وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الرئيس الفلسطيني محمود عباس: سياسي براغماتي أم دمية إقليمية؟

محمود عباس، المعروف أيضاً بكنيته أبو مازن، يترأس السلطة الفلسطينية منذ 9 يناير 2005، وعلى الرغم من انتهاء الولاية القانونية للرئاسة بعد أربع سنوات في عام 2009، رفض عباس اجراء انتخابات رئاسية جديدة، وعليه تعتبر قيادته دون شرعية ديمقراطية.

الإنتقاد الرئيسي الثاني الموجه له هو ما يعرف بسياسة التنسيق الأمني مع إسرائيل، التي تعدّ واحدةً من الجوانب الأساسية لعملية السلام. لذا، فهل يعتبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس سياسي براغماتي يعلم كيف يتعامل مع القيادة الاسرائيلية، أم أنه ليس سوى دمية إقليمية لإسرائيل وأمريكا؟

السنوات الأولى

ولد محمود عباس في مدينة صفد في الجليل بتاريخ 26 مارس 1935. هاجرت عائلته إثر نكبة عام 1948 الى الأردن ثم الى سوريا. بدأ دراسته العليا في جامعة دمشق، حيث درس الأدب واللغة الإنجليزية، بالإضافة الى حصوله على إجازة في القانون من جامعة دمشق. بعد سنوات عديدة درس أيضاً التاريخ في جامعة باتريس لومومبا في موسكو وحصل على الدكتوراه في عام 1982 في قسم السياسة الإسرائيلية، حيث كانت أطروحته عن العلاقات بين الصهيونية والنازية. قبل ذلك، عمل في دولة قطر مُدّرساً، ثم مديراً لشؤون الموظفين في وزارة التربية والتعليم في الإمارة لغاية عام 1970، عندما ترك العمل وتفرغ كليا للعمل الوطني.

محمود عباس متزوج من السيدة أمينة عباس، ولهم ثلاثة أولاد هم مازن وياسر وطارق. الابن الأكبر مازن كانت قد وافته المنية فجأة في دولة قطر إثر نوبة قلبية عام 2001، حيث كان يدير شركة للعقارات.

Palestine- Mahmoud Abbas
Photo AFP

أولاده ياسر وطارق يديران مجموعة من الشركات الاقتصادية الضخمة في كل من فلسطين والأردن وقطر.

البداية السياسية

بدأ عباس نشاطه السياسي منذ بداية الستينيات، وأثناء تواجده في قطر في عام 1961، تم تجنيده كعضوٍ في فتح، الحزب السياسي القومي الذي أسسه ياسر عرفات برفقة عددٍ من الفلسطينيين في الكويت في أواخر الخمسينيات. تعتبر فتح أكبر فصيلٍ في منظمة التحرير الفلسطينية متعددة الأحزاب.

واصل ارتقائه في المناصب العليا على مر العقود التالية، حيث تم تعينه عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني، الهيئة التشريعية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في عام 1968، وعضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1980. وفي العام 1996 تم اختياره أميناً لسر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، مما جعله الرجل الثاني عملياً في القيادة الفلسطينية.

سجل التاريخ بأن عباس كان أول من دخل معترك المفاوضات السياسية مع الطرف الإسرائيلي المعتدل لأول مرة عام 1977، عندما تباحث مع الجنرال الإسرائيلي ماتيتياهو بيليد، التي أدت إلى إعلان مبادئ سلام على أساس الحل بإقامة دولتين. كما شارك في المفاوضات السرية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، من خلال وسطاء هولنديين عام 1989، ونسق المفاوضات أثناء مؤتمر مدريد للسلام عام 1991. تم وصفه بأنه مهندس اتفاقية أوسلو، إذ قاد مفاوضات هذه الاتفاقية، وفي نهاية المطاف وقع بنفسه عن الجانب الفلسطيني اتفاقية اوسلو بتاريخ 13 سبتمبر 1993. ثم وقع ما عرف باتفاقية أوسلو الثانية بعد عامين. أسفرت المفاوضات الأخيرة التي اجراها عباس بعيداً عن الأنظار مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يوسي بيلين في عام 1995 عن ما عُرف بوثيقة “أبو مازن – بيلين،” وكانت بمثابة مشروع اتفاق سلامٍ غير رسمي، وتضمنت بشكل أساسي تصورات لحل مشكلة مستقبل اللاجئين، والقدس والمستوطنات.

صعوده إلى السلطة

خلال عملية السور الواقي الإسرائيلية نهاية مارس ولغاية يوليو 2002، اقتحم الجيش الإسرائيلي مدن الضفة الغربية وحاصر مقر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. وعليه، تحت الضغوط الدولية تم استحداث منصب رئيس الوزراء، حيث احتل عباس منصب أول رئيس وزراءٍ في السلطة الفلسطينية في 19 مارس 2003، لكنه عاد وترك هذا المنصب بعد ستة أشهر، بسبب خلافاتٍ مع عرفات حول صلاحيات رئيس الوزراء.

بعد وفاة عرفات في 11 نوفمبر 2004، ورث محمود عباس قيادة حركة التحرير الوطني الفلسطينية (فتح)، ورئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وبعد حوالي شهرين من وفاة عرفات تم انتخاب محمود عباس لرئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية بتاريخ 9 يناير 2005، بنسبة 62% من مجموع الأصوات.

بعد تقلد عباس الرئاسة، التقى بعد شهرين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك ارئيل شارون في قمة شرم الشيخ في مصر من اجل التباحث في إنهاء العنف الإسرائيلي- الفلسطييني القائم، وتم الاتفاق على تعميق التعاون في التنسيق الأمني بين الطرفين. بيد أن الانتخابات التشريعية بتاريخ 25 يناير 2006 قلبت الموازين رأساً على عقب، فقد فازت حماس، المنافس الرئيسي لفتح، وعلى نحوٍ مفاجىء بأغلبية مقاعد البرلمان الفلسطيني. أدى هذا الانتصار إلى إعاقة جهود عباس لإعادة بدء عملية السلام، حيث أصرت إسرائيل على عدم تعاملها مع سلطةٍ تتضمن حماس التي تعتبرها منظمةً إرهابية. وبتاريخ 14 يوليو 2007، سيطرت حماس عسكرياً، بمساعدة جناحها العسكري، على قطاع غزة وتم التخلص من جميع مسؤولي حركة فتح هناك. أسفر الصراع عن حل حكومة الوحدة الوطنية وتقسيم الأراضي الفلسطينية بحكم الأمر الواقع إلى قسمين.

كما واجه عباس انتقاداتٍ حادة واسعة النطاق من الفلسطينيين لإدانته جميع أشكال المقاومة، لا سيما المقاومة المسلحة، كما أكد أكثر من مرة على اهتمامه البالغ بالتنسيق الأمني مع إسرائيل. وعلاوةً على ذلك، وفي ظل ضغوطٍ من الولايات المتحدة وإسرائيل طالب بسحب تقرير غولدستون لتقصي الحقائق المقدم للأمم المتحدة بشأن الصراع في غزة في الفترة ما بين 2008-2009. اتهم التقرير كلاً من إسرائيل والمسلحين الفلسطينيين على حد سواء بارتكاب جرائم حرب وايضاً شبهة جرائم ضد الإنسانية، إلا أنه لم يتوقع أي فلسطيني هذا الموقف السياسي المساند لإسرائيل من قِبل عباس.

من الأمور القليلة التي رفعت من شأن عباس داخل المجتمع الفلسطيني هو الحصول على عضوية “دولة مراقبة غير عضو” لفلسطين في الأمم المتحدة عام 2012، خلال تصويت الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وعليه بدأت السلطة الفلسطينية باستخدام شعار دولة فلسطين على الوثائق الحكومية، كما خول لها الانضمام الى عدد كبير من المؤسسات الدولية الأممية، ومنها المحكمة الجنائية الدولية.

الموقف السياسي للرئيس الفلسطيني لم يتغير أيضاً اثناء حرب 2012 وحرب عام 2014، حيث القى اللوم في أكثر من مرة على حماس وليس على إسرائيل. وعليه، فإن المحاولات الحثيثة من الجانب المصري لإنهاء الانقسام الداخلي بين فتح وحماس، باءت بالفشل لأن أبو مازن طالب باستسلام حماس وليس مفاوضة حماس في تسليم قطاع غزة للحكومة الفلسطينية برام الله.

بالإضافة الى سياسية الحصار الإسرائيلية ضد قطاع غزة، فرض أبو مازن مجموعة من العقوبات الإضافية على قطاع غزة منذ مارس 2017، حيث تم تقليص الرواتب للموظفين، وحتى المصاريف الجارية لكل من وزارة الصحة والتعليم.

وأيضاً من القرارات المثيرة للجدل التي اتخذها الرئيس عباس، هو القرار غير الدستوري بحل المجلس التشريعي الفلسطيني والدعوة لانتخابات جديدة خلال ستة شهور. تم حل السلطة التشريعية مما جعل عباس يتحكم بالسلطة التنفيذية والتشريعية وأيضاً القضائية، ولم يتم حتى الآن إصدار قرارٍ بإجراء انتخاباتٍ جديدة.

الإنقسامات داخل فتح

على الرغم من انه تم عقد المؤتمر العام لحركة فتح السادس عام 2009 لأول مرة على ارضٍ فلسطينية، إلا أن بوادر الانشقاقات بدأت تظهر للعيان منذ تلك الفترة. فقد أصدر عباس قراراً بتاريخ 12 يونيو 2011 بطرد محمد دحلان، رئيس جهاز الأمن الوقائي السابق في غزة، من اللجنة المركزية، وبعد ذلك تسارعت وتيرة طرد أعضاء من حركة فتح ممن ينتقدون سياسة أبو مازن أو يتضح ولائهم لدحلان. فقد جاء هذا الطرد في أعقاب نزاعٍ علني اتهم فيه عباس دحلان بالفساد والتشهير به. وعليه، قامت كل من مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة بعدةٍ محاولات لرأب الصدع، إلا أن عباس رفض التعاون.

شبهات فساد

بعد عامين، واجهت حكومة عباس شبهاتٍ بالفساد، فقد ذكرت عدة تقارير إعلامية فلسطينية وإسرائيلية بأن مكتب الرئيس يستنزف أموالاً ضخمة من الميزانية العامة السنوية، والتي بلغت حوالي 70 مليون دولار في العام أو ما نسبته 13% من الميزانية، بالإضافة إلى إنفاق ما يقارب 37 مليون دولار على مكتب المقاطعة في رام الله، بما في ذلك نفقات سفر الرئيس ومرافقيه.

كما تظهر الاحصائيات أن عباس أمضى أكثر من ثلث عام 2018 خارج الأراضي الفلسطينية، في ظل عدم تحقيق نتائج الأداء السياسي للسلطة. فقد أظهرت العديد من استطلاعات الرأي بان نسبة الثقة في عباس لا تتجاوز 20% على أحسن تقدير، كما طالب أكثر من ثلثين من المستطلعة آرائهم عباس بالاستقالة من منصبه.

على الرغم من تراجع شعبيته إلى حدٍ كبير، يصر عباس على مواصلة التفاوض كأداةٍ سياسية ودبلوماسية نشطة للضغط على الآخرين. ولأكثر من 14 عاماً، حافظ على التنسيق الأمني مع إسرائيل لأنه يعلم بأنه الطرف الأضعف في المعادلة، ويعلم أن نهج المقاومة المسلحة فشل في السابق وسيفشل في المستقبل، ولا يوجد امامه سوى أسلوب الحوار من اجل التوصل الى حلٍ سلمي.