وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الكويت: أمير جديد بسياسة قديمة

أحمد عابدين

في 29 سبتمبر 2020، أعلن الديوان الأميري في الكويت وفاة الأمير صباح الأحمد الجابر المبارك الصباح، حاكم الكويت وأميرها الخامس عشر منذ تأسيس الإمارة عام 1613 والخامس منذ استقلالها عن المملكة المتحدة عام 1961، ليخلفه الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، الأخ غير الشقيق للأمير الراحل، والابن السادس لأمير الكويت العاشر الشيخ أحمد الجابر الصباح الذي حكم الكويت بين عامي 1921-1950.

بتتبع سيرة ومسيرة الأمير الجديد يمكن بسهولة التنبؤ باستمرار السياسة الكويتية داخليا وخارجياً على ما كانت عليه إبان حكم الأمير الراحل، حيث أن الشيخ نواف شغل منصب وليّ العهد خلال الخمسة عشر عاما الماضية، حيث تولى المنصب بعد أسبوع واحد من تولي أخيه الامارة عام 2006، كما كان هو الحاكم الفعلي طوال فترة الحكم الأخيرة في حياة الراحل بسبب مرضه، فضلاً عن تأديته مهام أمير البلاد طيلة الشهرين الأخيرين في حياته عقب سفره إلى الولايات المتحدة لتلقي العلاج.

وتنص المادة الرابعة من الدستور الكويتي والمادة الأولى من قانون توارث الإمارة على أن “الكويت إمارة وراثية في ذرية مبارك الصباح”، فيما تنص المادة الرابعة من قانون توارث الإمارة على “أنه إذا خلا منصب الأمير نودي بولي العهد أميرا.”

ويبلغ الأمير الجديد من العمر 83 عاماً، حيث ولد في 25 يونيو عام 1937 في فريج الشيوخ، والتي تُسمى حالياً مجمع المثني، بمدينة الكويت، ودرس في المدرسة المباركية، أول مدرسة نظامية في تاريخ

Sheikh Nawaf al-Ahmad Al-Sabah
الشيخ نواف الأحمد الصباح يقرأ بيانا بعد أدائه اليمين الدستورية في مجلس الأمة في مدينة الكويت ، في 30 سبتمبر 2020. Photo: Yasser Al-Zayyat / AFP

الكويت، وخلال حياته قبل الإمارة تقلد عدد من المناصب السياسية والوزارية بدأها بالعمل محافظا لحولي عام 1962 واستمر في هذا المنصب لمدة ستة عشر عاما ليشغل بعدها منصب وزير الداخلية عام 1978 ثم وزيراً للدفاع عام 1988، واستمر في المنصب حتى قيام نظام صدام حسين بغزو الإمارة في 2 أغسطس عام 1990.

وعقب تحرير الكويت بعد سبعة أشهر من احتلال نظام صدام حسين للإمارة وخروج قواته منها كنتيجة لحرب الخليج الثانية، شغل الشيخ نواف منصب وزير الشؤون الاجتماعية والعمل في تشكيل حكومي كويتي بعد التحرير، ثم أصبح نائبا لرئيس الحرس الوطني عام 1994، ثم عاد لمنصب وزير الداخلية مرة ثانية عام 2003 واستمر فيه حتى تمت تزكيته وليا للعهد في 29 يناير 2006 من قبل أخيه الأمير.

منذ اللحظات الأولى للأمير الجديد كان من الواضح التزامه بالتقاليد السياسية الكويتية التي سارت عليها الامارات داخليا وخارجياً منذ عقود، وخاصة خلال فترة حكم سلفه، حيث اختار الأمير الجديد أخاه غير الشقيق، الشيخ مشعل الأحمد الصباح ولياً للعهد، وهو البالغ من العمر ثمانين عاماً وكان يشغل منصب نائب رئيس الحرس الوطني بدرجة وزير منذ عام 2004، حيث ينص الدستور على أن يتم تعيين ولي العهد خلال سنة من تولية الأمير، ويكون تعيينه بأمر أميري ومبايعة مجلس الأمة في جلسة خاصة، وتتم المبايعة بموافقة أغلبية أعضاء المجلس.

والكويت وهي امارة اللؤلؤ، حيث اشتهر أهلها من أبناء قبائل العتوب بامتهان الغوص واستخراج اللؤلؤ منذ القرن السابع عشر، وحديثاً تعتبر واحدة من أغنى دول العالم ويحتل سكانها المرتبة السابعة في قائمة أعلى متوسط دخل للفرد في العالم بفضل القدرات النفطية الضخمة حيث تحتل المرتبة العاشرة في قائمة أكثر دول العالم انتاجاً للنفط بقدرات تقارب الثلاثة ملايين برميل يومياً وعدد سكان صغير يقارب المليون ونصف نسمة وضعفهم تقريباً من الوافدين والمقيمين والأجانب.

ويأتي تولي الأمير الجديد وسط أوضاع داخلية وخارجية غير مستقرة، فداخلياً تستعد البلاد لانتخابات برلمانية خلال شهر ديسمبر 2020، حيث ستنتهي ولاية المجلس الحالي الذي بإتمامه دورة الانعقاد الحالية يكون هو الأول الذي يُكمل فترته الدستورية دون حل منذ انتخابات عام 1999، بالإضافة إلى انخفاض أسعار النفط العالمية التي أثرت تأثيراً شديداً على اقتصاديات الدول النفطية بسبب اجتياح وباء كورونا المستجد كوفيد-19.

وخارجياً، يأتي تولي الأمير وسط الإضرابات الإقليمية والدولية الكبيرة، فخليجياً لا تزال الأزمة الخليجية ممتدة منذ أكثر من ثلاثة أعوام، والتي تكاد تعصف بمجلس التعاون الخليجي، أحد أهم وأغنى التكتلات السياسية والاقتصادية في العالم، وكانت الكويت وعُمان قد وقفتا على الحياد في المقاطعة والحصار الذي فرضته السعودية والامارات والبحرين على قطر متخذتا دور الوسيط، كما أن الكويت لم تلحق بقطار التطبيع مع إسرائيل الذي بدأته الامارات ولحقت بها البحرين مؤخراً، حيث أكدت على تمسكها بموقفها الحالي من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وقد حكم الموقع الجغرافي للكويت عليها تحدياً كبيراً، حيث تقع بين الخصمين اللدودين السعودية وإيران، وهو ما فرض عليها سياسة خارجية متزنة وغير منحازة في الصراع الشديد بين الدولتين، بجانب تمتعها بعلاقات شديدة القرب من الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما اتضح في سياسة الأمير الجديد منذ اللحظة الأولى، فرغم قربه الشديد من النظامين السعودي والأمريكي إلا أن ذلك لم يمنعه من استقبال وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، بعد ساعات قليلة من أداءه اليمين الدستورية أميراً للبلاد.