّر على أن الجمهور يمكنه الاستمتاع بعروضهم حتى المختلف معهم فكرياً، لأنهم يحرصون على أن تقدم العروض بشكل مسلي وجذاب. وتشير إلى أن عرض الختان كان من العروض الشائكة على وجه الخصوص، نظراً لترسخ الظاهرة في المجتمع المصري. ففي أحد مرات عرضه غادرت سيدة من المسرح اعتراضاً، ولكن رغم ذلك عادت بعد انتهائه وطرحت بعد الأسئلة بدافع الفضول وهذا في حد ذاته أمر جيد وخطوة في طريق التنوير، بحسب ندى.
تتذكر موقفاً آخر حين قدموا عرض الختان في مركز شباب بقرية صغيرة في محافظة أسيوط، حيث أبلغهم مدير المركز بعد انتهاء العرض أنه على الرغم من قناعته بضرورة ختان الفتيات لكنه أعجب بالعرض وعرض عليهم تقديمه مرة ثانية لمجموعة جديدة من الفتيات.
وتشير إلى أن وجود متعاونين محليين يسهل عليهم مهمة إقناع الجمهور بالمشاركة في العروض، ففي القرى الصغيرة الجميع يعرفون بعضهم البعض وحين يشارك في التنظيم أحد أهالي القرية يجعل الأمر محل ثقة بالنسبة للبقية.
تعتز ندى بجميع عروض نون ومنها حارة تي في، و45، وسمع هس، ومن أنتم، وريشة العصفور. تتعامل ندى معهم جميعاً كأبناءها، ولكنها تشير إلى الابن المدلل فيهم وهو عرض “مغامرات نوسة” الذي يعرض حالياً؛ وذلك لأنها قامت بتأليفه بنفسها إلى جانب الإخراج، ويتضمن مغامرات للطفلة نوسة مع كلب بلدي وحل الألغاز لاكتشاف ما حصل لصديقهم بمساعدة الجمهور.
وتخطط ندى ثابت لإنتاج سلسلة من المغامرات على نفس النهج لتشجيع الأطفال أن يكون لديهم شغف وحب استطلاع وتزويدهم بمعلومات عن البيئة والتاريخ.
عبر أحد المواطنين لفَنَك، أحمد حلمي، عن إعجابه بعروض نون التي تقام في محافظته أسيوط، قائلاً إن نون من المؤسسات التي تعمل بتفانٍ بعيداً عن صخب الشهرة لتوصيل رسالة هادفة عن طريق المسرح بأنواعه، ويتحملون في سبيل ذلك معاناة السفر والترحال كل عام بفكر جديد ورسالة جديدة.
فيما قالت الناشطة رضوى محمد، إن المسرح التفاعلي لنون من أكثر العروض امتاعاً وإثارة لأنه يجعل الجمهور يشارك في العرض عن طريق طرح أسئلة وأفكار تشغل ذهن المشاهد، وتجعله يشعر بأنه جزء من العرض حتى وإن كان ما يقدم مخالف لقناعاته. وأضافت أنها تستمتع بعروض نون لأنها تعبر عنها وعن مشاكل المرأة المصرية.