وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

بعد عشر سنواتٍ من الثورة التونسية: شبابٌ يحدوه الأمل

الثورة التونسية
تونسي يرفع علامة النصر بينما يحرق شبان الإطارات ويغلقون الطرق في مدينة تطاوين الجنوبية، في 12 فبراير 2021، احتجاجاً على تقاعس الحكومة عن الوفاء بوعدها بتوفير الوظائف والاستثمارات. Photo: FATHI NASRI / AFP

إيهاب الجمل

بالنسبة للعديد من التونسيين، قد يبدو البحث عن الأمل بعد عشر سنواتٍ على الثورة مهمةً صعبة، بيد أنه في الأشهر القليلة الماضية، ساد شعورٌ لدى الشباب: “نحن نتعرض للهجوم.” فالحقائق لا يمكن إنكارها: أكثر من ألف اعتقالٍ بسبب الاحتجاجات، وأحكامٌ قاسية غير مسبوقة لتعاطي الحشيش، واعتقالاتٌ لكونك مختلف، أو حتى بسبب التعبير عن رأيك داخل شقةٍ لأحد الأصدقاء. والأسوأ من ذلك، فقد الشباب حياتهم داخل السجون أو بالعمل في المستشفيات أو حتى المشي في الشوارع.

ومع ذلك، في خضم هذا اليأس، يحاول الشباب البحث عن بصيص أملٍ في بلدٍ كانت ثورته الثورة الوحيدة في المنطقة التي ولّدت ديمقراطيةً مَعيبة.

مشاركة الشباب

لا أمل إذا استسلم الشباب، وبالتأكيد لم يفعل الشباب التونسي ذلك. واليوم، وأكثر من أي وقتٍ مضى، يبدو أنهم منخرطون أكثر فأكثر في السياسة. فعندما فاز الأستاذ الجامعي قيس سعيّد بالانتخابات الرئاسية في عام 2019، وصفها الكثيرون بـ”انتفاضة الناخبين الشباب،” وبالفعل نجح في حشد 90% من أصوات الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاماً في الجولة الرئاسية الثانية. والأهم من ذلك أن الشباب خرجوا للتصويت بأعداد غير مسبوقة.

وبعد الانتخابات، نظموا أنفسهم في جميع أنحاء البلاد في مبادراتٍ مدنية تحت شعار “حالة وعي” تهدف إلى تنظيف وتزيين المدن للاعتراف بهذا المستقبل الجديد النابض بالحيوية.

شعر الشباب أن صوتهم مسموع، واحتفلوا بذلك، بل باتوا يؤمنون أن المستقبل ملك أيديهم وأن الطريق السليم للمضي قُدماً هو طريقٌ يمثلهم. ولا يبدو أن التونسيين، بشكلٍ عام، يخالفونهم الرأي، ذلك أن 69% منهم يعتقدون أن انتخاب الشباب في سن 35 أو أصغر في الحكومة سيفيد البلاد.

وما يزال الشباب يحدوه الأمل من أجل هذا الجيل الملتزم.

حرية التعبير

يجادل الكثيرون بأن حرية التعبير هي بلا شك أعظم إنجازٍ بعد الثورة، إذ يعبر التونسيون عن آرائهم سواء كان ذلك في الشوارع أو على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن هذا لم يمر مرور الكرام. ففي أكتوبر 2020، تم استدعاء ما لا يقل عن خمسة نشطاء للتحقيق في انتقادهم قوات الأمن عبر الإنترنت في سياق حملة ضد مشروع قانون يفرض الإفلات من العقاب. كما لوحظت حوادث أخرى تتعلق بشكل رئيسي بانتقاد قوى النظام، الذين يستخدمون مواد قانونية تعود إلى نظام بن علي مثل المادة 86 من قانون الاتصالات، والتي تفرض عقوبة السجن لمدة تصل إلى عامين على” كل من يتعمد الإساءة إلى الغير أو إزعاج راحتهم عبر الشبكات العمومية للاتصالات.”

وفي نبرةٍ أكثر تفاؤلاً، لا يبدو أن هذه الانتكاسات تمنع التونسيين من استخدام أي منصةٍ لانتقاد الوضع الحالي، حيث تحدث الاحتجاجات على أساس أسبوعي تقريباً في جميع أنحاء البلاد.

كسر المحرمات

كانت مناقشة إلغاء تجريم تعاطي وتجارة الحشيش، والدعوة علناً لإلغاء المادة 52 وسط واحدٍ من أهم شوارع البلاد، أو حتى محاولة الترشح للرئاسة من منطلقٍ وحيد يتمحور حول تقنين الحشيش، أمراً لا يمكن حتى تصوره قبل بضع سنوات. واليوم، بات موضوع تقنين الحشيش موضوعاً يكثر طرحه على منصات وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي. من نواحٍ عديدة، أدى ذلك إلى تشكيل الرأي العام الذي يبدو أنه يرفض الأحكام القاسية ويميل أكثر فأكثر نحو الأحكام التي لا تتضمن الحبس.

لا يتمحور الأمر حول الحشيش فحسب، إذ لم يعد التونسيون يخشون كسر المحرمات، حتى عندما كانت هذه المحظورات تحكمها قيودٌ مجتمعية وقانونية منذ فترةٍ طويلة. مثالٌ رئيسي على ذلك هو مجتمع المثليين، إذ تعيش الأقليات الجنسية في الظل لسنوات، ويتم إسكاتها بسبب الضغط المجتمعي، وثقافة العار، والقوانين الاستعمارية التي قد تؤدي إلى الحكم عليهم بالسجن لمدة تصل إلى 3 سنوات. ومع ذلك، في السنوات القليلة الماضية، أصبحت أصواتهم أعلى، وأصبحت البلاد محوراً لحقوق المثليين في المنطقة. فقد تقدمت منظماتٌ غير حكومية مختلفة بطلبٍ للحصول على تصاريح من وزارة الداخلية وحصلت عليها، إذ تعمل منظماتٌ مثل “شمس” و”موجودين” و”شوف” و”دمج،” من بين آخرين، منذ سنواتٍ حتى الآن لمواجهة رهاب المثلية في المجتمع وتقديم الدعم لمجتمع المثليين. ومع ذلك، لم يكن هذا الجهد بعيداً عن عامة الناس، ففي عام 2018، نظمت موجودين أول مهرجان للأفلام الكويرية في البلاد، والذي استمر في دورته الثانية في العام التالي. وفي عام 2019، شهدت البلاد ظهور أول مرشحٍ مثلي الجنس بشكلٍ علني للانتخابات الرئاسية، وفي عام 2020، لم يعد من قبيل الصدفة رؤية علم قوس قزح يرفرف أثناء الاحتجاجات، أو حتى طرح حقوق المثليين في المناقشات السياسية، أو أن يكون هناك نشطاء يُعرفون بأنهم مثليين، حتى وإن دفعوا في بعض الأحيان ثمناً باهظاً مقابل ذلك.

الفساد

في أحدث استطلاعٍ لمركز سينتر أوف إنسايتس، يعتقد 69% من التونسيين أن الفساد له تأثيرٌ سيء على حياتهم، إذ حددوا الشرطة والمستشفيات والإدارة العامة على أنها أكثر الكيانات فساداً. وعلى الرغم من أن الكثيرين يعتقدون أن مسؤولية السياسيين تقع على عاتقهم، فإن 59% يعتقدون أن هذه مسؤولية المواطنين بدرجة كبيرة جداً.

في الواقع، كان المواطنون والمنظمات غير الحكومية يتولون الجزء الأكبر من العمل عندما يتعلق الأمر بكشف الفساد. ففي أغسطس 2020، تسببت مزاعم اتهاماتٍ بالفساد لرئيس الوزراء آنذاك، إلياس الفخفاخ، في توتراتٍ سياسية استمرت أسابيع وانتهت باستقالة رئيس الوزراء في سبتمبر. وفي ديسمبر 2020، كان إبلاغ أحد الأشخاص عن وصول آلاف الأطنان من النفايات القادمة من إيطاليا السبب في الكشف عن حلقة فسادٍ داخل وزارة الشؤون المحلية والبيئة، حيث توّج التحقيق بإقالة الوزير ثم اعتقاله.

وبعد بضعة أسابيع، عندما أعلن رئيس الوزراء هشام المشيشي عن تعديلٍ وزاري، كشفت العديد من المنظمات غير الحكومية، وخاصة منظمة “أنا يقظ،” أن بعض الأسماء التي تم الإعلان عنها مشتبه بها بالفساد، بمن فيهم وزير الصحة الذي ظهر على صلة بجماعات الضغط من أكبر مُصنّعي الأدوية. وعليه، دار جدلٌ كبير حول البلاد، لكن ذلك لم يمنع البرلمان التونسي من منح الثقة للحكومة، وبالرغم من ذلك، وفي خطوةٍ غير مسبوقة ومفاجئة، أعلن الرئيس قيس سعيّد أنه لن يسمح لهؤلاء “الوزراء الفاسدين” بأداء القسم، وبالتالي، تولي مناصبهم. فمن جهة، خلق ذلك أزمة دستورية فعلية بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وتعطيلاً مستمراً حتى يومنا هذا. ولكن من ناحيةٍ أخرى، سلط ذلك الضوء أيضاً على أن الحرب ضد الفساد بعد عشر سنوات من الثورة هي معركة ما يزال المواطنون والمنظمات غير الحكومية وحتى الرئيس يقودونها بفعالية.

الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الحالي محبطٌ إلى حدٍ ما، وللمضي قدماً، يتقبل التونسيون الخيبة تلو الأخرى إلا أن الأمل ما يزال سيد الموقف. وكما كتب الشاعر الوطني التونسي أبو القاسم الشابي:

إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ        فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر

وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي             وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر

واليوم، من المؤكد أن الشباب التونسي ما زال يتوق للحياة.