يعتبر الباحث والجدليّ والروائي المصري، المثير للجدل، يوسف زيدان (1958)، أحد أكثر المفكرين غزيري الإنتاج من بين جيله. فقد ألف حوالي 60 كتاباً، تغطي غالبيتها الفلسفة الإسلامية والمخطوطات العربية. يركز معظم عمله الأكاديمي على تحرير وفهرسة ونشر مخطوطات العصور الوسطى، وهي مهمة وصفها في إحدى المرات بالأصعب والأقل مجداً.
في الواقع، لم تكن الأبحاث التاريخية ما سلطت عليه أضواء الشهرة. ففي عام 2009، حصل على الجائزة العالمية للرواية العربية (المعروفة باسم البوكر) عن روايته الثانية عزازيل، التي ترجمت إلى الانجليزية والعديد من اللغات الأخرى.
وتعتبر الرواية عملاً خيالياً فريداً من نوعه بسبب أسلوب السرد وإطارها العام. فقد برهن زيدان في الرواية معرفةً عميقة بتاريخ وعقيدة المسيحية الأولى، وهو أمرٌ نادر لروائي مسلم.
تدور أحداث الرواية في القرن الخامس في مصر، وتصوّر الصراع الثلاثي بين المسيحية الأولى وغيرها من المعتقدات غير السماوية، والصراع المذهبي الداخلي بين أبناء الكنيسة نفسها، الذي تركز حول طبيعة المسيح، من جهةٍ أخرى. كما أن الرواية أيضاً مجازٌ عن الصراع بين الخير والشر- سواء في الشخصية الرئيسية (الراهب هيبا) أو في المجتمع ككل- مقدمة للقارىء مثالاً محزناً عن الصلة بين التعصب الديني والعنف، وهو موضوعٌ يعود إليه في أعماله الجدلية اللاحقة.
ولد زيدان في صعيد مصر، في مدينة سوهاج، لينتقل عندما كان طفلاً إلى الاسكندرية، ثاني أكبر مدينة في مصر. ارتاد المدرسة والجامعة هناك، حيث حصل على درجة الدكتوراة في الفلسفة الإسلامية عام 1989.
وفي الاسكندرية أيضاً سعى لتحقيق واحدٍ من أهم إنجازاته كباحثٍ في التراث الإسلامي. ففي عام 1994، أسس مركزاً للمخطوطات في مكتبة الإسكندرية المرموقة. وقد تم عزله كرئيسٍ للمركز في عام 2012 بعد خلافٍ علنيّ حاد مع المدير العام للمكتبة.
قضى زيدان الكثير من حياته الأكاديمية بالتركيز على كبار المفكرين الصوفيين أمثال ابن عربي وعبد الكريم الجيلي، ويُقال أنه سعى إلى التعرف على العناصر الإسلامية العربية البحتة في فلسفتها التي لم تتأثر بأفكار الحضارة الهلنستية.
وباعتباره باحثاً في المخطوطات العربية من العصور الوسطى، قدم مئات الوثائق التوضيحية. وتعتبر أهم اسهاماته تلك المخصصة للمجموعة الضخمة من المخطوطات التي تركها الطبيب السوري ابن النفيس. فقد قام زيدان بتحرير ونشر الموسوعة الطبية الضخمة لابن النفيس، والمكونة من 30 مجلداً والتي تعرف باسم الشامل في الصناعة الطبية.
ومنذ فوزه بجائزة البوكر عام 2009، أصبح زيدان عنصراً ثابتاً منتظماً في البرامج الحوارية المصرية، حيث استخدم منبر الشهرة الجديد لتفسير وجهات نظره المثيرة للجدل حول التراث الإسلامي والتاريخ العربي، الأمر الذي أكسبه، كما هو متوقع، بعض الأعداء.
فقد برز كأحد أكثر منتقدي التطرف الديني والتدهور الثقافي صراحةً في مصر. وعلى صفحته على الفيسبوك، بجانب صورته الشخصية، كتب الكلمات التالية: “تحرير العقول، أشق المهام.”
بهذه الكلمات يختزل زيدان هدفه كمفكر تقدمي يواجه واحداً من أصعب التحديات التي تعاني منها الثقافة العربية الإسلامية: تشجيع التفكير المستقل بعيداً عن أغلال التقاليد.
وفي سلسلةٍ من المقالات التي نشرت مؤخراً في صحيفة المصري اليوم المصرية، سعى إلى تشخيص أسباب تراجع مصر وفشلها في الوفاء بوعدها باعتبارها حاملة رسالة التقدم والحداثة في العالم العربي. وتتمثل هذه الأسباب، كما يعتقد، بالهجرة وما ينتج عنها من هجرة للعقول، وانتشار التدين الظاهري، والاستبداد الذي يعوق الإبداع والتفكير النقدي.
ومن الأمثلة على جُرأته الفكرية تقويضه العلني لأحد أهم المعتقدات المتجذرة لدى المسلمين: قصة إسراء النبي محمد عليه السلام على ظهر دابةٍ مجنحة إلى المسجد الأقصى في القدس وعروجه إلى السماء السابعة ليعود بعدها إلى مكة المكرمة في الجزيرة العربية في ليلةٍ واحدة. وباستخدام أدلةٍ لغوية وتاريخية من التراث الإسلامي نفسه، خلُص إلى أن الراوية مشكوكٌ في صحتها وأنها أضيفت بعد وقتٍ طويلٍ من نزول الوحي لأسباب سياسية.
وبالنظر إلى مركزية هذا السرد الديني للفلسطينيين (والعالم الإسلامي بمجمله) وادعائه حول القدس، يمكن للمرء أن يدرك لماذا أثارت وجهات النظر هذه غضب الكثير من علماء الدين والقوميين العرب. ومع ذلك، سرعان ما أشار زيدان إلى أن إدعاء الفلسطينيين ينبغي ألا يستند إلى بيّنة دينية بل إلى بيّنة تاريخية بكونهم السكان الأصليين للبلاد قبل قرونٍ من وصول طلائع الصهيونية. وعليه، تصفه وسائل التواصل الاجماعي بالعميل الصهيوني.
يعتبر صوت زيدان واحداً من بين الأصوات المتنامية في مصر التي تدعو إلى التغيير الثقافي؛ تغييرٌ لا يمكن أن يحصل إلا إذا ما بدأ المصرييون بالتفكير العقلاني في معتقداتهم المتجذرة، سيما الدينية. هذه الأصوات لا تزال تشكل أقلية، مما يجعل حدوث مثل هذا التغيير أمراً صعباً.