وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

آمال اللاجئين الأفارقة في مصر تتلاشى

Afrcan-refugees-in-egypt
ضباط مصريين يجبرون سودانيين على الاصطفاف في مركز شرطة رشيد في مصر، بعد عملية إنقاذ لناجين بعد إنقلاب قاربهم أثناء توجههم إلى أوروبا، 21 سبتمبر 2016. Photo AP

في أعقاب صفقات الهجرة مع تركيا عام 2016 وليبيا عام 2017، تقع مصر تالياً على لائحة دول البحر المتوسط التي يسعى الإتحاد الأوروبي إلى التعاون معها على صعيد الحدّ من الهجرة غير الشرعية. وحالياً، العمل جارٍ على قدمٍ وساق على هذه اللعبة السياسية، التي تحاول مصر من خلالها تعظيم مكاسبها من هذه الصفقة.

فقد قال مسؤولون في بروكسل لرويترز في فبراير2017 أن الاتحاد الاوروبي سيُسهل إجراءات التأشيرات لمصر فضلاً عن المساعدات المالية، مقابل “ترحيل المهاجرين الأفارقة غير المرغوب بهم.”

ففي وقتٍ سابقٍ هذا الشهر، رفضت مصر عرضاً آخر من الاتحاد الأوروبي لتمويل مخيمات المهاجرين غير الشرعيين في البلاد، مشيرةً إلى أنه ينبغي على الإتحاد الأوروبي بدلاً من ذلك الاستثمار في خلق فرص عملٍ في منطقة جنوب البحر الأبيض المتوسط.

فالعديد من الدول الأوروبية، بما في ذلك ألمانيا وإيطاليا، لديها بالفعل اتفاقيات ثنائية مع مصر للحد من الهجرة غير الشرعية، التي تأخذ على سبيل المثال شكل تدريبات. كما حذت المملكة المتحدة حذوهما في فبراير، مُقدمةً 33 مليون جنيه مصري (أي حوالي 178 ألف يورو) لـ”مكافحة الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر وخلق الفرص للأشخاص الذين هم عُرضة ليصبحوا ضحايا هذه الجرائم.”

ففي أكتوبر 2016، أقرّ البرلمان المصري مشروع قانونٍ جديد لمكافحة الهجرة غير الشرعية، مشدداً العقوبات على المتاجرين بالبشر، ومشكلاً لجنةً لأغراض التدريب.

ومقارنةً بليبيا وتركيا، يُعتبر عدد اللاجئين في مصر ضئيل. ووفقاً لآخر الأرقام الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يوجد أكثر من 190 ألف من طالبي اللجوء واللاجئين المسجلين في القاهرة، منهم 115 ألف سوري و57 ألف من شرق إفريقيا (خاصة جنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا والصومال).

وقد يكون العدد الفعلي للاجئين في مصر أعلى من الأرقام الرسمية، فليس جميع اللاجئين مسجلين. ومع ذلك، يبدو رقم الـ5 ملايين من “اللاجئين والمهاجرين،” الذين تستضيفهم مصر، وفقاً لوزارة خارجيتها، مبالغاً به بشكلٍ كبير، ويهدف في المقام الأول إلى الضغط على الاتحاد الأوروبي للتفاوض على الاتفاق. فعلى سبيل المثال، يتضمن هذا العدد الكبير المهاجرين السودانيين الذين كانوا في مصر منذ أجيال وليسوا من طالبي اللجوء.

فقد أخبرتنا إحدى العاملات في مجال الإغاثة في القاهرة، التي تحدثت إلى Fanack شريطة عدم الكشف عن هويتها، أنّ المهاجرين الذين يتطلعون إلى الوصول إلى أوروبا عبر القوارب يأتي غالبيتهم من أفريقيا. فاللاجئون السوريون الذين أرادوا مغادرة مصر، فعلوا ذلك في الغالب، وأما من بقوا فلا يرغبون في الهجرة إلى أي مكانٍ آخر. وبالإضافة إلى ذلك، تُسهم العوامل الاقتصادية في ارتفاع عدد الوافدين غير الشرعيين عبر البحر للمهاجرين المصريين.

وأضافت عاملة الإغاثة أنّ الرغبة في مواصلة الهجرة غير الشرعية مرتفع، خصوصاً بين اللاجئين الذين وصلوا حديثاً من البلدان الأفريقية، نتيجة الأوضاع المزرية التي يواجهها اللاجئون في مصر والعملية الطويلة التي يستغرقها التوطين القانوني من خلال المفوضية. وتابعت قولها بأن “اللاجئين الأفارقة لا يستطيعون دخول النظام التعليمي، كما أن العمل بشكلٍ قانوني أمرٌ مستحيل.” وعلاوة على ذلك، هناك “مخاوف أمنية كبيرة،” في الوقت الذي يواجه فيه الأفارقة “تحرشاً يومياً، وعنصرية، والعنف القائم على نوع الجنس،” من المجتمع المحلي.

إن الإحباط من إجراءات إعادة التوطين تنبع من عملية “التأخير الكبيرة،” التي تشوب تحديد وضع اللاجىء المهاجر، وفقاً لعاملة الإغاثة. كما سيضطر الوافدون الجدد إلى الإنتظار حتى عام 2018 أو أوائل 2019 لإجراء أول مقابلةٍ لهم مع المفوضية، وإذا ما تم الاعتراف بهم كلاجئين، سيستغرق الأمر عاماً ونصف العام على الأقل لإعادة توطينهم.

وعلى صعيدٍ آخر، ومع وجود دونالد ترمب في البيت الأبيض، نمى أيضاً الميل لإيجاد طرقٍ بديلة للهجرة. فالولايات المتحدة الأمريكية تُمثل حصة الأسد من إعادة التوطين في جميع أنحاء العالم، إلا أنها في هذا العام خفضّت العدد الإجمالي لأماكن إعادة التوطين السنوية إلى النصف، أي إلى حوالي 50 ألف. ونتيجةً لذلك، تم تأجيل عملية تطوير إعادة التوطين، إذ أن معظم أماكن إعادة التوطين المخصصة لعامي 2017 و2018 قد امتلأت بالفعل، مما حدّ من بصيص الأمل الذي امتلكه اللاجئون لمغادرة مصر عبر القنوات القانونية.

ووفقاً لعاملة الإغاثة، دفع تنامي الشكوك بالعديد من اللاجئين الأفارقة في القاهرة إلى التخطيط للهجرة عن طريق القوارب بمجرد أن يبدأ الموسم في ابريل. وعليه، تُشير جهود الإتحاد الأوروبي إبرام صفقةٍ مع مصر إلى زيادةٍ متوقعة في محاولات الهجرة، سيما أنّ الإتفاق مع ليبيا سجعل من الهجرة عبر هذا البلد أكثر صعوبة.

إنّ مثل هذا الإتفاق قد يقلص أعداد المغادرين عبر القوارب، ومن المرجح أن يزيد من الاعتقالات في صفوف المهاجرين والمهربين على طول الساحل المصري. ولكن كما تقول عاملة الإغاثة، فإنّ هذا لن يردع المهاجرين الأفارقة من محاولة الوصول إلى أوروبا. فقد أوضحت، “لا يملك الناس صورةً مثالية عن أوروبا، فهم يهاجرون لأنّ الأوضاع في ديارهم، أو في مصر، لا توفر لهم الوسائل لحياةٍ آمنة وكريمة.” وتُضيف “سيقول لك أي شخصٍ تتحدث إليه: لا يهم إن كنت سأموت هنا أو في البحر، إلا أني أفضل الموت في البحر، لأني سأشعر عندها على الأقل أنه كان هناك أملٌ بشيءٍ أفضل.”

كما أنها تدحض فكرة أن المهاجرين باحثين عن الثروات، وتصرّ على أن هدفهم يتمثل في تحسين الوضع الاقتصادي فحسب. “إريتريا ليست بالبلد الفقير، إلا أن فيها ديكتاتورية تُجبر الشباب على الدخول إلى المدارس العسكرية، فضلاً عن اعتقال وتعذيب المعارضين، وتضطهد بعض الممارسات الثقافية والدينية.”

يأتي غالبية اللاجئين الأثيوبيين من الأورومو، كبرى القوميات في أثيوبيا، المضطهدين وسط الصراعٍ الدائر بين الدولة وجبهة تحرير أورومو المحظورة. وكما تقول العاملة في مجال الإغاثة “أي إنتماء من خلال العلاقات الأسرية مع أحد أعضاء جبهة تحرير أورومو يمكن أن يؤدي إلى الاعتقال.” كما يُعتبر استمرار الحرب الأهلية في جنوب السودان ووجود حركة الشباب المجاهدين التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، من الدوافع الرئيسية للهجرة من تلك البلدان.

وبالنسبة لعاملة الإغاثة، سيكون من الأفضل إنفاق الأموال المقدمة لتمكين أمن الحدود المصرية على فتح قنوات إعادة التوطين وتحسين إدماج اللاجئين في المجتمعات الأوروبية. “عندما يكون هناك أمل، فلا حاجة للهجرة غير الشرعية.”

ولكن بدلاً من إنشاء طرقٍ آمنة للاجئين للوصول إلى أوروبا، يبدو أن هدف الاتحاد الأوروبي هو الحدّ من تدفق الهجرة بشكلٍ عام. وبينما يُركز على التعاون مع ليبيا ومصر، فعلى ما يبدو يتجاهل الاتحاد الأوروبي الأسباب الجذرية للهجرة، وهي في هذه الحالة الحرب والاضطهاد في القرن الأفريقي.

فمنذ عام 2014، عمل الاتحاد الأوروبي مع دول القرن الأفريقي، وغالباً مصادر اللاجئين أنفسهم، في مكافحة مهربي البشر والمهربين، في إطار ما يعرف باسم عملية الخرطوم. فقد وصف معهد الأبحاث السياسي الهولندي، كلينغندايل، عملية الخرطوم في منشورٍ صدر مؤخراً باعتباره “إطاراً بتركيزٍ ذو قاعدة أمنية ضيقة والذي من غير المرجح أن يمنع الهجرة غير الآمنة عبر القوارب إلى أوروبا. وزعم المنشور أيضاً “التغاضي” عن “تواطؤ” المسؤولين السودانيين والإريتريين في أنشطة التهريب.”

وعلاوة على ذلك، فقد لاحظ وفد المجموعة الكونفدرالية لليسار الأوروبي المتحد/اليسار الأخضر لدول الشمال (GUE / NGL) خلال زيارةٍ للسودان أوائل عام 2017 أنّ الحدود الشمالية تُسيطر عليها “قوات الدعم السريع” في البلاد، وهي وحدة أمنية تشكلت من ميليشياتٍ كانت مسؤولةً عن عمليات القتل الجماعي في دارفور.