لطالما كان الشيخ سلمان العودة من الشخصيات البارزة، ولكن المختلفة، في المملكة العربية السعودية منذ عقود. يصفه منتقدوه بأنه ذئبٌ في ثياب حمل، في حين يُشيد به مؤيديه كصوتٍ معتدل في المملكة المحافظة.
حتى وإن اعتقد المرء ذلك، فإن العودة لم يكن دوماً من المعتدلين، إذ كان ينتمي في أوائل التسعينات إلى حركة الصحوة، وهي حركة مستوحاة من جماعة الإخوان المسلمين. فقد جذبت محاضراته المؤثرة وحضّه على الجهاد انتباه زعيم تنظيم القاعدة الشهير أسامة بن لادن، الذي أشاد بالعودة “لتوعيته” الشباب المسلم.
وبالرغم من الإشادة به من قِبل المطرفين، إلا أن أتباع العودة يقولون أنه لم يؤيد العنف علناً قط. ومع ذلك، كان ناقداً سياسياً صريحاً، كحال الكثير من أقرانه في حركة الصحوة. ففي عام 1991، انتقدت الحركة الأسرة الحاكمة لسماحها بدخول قواتٍ أمريكية إلى أراضي المملكة لصد تقدم القوات العراقية.
تصاعدت التوترات مع استمرار حركة الصحوة في الضغط على الملك فهد لتبني إصلاحاتٍ سياسية. وبينما زعم قادة الصحوة أنهم يمثلون صوت الشعب الحقيقي، ظلت الحركة موالية للدولة. ومع ذلك، كان نشاط الحركة ينتهك العلاقة التقليدية بين المؤسسة الدينية والنخبة الحاكمة. فلطالما كانت المؤسسة الدينية، وعلى مر التاريخ، متهمةً بالسيطرة على الثقافة والشؤون الدينية في البلاد، بينما كانت النخبة الحاكمة تتمتع باحتكارٍ كامل للسياسة.
وفي ظل التهديد الذي شعرت به الدولة بسبب الطموحات السياسية للصحوة، سجنت المملكة العودة وغيره من الشخصيات البارزة في عام 1994. وعندما أطلق سراح العودة في عام 1999، بدا وكأنه رجلٌ آخر.
فقد قال ابنه عبد الله العودة أن والده قرأ العديد من كتب مفكري حركة النهضة في السجن. وكما يقول عبد الله، كان لهذه النصوص تأثير كبير على تطور والده كمفكرٍ وشيخ.
ففي مكالمةٍ لنا عبر الهاتف مع عبد الله، قال لنا في فَنَك، “كان يسعى دوماً والدي إلى تطوير نفسه.”
وأضاف “في السجن، كان يقرأ كل ما تصل له يداه. فقد جعلته الكثير من الآراء التي استوعبها هناك أكثر اعتدالاً فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية.”
لربما كان هذا واقع الحال، إلا أن الدكتور سعد الفقيه، وهو معارض سعودي بارز ومدير حركة الإصلاح الإسلامية، أشار إلى أن العودة لربما أراد أن يصبح شخصاً مشهوراً أكثر من كونه شيخاً بعد أن غادر السجن.وقال الفقيه: “كان العودة صادقاً في صورته الإعلامية، إلا أن مستشاريه أخبروه أنه بحاجة إلى أن يصبح أكثر ليبرالية للوصول إلى جمهورٍ أوسع.”
أياً كانت دوافعه، فقد أصبح خطاب العودة أقل طائفية بشكلٍ ملحوظ. كما دعا إلى فرض قيودٍ أقل على النساء مقارنةً بنظرائه المتشددين من رجال الدين المدعومين من الدولة. ومع التغيير الذي طرأ على آرائه، ازداد أتباعه بشكلٍ كبير، إلى الحد الذي دفع بالدولة إلى الإنضمام إلى الركب برفقته لمواجهة الخطر المتنامي للتطرف الديني. وقال الفقيه في هذا الصدد إن شروط الإتفاق كانت واضحة: يستطيع العودة قول أي شيء يريده ولكن دون تقويض الأسرة الحاكمة.
ولكن من المفارقات، كما يقول الفقيه، أن حملة النظام على الصحوة وغيرها من الحركات السياسية ما دفع بالعديد من الشباب، في المقام الأول، نحو التطرف. ومع ذلك، اتخذ العودة موقفاً معادياً صريحاً للجهاد العالمي. بل إنه صدم العالم الإسلامي في عام 2007 عندما نشر رسالة إلى بن لادن في ذكرى أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
التي جاء فيها: “أخي أسامة، كم من الدماء أريقت وكم من الأبرياء والشيوخ والأطفال قتلوا وشرّدوا تحت اسم القاعدة؟ أيسرك أن تلقى الله وأنت تحمل عبء هؤلاء على ظهرك؟”
وبعد عشر سنوات، رأى ولي العهد الجديد، محمد بن سلمان، في الشيخ الطاعن بالسن تهديداً أكثر من كونه عوناً له في الحكم. وفي 9 سبتمبر 2017، أمر محمد بن سلمان باعتقال العودة لنشره تغريدةً قال فيها: “اللهم ألّف بين قلوبهم لما فيه خير لشعوبهم،” في دعوةٍ صريحةٍ منه للمصالحة ما بين المملكة العربية السعودية وقطر، التي دخلت في خلافٍ مع قطر بسبب دعم الأخيرة المزعوم للإرهاب منذ أكثر من عام.
وكما يقول عبد الله العودة، “لا توجد مشكلةٌ لآل سعود مع والدي، بل إن محمد بن سلمان ووالده من يلاحقانه.” وأضاف “يمتلك والدي صفتين لا يتمتع بهما أي من الرجلين، إذ يمتلك شرعيةً دينية وخطابه ديمقراطي، الأمر الذي يتعارض مع طموحات محمد بن سلمان.”
وبعد مرور عامٍ على اعتقاله، وجهت للعودة 37 تهمة، بما فيهم نشر الفتنة والتحريض على الحكم. ويقول عبد الله أن والده لا يزال يقبع في السجن، ويمنع من الحصول على أي كتابٍ سوى القرآن الكريم. ومن الجدير بالذكر أيضاً أن المحاكم السعودية تسعى لإعدامه تعزيراً.
في حين قال يحيى العسيري، الناشط الحقوقي السعودي ورئيس منظمة القسط لحقوق الانسان ومقرها لندن، والتي تراقب انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية، أن العودة لم ينتقد المملكة جهراً. بل يُثبت إعتقاله واحتمال الحكم عليه بالإعدام أن محمد بن سلمان يحاول إسكات أي شخصٍ يروج لوجهات نظرٍ مختلفة. وتماماً كما حصل في عام 1994، يهدد حبس المعارضين بدفع غيرهم من المعارضين إلى اللجوء للعنف باسم الجهاد.
وقال العسيري لميدل إيست آي: “بإعلان مثل هذه الأحكام، تسعى السلطات السعودية إلى إسكات الجميع، أو إجبار الناس على اللجوء إلى وسائل غير سلمية للمعارضة”.
وأضاف الفقيه أنه لم يفاجأ بأن المحاكم المدعومة من الدولة تحاول قتل العودة. وكما يقول، يعتقد محمد بن سلمان بأنه يجب تطهير الشرق الأوسط من جماعة الإخوان المسلمين، ولهذا السبب يحاول إعدام قادة وعلماء الإسلام السياسي. ويبدو أن العودة على رأس قائمة الإعدامات هذه.
بينما يُشير عبد الله إلى أن التناقض يكمن في أن محمد بن سلمان يُقدم نفسه كمصلحٍ بينما يزج برجال الدين المعتدلين ونشطاء حقوق الإنسان خلف القضبان. بل الأسوأ من ذلك أن ولي العهد يشجع المتطرفين المتدينيين في المؤسسة الدينية المدعومة من الدولة، الذين يُكفر بعضهم، على سبيل المثال، جميع المسلمين من الشيعة. وعلى عكس سلمان العودة، يخضع رجال الدين هؤلاء لمحمد بن سلمان.
وكما يقول عبد الله، “يخشى ولي العهد المعتدلين كوالدي أكثر من خوفه من الجهاديين.” ويُضيف “يرجع السبب في ذلك إلى المعتدلين ينادون بالديمقراطية.”