وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

سان ليفان: بين الشهرة وإثارة الجدل

تعرض سان ليفان لنقد حاد بسبب علاقاته بالنشطاء الإسرائيليين ونشاطه السياسي الذي انتقده البعض باعتباره فارغًا وقاصرًا.

سان ليفان
Source: Instagram/SaintLevant

دانا حوراني

“بدي آخدك على باريس وأدلعك. بدي أروح على مرسيل واستمتع فيكي. بدي الشباب اللّي بتحكي مع حالهم بالـ DMs تبعونك يحكوا لكل صحابهم انهم يعرفوكي…”. بهذه الكلمات، عصف الفنان الفلسطيني الصّربي الفرنسي الجزائري سان ليفان بتطبيق تيك توك في نوفمبر 2022 عند إطلاقه أغنيته “أصدقاءٌ معدودون” Very Few Friends“”.

وبلغت مشاهدات هذه الثواني العشر المجتزأة من فيديو الأغنية أكثر من 12 مليون مشاهدة منذ إطلاقه في 18 نوفمبر 2022 حتى وقت كتابة هذا المقال. وظهر الفنان البالغ من العمر 22 عامًا في الفيديو جالسًا على كرسي ومرتديًا قميصًا داخليًا وسروالًا زيتيًا وحزامًا بنيًا ووراءَه خلفية بسيطة تقتصر على تلفاز ومزهرية، كما ارتدى سلسلة ذهبية من مسقط رأس أبيه في فلسطين.

وقد شاهد الآلاف فيديوهات ليفان على تطبيق تيك توك منذ بدأ مشاركة المقاطع المرحة واليوميات والمعلومات عن فلسطين عام 2021. لكن مشواره الموسيقي لم يبدأ إلا في أواخر عام 2022 عندما انتشرت أغنيته “أصدقاء معدودون” كالنار في الهشيم على منصات التواصل الاجتماعي.

ترى الباريستا اللبنانية ليا، 24 عامًا، الفنان جزءًا من الموجة الجديدة من الفنانين العرب الشباب.

وقالت لفنك: “إنّه جذاب، وموسيقاه إبداعية، وفيها الكثير من الثقافة الشامية الّتي أنتمي إليها. لا أعرف كثيرًا عنه، فهو ما زال فنانًا يافعًا، لكنّ أغنية (أصدقاء معدودون) جعلتني من جمهوره”.

والعناصر التي جذبت الناس إلى أغنية سان ليفان هي اللحن الإغرائي والإيقاع الهادئ والصّوت الرتيب ودمجه بين أكثر اللّغات انتشارًا في العالم العربية، العربية والإنجليزية والفرنسية. لكنّه تعرض لنقد حاد بسبب علاقاته بالنشطاء الإسرائيليين ونشاطه السياسي الذي انتقده البعض باعتباره فارغًا وقاصرًا.

من سان ليفان؟

وُلد مروان عبد الحميد في القدس لأم فرنسية جزائرية وأب فلسطيني صربي في أثناء الانتفاضة الثانية، وقضى سنوات نشأته في قطاع غزة إلى أن دفعت حرب غزة عام 2007 أسرته إلى الانتقال إلى الأردن.

وقضى عبد الحميد فترة طفولته في قطاع غزة في فندق بناه والده، ووصف هذه السنوات لموقع عرب نيوز بأنها الأفضل في حياته.

وقال عبد الحميد في المقابلة: “تمثّل مرحلة الطفولة عند الجميع معنى كبيرًا، وكانت طفولتي تجاورًا لعدة أشياء لأنّي أذكر صوت الطائرات وصوت العظام. لكن أكثر شيء أتذكره هو الدفء، ورائحة الطعام ومذاقه ومجرد الشعور العجيب بالأرض”.

وبعد انتقاله إلى الأردن في مراهقته، بدأ يشعر سان ليفان بأنه منبوذ.

فقد قال لموقع رولينغ ستون: “علّقت حلقًا في أذني وأنا في سن الخامسة عشرة وتعودت على طلاء أظافري، لكن لم أقصد أبدًا أن أستفز أحدًا”.

ويذكر الفنان في أغنيته “Tourist” شعوره بالغربة في الوطن. ومع ذلك، فقد قال إن غزة هي المكان الوحيد الذي يشعر فيه بالانتماء.

وقد بدأ مشواره الموسيقي انطلاقًا من ذكريات في فلسطين وارتباطه بها بأغاني: “Jerusalem freestyle” و “Haifa in Tesla” و”Nirvana in Gaza” و”1001 Nights”.

بناء قاعدة شعبية

قالت لين سعد، المراقبة الاجتماعية والمستمعة لموسيقى الراب، لفنك إنّها من جمهور سان ليفان منذ بداية مشواره عام 2021. وقد استمتعت تحديدًا بالأغاني التي عبّرت عن الإقامة في فلسطين والشام والتأثيرات النفسية والاجتماعية والسياسية نتيجة العيش في المنطقة.

وقالت سعد إن هذه كانت أول أغانيه، وأضافت: “من المحبط أن ينال شهرته بعد أغنية (‘Very Few Friends)، فهي لا تتجانس وأعماله السابقة”.

وقد انجذبت سعد في البداية إلى سان ليفان للتلميحات الثقافية في كلمات أغانيه ولأنها تعكس حياة الفلسطينيين، لا سيما في الشتات، كما انجذبت إلى ألحانه وإيقاعاته التي تعتبرها مختلفة عن غيره من الموسيقيين المستقلين.

كما أشادت بمبادرته عام 2022 لتغطية نفقات معيشة فنان فلسطيني شاب لمدّة عام.

وقالت سعد الّتي تعيش في لبنان عن عبد الحميد الذي يعيش في الغرب: “رغم عدم ارتباطه الكامل بنمط عيشنا في العالم العربي، أحب تشجيع الفنانين العرب الذين ينتجون موسيقى تعكس تجاربهم في المنطقة”.

وفي الوقت نفسه، تخشى سعد من أن تدفع الشهرة سان ليفان إلى التحول إلى الاتجاه التجاري السائد.

وقالت: “لن أكون من جماهيره إذا تحولت موسيقاه إلى مجرد أغانٍ عن النساء والجنس”.

جدل وإشكاليات

ترى الناشطة الأردنية الفلسطينية “ليفنتين” أن إثارة الجدل ليست أمرًا غريبًا على سان ليفان، فهو يتابع حسابي ناشطين إسرائيليين مشهورين هما عديئيل كوهين وهين مازيج.

وعديئيل كوهين ناشط حقوقي يهودي إسرائيلي يقيم في تل أبيب ومؤثر مدافع عن إسرائيل على إنستغرام وتيك توك ويسخر عبرهما من النشطاء الفلسطينيين ووسائل الإعلام، بالإضافة إلى كونه مدافعًا علنيًا عن الصّهيونية.

وقد صرّح في أحد مقاطع الفيديو بحق إسرائيل في ضرب غزة في أغسطس 2022 بعد قتال محتدم بين الفصائل الفلسطينية بقيادة حركة الجهاد الإسلامي والجيش الإسرائيلي نتج عنه مقتل 46 فلسطينيًا من بينهم 16 طفلًا، وإصابة 360 فلسطينيًا على الأقل من بينهم 151 طفلًا و58 امرأة و19 مسنًا.

أما هين مازيج، فهو كاتب إسرائيلي وضابط سابق في الجيش الإسرائيلي وناشط يعتبر هتاف “فلسطين حرة من النهر إلى البحر” “إبادة جماعية ضد شعبه وقتلًا له وعائلته”.

كما يُظهر منشور آخر لسان ليفان دفاعه عن “أنسنة الجانب الآخر”، وهو ما اعتبرته “ليفنتين” في تعليقها اصطفافًا إلى جانب الصهاينة الذي يرتكبون الجرائم بحق الفلسطينين منذ أكثر من 70 عامًا.

وفي محادثة خاصة سرّبتها “ليفنتين”، اعتبر سان ليفان “المصالحة السلمية” و”دولة القدس العلمانية” من الحلول الممكنة للصّراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وقد تواصل فنك مع سان ليفان للتعليق على هذا الأمر، لكننا لم نتلق ردًا منه.

النشاط السياسي المبكر

جاهر عبد الحميد في بداية ظهوره كمؤثر عامي 2020 و2021 بالحديث عن الفصل العنصري الإسرائيلي وقمع الفلسطينيين ومحو الهوية الفلسطينية وصعوبات الحياة في قطاع غزة.

كما أشار إلى التناقض في تغطية وسائل الإعلام الغربية الحرب الروسية على أوكرانيا، إذ رحبت بدفاع الجنود الأوكرانيين عن أرضهم، بينما نبذت الفلسطينيين.

وكان حساب عبد الحميد على تيك توك يوّعي المتابعين بالنضال الفلسطيني ونفاق الغرب للعرب قبل أن يشتهر في عام 2022.

النقد

ترى الناشطة التي تدير حساب “ليفنتين” على الإنستغرام، وطلبت إخفاء هويتها، أن موقف سان ليفان قاصر وله نتائج عكسية.

وأشارت على سبيل المثال إلى نقاشه مع الناشط المدافع عن إسرائيل، رودي روشمان، حيث عبّر فيه عن تقاربه معه “لاعترافه بمعاناة الفلسطينيين”.

وترى “ليفنتين”، 20 عاماً،  أنه يقدّم للنشطاء الإسرائيليين أكثر مما يقدّمه للفلسطينيين.

وقالت لفنك: “عندما يستخدم منصته بهذه الطريقة، فإنه يسلّط الضّوء على إسرائيل ويلغي أصوات الفلسطينيين على الأرض”.

كما أكّد الفنان على دور النشطاء من المثقفين والمشاهير مثل إدوارد سعيد وبيلا حديد، وهو ما تراه “ليفنتين” إغفالًا لقيمة المقاومة المسلحة ضد الاحتلال.

وأوضحت الناشطة : “يركز النشطاء المشهورون على الفنون والآداب لنشر القضية الفلسطينية، لكن لا يمكن لهذا وحده أن يحرر الأرض”.

وتعتقد “ليفنتين” التي اغتال الموساد عمها أنه على النشطاء الفلسطينيين أن يستخدموا منصاتهم لإظهار أصوات الفلسطينيين وقصصهم، والحديث الدائم ضد الانتهاكات الإسرائيلية.

وأضافت: “نادرًا ما يذكر سان ليفان ضحايا الإسرائيليين. ولا تحمل حججه وآراؤه العداء نفسه الذي تحمله آراء النشطاء الآخرين على الأرض، ولذلك أعتقد أنها تنقل وجهة نظر غربية، وأعتبرها أحد أشكال التطبيع مع العدو”.

وتابعت: “سوف أستمع إليه إذا شرح موقفه وتحدث عنه بالتفصيل، لكنّه الآن أقرب إلى كونه فنانًا رائجًا انتشر لقرب أغانيه من أفكار الشباب العربي”.