وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

احتجاجات الجزائر تطالب بتغيير نظام الحكم

Algeria- Algerian protests
جزائريون يتظاهرون خارج قاعة المدينة في مدينة وهران الساحلية الشمالية، التي تبعد عن غرب الجزائر العاصمة حوالي 410 كيلومتر، في 1 مارس 2019. Photo AFP

قام عبد العزيز بوتفليقة، الرئيس الجزائري منذ فترةٍ طويلة، بتعديل الدستور سنة 2008 بفتح العهدات الرئاسية من عهدتين إلى رئاسة مدى الحياة. إلا أن المتتبع للمشهد السياسي الجزائري يعرف جيداً أن بوتفليقة منذ مجيئه إلى السلطة عام 1999، كان عازماً على البقاء في سدة الحكم مدى الحياة.

غير أن الوعكة الصحية التي أصيب بها سنة 2013 والتي جعلته مقعداً في كرسي متحرك بعد جلطة دماغية جعلت الكثيرين يتوقعون تخليه عن الحكم في 2014 بعد إنهاء ولايته الثالثة. لكن دوائر النظام أبقوا عليه كشخصية توافقية تخدم مصالح صناع القرار ودفعوا به إلى عهدةٍ رابعة. توقع القليلون إكماله حتى السنة الأولى منها لوضعه الصحي المتدهور، ولكن بالرغم من أن ولايته الحالية أوشكت على الإنتهاء، أراد بوتفليقه أن يرشح نفسه لولايةٍ خامسة.

بيد أن صبر الشعب بدأ ينفذ على ما يبدو، مع اندلاع الاحتجاجات في جميع أرجاء البلاد قُبيل إجراء الإنتخابات المزمع عقدها في الأصل في 18 أبريل 2019.

وبعد شد وجذب كبيرين عرفته نهاية سنة 2018 بين أجنحة النظام الحاكم في الجزائر أدت إلى تغييرات كبيرة على مستوى قيادات الجيش وأطاحت برؤوس قوية في السلطة أولها اللواء عبد الغاني هامل، المدير العام للأمن الوطني، ثم قائد سلاح الدرك الوطني اللواء مناد نوبة، بالإضافة إلى أربع قادة نواحي عسكرية مع مدير أمن الجيش ومدير المصالح المالية بوزارة الدفاع الوطني.

مهدت هذه التغييرات الطريق أمام النظام لتقديم مرشح الرئاسة لعام 2019. فقد كان هناك تكهنات عديدة حول هوية مرشح الرئاسة، وهل من الممكن الإبقاء على بوتفليقة لعهدةٍ خامسة ترفضها المعارضة والشخصيات الوطنية والأوساط الشعبية وحتى بعض الأطراف داخل النظام ذاته.

مع ذلك، أعلن بوتفليقة عن ترشحه عبر رسالة مكتوبة وجهها إلى الشعب الجزائري بتاريخ 10 فبراير تداولتها وكالة الأنباء الجزائرية، المصدر الرسمي للسلطة ولرئاسة الجمهورية. أهم ما جاء فيها أنه في حال فوز بوتفليقة بثقة الشعب وانتخابه مجدداً رئيساً للجمهورية فإنه سيدعو كل قوى الشعب السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومختلف فئات المجتمع إلى عقد ندوةٍ وطنية جامعة ستكرس تحقيق التوافق حول الإصلاحات والتحولات العميقة التي ينبغي أن تباشرها الجزائر بغرض المضي أبعد من ذي قبل في بناء مستقبلها، ولأجل تمكين المواطنين من الاستمرار بالعيش معاً أفضل وأفضل في كنف السلم والازدهار.

وفي رسالة ترشحه وجه بوتفليقة خطاباً خاصاً إلى الشباب الجزائري، الذين تبلغ نسبة البطالة بينهم واحد لكل أربعة، بحسب رويترز. فقد أشار إلى أن تعزيز ثقة المواطنين في مؤسساتهم يقتضي أيضاً أجوبة أكثر تكيفاً مع تطلعات الشباب، الذي ينأى أغلبهم، في بعض الأحيان، بنفسه عن المشاركة في الحياة السياسية. بل ووصل الأمر بالبعض منهم بأن اختاروا الجنوح إلى محاولات اغتراب مفرطة وانتحارية، غالباً إلى أوروبا، لتحققي تطلعاتهم وطموحاتهم. وفي محاولةٍ واضحة لكسب الناخبين الشباب، وعد بوتفليقة بمعالجة هذه القضية من خلال ضمان تمثيل أقوى للشباب في السلطات التنفيذية والمجالس المنتخبة.

يُنظر إلى محاولة إعادة إنتخاب بوتفليقة، على نطاقٍ واسع، باعتبارها أمراً لا مفر منه، ليس أقله لترأسه الحزب الحاكم والتحالف الرئاسي الذي يسيطر على النقابة المركزية للعمال والجهات الفاعلة المالية والإعلامية المؤثرة. إضافةً إلى تمتعه بدعم قيادة الجيش وطبقة رجال الأعمال، الذين يحتاجون إليه لمواصلة خدمة مصالحهم.

اندلعت الاحتجاجات عبر عديد من المدن مثل بجاية، وخنشلة، وعنابة، ووهران، في أعقاب إعلان بوتفليقة. رفض المحتجون ترشحه وطالبوا برحيل النظام الحالي.

وكان الوزير الأول أحمد أويحي قد توقع قبل أيام وقوع احتجاجات رافضة لترشح بوتفليقة مثل ما حدث خلال الإنتخابات الرئاسية لعام 2014، والتي سبقتها عدة وقفات احتجاجية لكنها لم تؤثر على سير الإقتراع، حيث قال في مؤتمر صحفي: “بعض هؤلاء لجؤوا إلى الشارع في الاستحقاقات الرئاسية الماضية، لكن الدولة برهنت أنها قادرة على التحكم في الشارع،” كما دعى المعارضين الذين يرغبون في التعبير عن أفكارهم التوجه إلى قاعات الإقتراع وممارسة حقهم بكل حرية.

وفي نفس السياق دعا السيد عبد المالك سلال، الوزير الأول السابق ومدير الحملة الانتخابية للمترشح عبد العزيز بوتفليقة، الجزائريين إلى التعبير عن آرائهم بطريقة سلمية وبحنكة بعيداً عن الفوضى. وقال سلال في تصريح له أثناء لقائه مناضلات من اتحاد النساء الجزائريات يوم 18 فبراير، إن “السلطة تقبل الرأي الآخر وليس لها أي مشكلة معها، ولا بد أن يعبر كل واحد عن رأيه لكن بسلم وبحنكة.”

وأضاف “مهما كانت الظروف يجب أن نتحاور مع بعضنا البعض… إن الندوة الوطنية التي وعد بها بوتفليقة في حال فوزه بالانتخابات هي فرصة حقيقية للتوافق الوطني لأنها ستكون مفتوحة أمام الجميع وليست باتجاه واحد.”

وقال رئيس حزب “جيل جديد” وأحد قيادي “حركة مواطنة” المعارضة للنظام، الدكتور سفيان جيلالي، حسب ما نقله موقع أربيك: “إن الحركة رفضت منذ البداية السيناريو الأسوأ، وهو ترشح الرئيس بوتفليقة وفعلت ما في وسعها لمنع حدوثه كونه غير دستوري، لكنه تحول إلى حقيقة.

وأضاف، إن “ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية جديدة يغتصب الضمائر، ويسبب جرحاً في الشعور الوطني العام.”

ورغم أن هناك معارضة كبيرة للعهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة من طرف أحزاب المعارضة وبعض الشخصيات السياسية الوطنية، إلا أن هذه الأخيرة لم تستطع أن تتفق على مرشح توافقي يستطيع أن يجمع حوله كل المعارضين للسلطة الحالية ويجمع أصواتهم في الانتخابات. وكذلك لم تستطع الخروج بقرار موحد بخصوص المشاركة في الرئاسيات أم مقاطعتها، وهو الأمر الذي سيخدم بوتفليقة لا محالة في الاستحقاقات القادمة.

لكن لم يكن هذا الحال بالنسبة لـحركة مجتمع السلم، الحزب الاسلامي الأكبر في الجزائر والذي شكل التحالف الرئاسي الذي دعم الرئيس بوتفليقة إلى جانب حزب جبهة التحرير الوطني وحزب التجمع الوطني الديمقراطي منذ سنة 2004 إلى غاية سنة 2012 لينتقل بعدها إلى خط المعارضة. فقد قررت الحركة المشاركة في الرئاسيات عن طريق تقديم رئيس الحركة الدكتور عبد الرزاق مقري كمرشح.

وكذلك هو الأمر بالنسبة لـحزب طلائع الحريات، الذي أعلن ترشيح علي بن فليس، رئيس الوزراء الأسبق وأول زعيم سياسي ينشق حزب التحرير الوطني لبوتفليقة عام 2002.

تطورت الأحداث بشكلٍ متسارع وغير متوقع بعد هذه الإعلانات. المظاهرات المتفرقة في بعض ولايات الوطن تلتها دعوات للخروج في مسيرات سلمية عبر كامل التراب الوطني يوم 22 فبراير 2019. جاءت الدعوات عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ويبقى مصدر هذه الدعوات مجهولاً. وبالفعل كانت الاستجابة كبيرة عبر العديد من الولايات أهمها الجزائر العاصمة التي خرق فيها المتظاهرون قانون منع التظاهر في العاصمة الذي صدر سنة 2001 عقب مظاهرات الربيع الأمازيغي.

والملفت للانتباه أن المظاهرات كانت سلمية وحضارية من قبل المتظاهرين وهو نفس السلوك عند قوات الأمن التي قابلت الاحتجاجات بكل احترافية حيث أطرت المظاهرات ولم تمنعها ولم تقابلها بالقمع.

كما تم مشاهدة صور عناق المتظاهرين لرجال الشرطة وتقبيلهم ومقابلتهم بالورود وكذلك تنظيف المتظاهرين للساحات العمومية بعد انتهاء المسيرات التي رفعت فيها شعارات متعددة من قبل المتظاهرين، أهمها؛ “بوتفليقة مكاش عهدة خامسة” (لا وجود لعهدة خامسة يا بوتفليقة)، و”سلمية سلمية” (يعني أن المظاهرات سلمية والشعب يريد تغيير النظام بطريقة سلمية)، و”الشعب والدولة خاوة خاوة” (يعني الشعب وقوات الأمن إخوة وكلاهما إبن الشعب)، و”الشعب لا يريد بوتفليقة والسعيد” (الشعب لا يريد الرئيس بوتفليقة وشقيقه السعيد الذي يُعرف بأنه هو من يسير شؤون البلاد في ظل مرض أخيه)، و”إرحل يا أويحي” (المطالبة برحيل الوزير الاول أحمد أويحي الذي صرح بأن الشعب الجزائري سعيد بترشح بوتفليقة لعهدة خامسة).

الملاحظ أن الاستجابة لدعوات رفض للعهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة بدأت تتوسع بشكل كبير حيث مست مختلف فئات المجتمع من المحامين، وطلبة الجامعات، والسياسيين والمواطنين العاديين. وما لفت الانتباه أن الاعلاميين التابعين للقطاع الخاص وكذلك للقطاع العام قاموا بتجمعات مناهضة للوضع ومطالبين بحرية الصحافة والإعلام في سابقة هي الأولى من نوعها.

تضاعف عدد المتظاهرين في مسيرات كبيرة في الأول من مارس استجابةً للدعوات التي أطلقت عبر صفحات التواصل الاجتماعي بالخروج في مسيرة مليونية.

بيد أن بوتفليقة رفض سحب ترشحه، فقد أكدّ ذلك كل من عبد المالك سلال والوزير الأول أحمد أويحي، اللذان أضافا أن التظاهر السلمي مكفول دستورياَ وهو نتيجة إصلاحات بوتفليقة وأن من حق الشعب التعبير عن رأيه ولكل واحد أن يدعم من يشاء من المرشحين ووتبقى الانتخابات هي الفاصل والقرار الأخير يكون للصندوق.

وعلاوةً على ذلك، صرّح قائد أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أحمد قايد صالح، بأن الشعب الجزائري تواق للعيش في أمان وأن الجيش متلزم بمهامه الدستورية وسيسهر على أن تمر الانتخابات الرئاسية في كنف الهدوء.

وأضاف أن الجيش لن يسمح لأي كان بأن يدفع بالشارع إلى سياقاتٍ لا تحمد عقباها في ظل دعوات تبقى مجهولة المصدر لتحريك الشارع الجزائري وجره نحو مصيرٍ مجهول. وفي ظل هذا الحراك غير المسبوق، تبقى الأيام وحدها من ستبين إلى ما ستؤول إليه الاحداث في ظل تمسك السلطة الحالية بدفع الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة وإصرار الشعب على رفض العهدة وإسقاط كل رموزها.

وقد شهد يوم 8 مارس، اليوم العالمي للمرأة، الذي تزامن مع الجمعة الثالثة على التوالي للمظاهرات، مسيرات كبيرة جداً. فقد خرج المتظاهرون، تتقدمهم النساء، للتعبير عن رفضهم للوضع الراهن والمطالبة بتغيير النظام. مسيرات امتزجت فيها ألوان الورود مع ألوان الشعارات السياسية المطالبة بالتغيير.

لم يستجب بوتفليقة لنداءات الشارع بسحب ترشحه لعهدة خامسة نظراً لتواجده خارج الوطن نتيجة الفحوصات الطبية التي كان يخضع لها. نتيجةً لذلك، تمت الدعوة إلى عصيان مدني لمدة خمسة أيامٍ متتالية بداية من يوم 10 مارس، التي لقيت استجابةً واسعة النطاق. قاطع العمال مناصب عملهم في المصانع والمؤسسات وحتى في الهيئات العمومية، كما شاركت الأعمال التجارية الخاصة في العصيان بغلق محلاتهم التجارية وشكل ذلك في الحقيقة ضغطاً قوياً على السلطة. ومع ذلك، رفض العديد من النشطاء السياسيين خيار العصيان المدني الذي كما يقولون سيؤدي إلى تعطيل الحراك وتغيير مساره.

وبعد عودة بوتفليقة إلى الجزائر، أعلن مباشرة في رسالة وجهها للجزائريين يوم 11 مارس عن العدول عن ترشحه للرئاسيات مع تأجيل موعدها إلى أجلٍ آخر وذلك بعد التوصل فقط إلى إجماعٍ وطني للمضي قدماً بالبلاد.

شكل هذا انتصاراً صغيراً للمتظاهرين، الذين لا زالوا يطالبون بتغييرٍ جذري، بما في ذلك تغيير النظام.