وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

صمتٌ دولي تجاه الضربات الجوية والهجمات الكيماوية في سوريا

Syria- Idlib
صورة التقطت في 9 فبراير 2018، في ريف إدلب، حيث تشن القوات الحكومية السورية هجوماً كبيراً. Photo AFP

ازدادت حدة الضربات الجوية التي يشنها النظام السوري وحليفته روسيا على محافظة إدلب التي يسيطر عليها المتمردون في 3 فبراير 2018، في أعقاب اسقاط مقاتلي المعارضة طائرةً روسية. أدت الحملة الجوية، إلى جانب مزاعم بشن النظام هجماتٍ كيماوية، إلى تردي الأوضاع الإنسانية وتعالي صيحات الغضب إلا أنّ المجتمع الدولي بالكاد يُسمع له صوت.

فتركيا، التي لطالما كانت الداعم الخارجي الرئيسي للمعارضة، تركز اليوم على هزيمة الجماعات الكردية في بلدة عفرين السورية الحدودية. وفي الوقت نفسه، انتقدت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا استهداف المدنيين إلا أنها لم تتخد، حتى الآن، إي إجراءٍ ملموس لوقفه.

وتعتبر إدلب آخر المراكز السكانية الرئيسية التي تُسيطر عليها المعارضة والتي تستضيف في الوقت الراهن آلاف النازحين الفارين من أجزاء أخرى من سوريا، فضلاً عن اللاجئين الذين عادوا إلى ديارهم من لبنان وغيرها من الدول المجاورة.

وتقبع أجزاء كبيرة من المحافظة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، وهي جماعة متطرفة تتألف في الغالب من أعضاء سابقين في تنظيم جبهة النصرة السابق، التابع لتنظيم القاعدة. ويرجع هذا إلى الوقت الذي أعلنت فيه هئية تحرير الشام نصرها في المحافظة العام الماضي في صراع القوة مع أحرار الشام، وهي جماعة أخرى للمتمردين كانت يوماً ما حليفةً لهيئة تحرير الشام.

فقد كانت إدلب واحدةً من مناطق “تخفيف التصعيد” التي خرجت بها محادثات أستانا بين روسيا وتركيا وإيران عام 2017. وفي البداية على الأقل، بدا أن هذه المناطق تجدي نفعاً في التخفيف من حدةً العنف، إلا أنه يبدو الآن أن التأثير كان مؤقتاً فحسب.

وأشار بعض المراقبين أن هذه المناطق كانت في جوهرها تكتيكاً استراتيجياً للمماطلة من قِبل النظام، مما سمح له بتركيز موارده في أماكن أخرى أثناء سريان مفعول اتفاقات وقف إطلاق النار، ليعيد بعدها تنظيم صفوفه والعودة للسيطرة على المنطقة من جديد. وعلى أي حال، لم يتم إشراك هيئة تحرير الشام بأي مفاوضاتٍ تتعلق بوقف إطلاق النار، ومن المرجح أن وجودها القوي في إدلب ما هو إلا عنصرٌ من عناصر الافتقار إلى رد فعلٍ دولي تجاه الهجوم الروسي والسوري.

فقد شنت روسيا والنظام هجوماً جديداً على إدلب في ديسمبر 2017، الذي تصاعدت وتيرته بعد أن أسقط مقاتلون طائرةً روسية في 3 فبراير 2018. وقالت وزارة الدفاع الروسية أن الطيار كان في مهمةٍ استطلاعية فوق منطقة تخفيف حدة التصعيد عندما أسقطت طائرته باستخدام صاروخ مضاد للطائرات قابل للحمل. وقال المسؤولون الروس أن الطيار قذف نفسه بالمظلة وتعارك مع المقاتلين على الأرض قبل أن يفجر نفسه بقنبلة يدوية تفادياً لأسره.

مقاتلون سوريون مدعومون من تركيا في بلدة سلوى ، على بعد أقل من 10 كيلومترات من الحدود السورية التركية ، قبيل إطلاق النار على القوات الكردية من وحدات حماية الشعب (YPG) في منطقة عفرين ، في 19 فبراير 2018. / AFP PHOTO / OMAR HAJ KADOUR

أعلنت هيئة تحرير الشام مسؤوليتها عن إسقاط الطائرة، وفقاً لما ذكرته وكالة أنباء إباء الإخبارية التابعة للجماعة، التي نقلت على لسان أحد القادة العسكريين أنهم أسقطوا الطائرة بصاروخ محمول على الكتف، وأن الهجوم جاء انتقاماً عن “حملة القصف العشوائية” التي طالت مدينة سراقب. كما ادعى سياسيون روس بأن الولايات المتحدة من زودت الجماعة بالصاروخ الذي أسقط الطائرة، الأمر الذي نفاه مسؤولون أمريكيون.

في حين أفادت وكالة الأنباء السورية التي تديرها الدولة أن الجيش السوري، إلى جانب القوات المتحالفة، استعاد السيطرة على أكثر من 30 مدينة وقرية في محافظات إدلب وحماة وحلب“بعد القضاء على آخر تجمعاتٍ لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الإرهابي فيها.”

بيد أن الهجوم كان مكلفاً جداً للمدنيين، ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يتخدذ من المملكة المتحدة مقراً له، أسفر القصف الجوي عن مقتل 241 مدني في ريف إدلب، بمن فيهم 71 طفلاً و46 امرأة، في الفترة ما بين 25 ديسمبر 2017 و7 فبراير 2018.

كما أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن ما لا يقل عن عشرة مرافق للرعاية الصحية تعرضت للقصف في إدلب في الفترة من 29 يناير إلى 7 فبراير 2018، فضلاً عن المدارس والأسواق ومرافق المياه والصرف الصحي. ونشرت فرق الانقاذ، بمن فيها الخوذ البيض، مقاطع فيديو لعمال الدفاع المدني وهم يُجلون المرضى من المستشفيات، وأثناء سحبهم المدنيين من تحت أنقاض المبانى المنهارة، وإخماد الحرائق التى سببتها الغارات الجوية.

وقال رجلٌ عاد إلى إدلب من بلدة عرسال اللبنانية المحاصرة برفقة عائلته في العام الماضي، ويتواجد اليوم في بلدة معرة النعمان لفَنَك، إن القصف قطع إمدادات الأدوية والكهرباء والسلع الأساسية، وإن الأمم المتحدة أوقفت عمليات الإغاثة. وأضاف إن القنابل أصابت المستشفيات ومخيمات النازحين.

فقد قال “الناس هنا ينتظرون الموت،” وتابع قوله “تأتي الطائرات لقصفنا ونحن نردد، يا الله، جاء دورنا.” كما أخبرنا أن العديد من الأشخاص يفرون من مكانٍ لآخر داخل إدلب للهروب من عمليات القصف، بينما حاول آخرون الفرار إلى تركيا أو لبنان أو الأردن.

سوريا
أطفال سوريون فروا من منازلهم في بلدة المرج بالغوطة يلعبون وسط حطام المباني في بلدة النشابية في منطقة الغوطة الشرقية ، معقل للمعارضة شرقي العاصمة دمشق ، 27 حزيران / يونيو 2017 (تصوير من قبل عامر المهيباني / وكالة الصحافة الفرنسية)

ومع ذلك، فإن الحدود مع تركيا مغلقة بالكامل، ووفقاً لهيومن رايتس ووتش قام حرس الحدود التركي بإطلاق النار صوب اللاجئين الذين يحاولون العبور. كما أن الطريق إلى لبنان محفوف بالمخاطر بسبب الظروف الجوية القاسية في الجبال، حيث توفي بعض اللاجئين بسبب تعرضهم للبرد الشديد، ناهيك عن إغلاق الأردن أيضاً لحدوده في وجه اللاجئين.

كما اتهم عمال الإغاثة والجماعات الحقوقية الحكومة السورية باستهداف إدلب بالأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً، بما في ذلك الهجوم بغاز الكلور السام في الرابع من فبراير على سراقب، والذي خلف 11 إصابة بحاجة طارئة للعلاج.

ووصف مسؤولون في الأمم المتحدة تقارير استخدام الاسلحة الكيماوية بـ”المقلقة” وحذروا من “أزمةٍ إنسانية خطيرة” في إدلب ومناطق أخرى من سوريا حيث تصاعد القتال مؤخراً. كما طالبوا بوقفٍ لإطلاق النار لمدة شهر فى جميع انحاء البلاد للسماح بدخول المساعدات الإنسانية.

كما أعرب مسؤولون أميركيون عن “قلقهم الشديد من الإدعاءات المتواصلة حول استخدام النظام السوري لغاز الكلور لترويع المدنيين الأبرياء” ودعوا المجتمع الدولي إلى “الضغط علناً” على الحكومة السورية لوقف استخدام الاسلحة الكيماوية. بيد أن الولايات المتحدة لم تهدد حتى باتخاذ أي إجراءٍ ضد النظام ثأراً من الهجمات المزعومة.

في حين لم يكن رد فعل تركيا، المشغولة حالياً بهجومها المثير للجدل على عفرين، ملموساً على الهجمات الأخيرة التي استهدفت إدلب، بالرغم من أن تركيا اتهمت في السابق كل من روسيا وإيران وسوريا بانتهاك اتفاق أستانا. فقد أقامت القوات التركية مراكز مراقبة في إدلب، حيث قتل جندي تركي وجرح عدة آخرون في 5 فبراير في هجومٍ بقذائف الهاون أثناء إنشاء هذه المراكز، في حين لا تزال الجهة المسؤولة عن شن الهجوم مجهولة.

ومن جهته، كتب تشارلز ليستر، وهو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن، أن تصاعد العنف في إدلب وعدم وجود رد فعل دولي قد يُنذر بنهاية فعليه لمناطق تخفيف حدة التصعيد.

وكتب ليستر “إن مناطق تخفيف حدة التصعيد الروسية تتداعى الآن، حيث تسعى جميع الجهات الفاعلة الرئيسية في سوريا وخارجها اليوم إلى تحديد مصطلحات واقع (ما بعد داعش).” وأضاف “دون أي جهود دولية رائدة، فمن المرجح أن تستمر الهجمات الكيماوية التي يشنها النظام، والقصف العشوائي والتدمير المستهدف للمرافق المدنية دون هوادة.”