وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

سوريا: التدهور المستمر لحقوق الإنسان

Syrian-rescue-team-member-carries-the-dead-body-of-a-kid
عضو في فريق الإنقاذ السوري يحمل جثة طفل ميت بعد ان نفذت طائرات الجيش السوري الحربية ضربات جوية فوق مناطق سكنية في مدينة كفرنبل، إدلب، سوريا، 9 مارس 2017. Photo Anadolu Agency

منذ دخول قانون الطوارىء في سوريا حيز التنفيذ عام 1963، إعتبر المراقبون الدوليون حقوق الإنسان في سوريا رديئة. وبعد إنتفاضة مارس 2011، وحملة القمع العنيفة التي شنتها الحكومة لسحقها، ساءت حقوق الإنسان بشكلٍ كبير، مما حول البلاد بأكملها إلى ساحة معركة، ودفع بمعهد الإقتصاد والسلام إلى إدراج سوريا باعتبارها البلد الأكثر خطورة في العالم على مؤشر السلام العالمي السنوي.

ما الذي يجعل سوريا بهذه الخطورة؟

إذا ما وضعنا جانباً الإنتهاكات العديدة والفظيعة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني في الوقت الحالي، فإن أعداد الضحايا المُقدرة، بالإضافة إلى أعداد السكان، بشكلٍ عام، المتضررين من الحرب الممتدة على مدى السنوات الست، لا يُصدق. فوفقاً للمركز السوري لبحوث السياسات، وهي منظمة أبحاثٍ مستقلة، قدر عدد القتلى من جراء الصراع، إعتباراً من فبراير 2017، بـ470 ألف، أي ما يقرب من ضعف الرقم المستخدم من قِبل الأمم المتحدة إلى أن توقفت عن تحديث الإحصائيات قبل 18 شهراً.

ففي عام 2011، كان عدد سكان سوريا يُقدر بنحو 21 مليون نسمة، ولكن منذ بدء الانتفاضة في مارس من نفس العام، قتل أو أصيب ما نسبته 11,5% من السكان. كما يبلغ عدد الجرحى حوالي 1,9 مليون، وانخفض متوسط العمر المتوقع من 70 عاماً في عام 2010 إلى 55,4 عاماً في عام 2015. ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أدى انتشار وتكثيف القتال إلى إندلاع أزمةٍ إنسانية واسعة النطاق، مع وجود 6,2 مليون نازح داخلياً و4,8 مليون من طالبي اللجوء في الخارج. وبحلول منتصف عام 2016، كان ما يقدر بمليون نسمة يعيشون في المناطق المحاصرة ويحرمون من المساعدات المنقذة للحياة، بينما كان 13,5 مليون شخص في حاجة إلى مساعداتٍ إنسانية داخل البلاد.

الجماعات المتطرفة والمناهضة للنظام

سببٌ آخر يجعل من سوريا البلد الأكثر خطورةً في العالم، ألا وهو وجود الجماعات المتطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش،” وجبهة النصرة، التي غيّرت اسمها فيما بعد إلى جبهة فتح الشام في محاولةٍ لتفادي وسم الجماعات المتطرفة، الذي جعلها هدفاً لقوى التحالف الغربية في سوريا. فالجماعات المتطرفة هذه ليست ملزمة بموجب أي من المعاهدات الدولية التي تحكم الصراعات المسلحة. وبالتالي، هم متهمون بارتكاب إنتهاكاتٍ منهجية واسعة النطاق، بما في ذلك استهداف المدنيين بأسلحةٍ مختلفة وعمليات الخطف والإعدام. وعلاوة على ذلك، للجماعات المسلحة المناهضة للنظام نصيبها من الإنتهاكات الخطيرة، سيما الهجمات العشوائية ضد المدنيين واستخدام الجنود الأطفال، بالإضافة إلى تعذيب وإعدام أسرى الحرب.

إنتهاكات متنوعة

تم التوسط، على مستوى دولي، لثلاث اتفاقاتٍ لوقف إطلاق النار خلال الأشهر الـ12 الماضية، في فبراير وسبتمبر 2016 ويناير 2017، مما قلل لفترةٍ وجيزة من عدد الهجمات غير المشروعة على المدنيين من جميع الأطراف. ومع ذلك، كان الإتفاقين الأولين هشين جداً وتم خرقهما ليستمر الاقتتال الداخلي على مدار السنة، حيث واصلت قوات النظام وحلفائها إستهداف أو ضرب المناطق المدنية بشكلٍ عشوائي، بما في ذلك الأسواق والمدارس والمشافي، باستخدام البراميل المتفجرة ومجموعة واسعة من الأسلحة الحارقة المحظورة.

وطوال عام 2016، وثقت هيومن رايتس ووتش عدداً كبيراً من الهجمات المتعمدة على المدارس والمرافق الطبية والأسواق، بما في ذلك ضربة جوية ضخمة من قبل التحالف الروسي- السوري التي استهدفت مستشفى القدس في 27 أبريل، مما أسفر عن مقتل جميع المدنيين والمرضى والطاقم الطبي داخل المستشفى. وفي أغسطس، كثفت قوات التحالف هجماتها، وذلك بشكلٍ أساسي على المرافق الصحية، بما في ذلك في حلب وإدلب وحمص، في محاولةٍ لاستعادة الأرضي التي خسرها النظام السوري أمام فصائل المعارضة. فقد وجد أن هذا الاستهداف يترقي إلى مستوى جرائم الحرب، وبما أن القصف الجوي يعتبر قانونياً، ينبغي أن تمتثل العمليات العسكرية لمبادىء القانون الإنساني الدولي وقوانين الحرب وأعرافها: الضرورة العسكرية والتمييز والتناسب، بالإضافة إلى الامتناع عن شن هجمات على الأشخاص المحميين – أي بشكلٍ أساسي المدنيين والعاملين في المجال الطبي.

دلائل على هجماتٍ كيماوية

في أكتوبر 2016، أصدرت آلية تحقيقٍ مشتركة بين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة نتائجها في التقرير الرابع ذلك العام. حدد التقرير أن القوات الحكومية السورية مسؤولة عن استخدام الأسلحة الكيميائية في هجمات إدلب يوم 24 مارس 2015. كما حددت لجنة التحقيق الوحدات العسكرية المسؤولة عن الرحلات الجوية التي نفذت الهجمات، إلا أنها لم تتمكن من تسمية القادة، ويرجع ذلك إلى رفض الحكومة السورية التعاون والرد على الاستفسارات. وبالمثل، خلصت تقارير سابقة عن لجنة التحقيق أن هجومين آخرين، على كفرزيتا في 18 أبريل 2014 وعلى قرية قميناس يوم 16 مارس 2015، نفذتهما القوات الحكومية السورية. كما وثقت لجنة التحقيق استخدام داعش لغاز خردل الكبريت في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة.

تقارير رئيسية تُسلط الضوء على حالة حقوق الإنسان

حدد تقريرين رئيسيين، في الآونة الأخيرة، حالة حقوق الإنسان في هذا البلد الذي يعاني من ويلات الحرب. الأول هو النتائج التي توصلت إليها لجنة الأمم المتحدة الدولية المستقلة للتحقيق في الجمهورية العربية السورية بشأن جرائم الحرب التي ارتكبت خلال معركة حلب في أواخر عام 2016. والثاني تقرير منظمة العفو الدولية الذي فضح حملة الحكومة السورية لعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء في سجن صيدنايا.

تأسست لجنة الأمم المتحدة في 22 أغسطس 2011 من قِبل مجلس حقوق الإنسان، بعد اعتماد القرار (S-17/1) في دورته الـ17 الاستثنائية، بتفويضٍ للتحقيق في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان في سوريا منذ مارس 2011.

حدد التقرير، الصادر في الأول من مارس 2017، الجرائم التي ارتكبت على يد كلٍ من قوات النظام وفصائل المعارضة. فقد اتهم القوات الجوية السورية بقصف ومهاجمة، بشكلٍ متعمد، قافلة المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري في بلدة اورم الكبرى في 19 سبتمبر 2016، مما أسفر عن مقتل 14 شخصاً من عمّال الإغاثة ووقف عمليات الإغاثة. ووصفت الأمم المتحدة استهداف القافلة الإنسانية بـ”المخطط له بدقة والمنفذ بلا رحمة.” وذكر التقرير أيضاً “باستخدامها ذخائر ملقاة من الجو مع علمها بأن موظفي إغاثة يعملون في المنطقة، ارتكبت القوات السورية جرائم حرب، لتعمدها مهاجمة عاملين في الإغاثة الانسانية وحرمان المدنيين من المساعدات ومهاجمة المدنيين.”

وفيما يتعلق بحلب، يصف التقرير حجم الدمار بغير المسبوق. فقد تحولت المدينة التي كانت يوماً ما من أكبر المدن السورية ومركز البلاد الثقافي والتجاري، وأحد مواقع التراث العالمي لليونسكو، إلى ركام. ويُضيف التقرير، أن القوات الجوية السورية، سيما الطائرات المروحية، ألقت قنابل الكلور السام، المحرمة دولياً والتي تسببت بمقتل مئات المدنيين في حلب “طوال عام 2016.”

وفي الآونة الأخيرة، وأثناء حصار حلب في شهريّ نوفمبر وديسمبر 2016، وظف 5 آلافٍ من القوات الموالية للحكومة تكتيك “الإستسلام أو التجويع،” في الجزء الشرقي من المدينة. فقد أجبر آلاف المدنيين على الفرار من منازلهم بموجب إتفاق الإجلاء بين الأطراف المتحاربة، والذي وجده التقرير يرتقي إلى جريمة التهجير القسري. وفي المقابل، قصفت قوات المعارضة غرب حلب التي تُسيطر عليها الحكومة، مما أسفر عن مقتل وجرح العشرات، في حين مُنع المدنيون من الفرار من شرق حلب واستخدموا كـ”دروع بشرية.”

كما وثق تقريرٌ لمنظمة العفو الدولية، والذي صدر في 7 فبراير 2017 بعنوان المسلخ البشري: عمليات الشنق الجماعية والإبادة الممنهجة في سجن صيدنايا في سوريا، عمليات الشنق الجماعية الأسبوعية، والتي كانت تحدث في بعض الأحيان مرتين في الأسبوع، لخمسين سجيناً في كل مرة. ففي غضون خمس سنوات (2011-2015)، ووفقاً للتقرير، تم شنق ما يقرب من 13 ألف سجين، يُعتقد أن غالبيتهم من المدنيين المعارضين للنظام. كما أظهر التقرير أيضاً أنّ الحكومة، وبشكلٍ متعمد، احتجزت السجناء في ظروفٍ غير إنسانية، ومارست عليهم التعذيب المتكرر والحرمان المنهجي من الغذاء والماء والدواء والرعاية الطبية.

هذه الممارسات التي ترتقي إلى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وجد أنها مُشرّعة من قِبل أعلى المستويات في الحكومة السورية. وتعليقاً على التقرير، ذكرت نائبة مدير الأبحاث في مكتب منظمة العفو الإقليمي في بيروت، لين معلوف، أن “الفظائع الواردة في هذا التقرير تكشف عن وجود حملة خفية ووحشية […] وتستهدف سحق أي صورة من صور المعارضة في صفوف الشعب السوري.”

تستند نتائج هذا التقرير على إجراء تحقيقٍ مكثف لمدة عام، والذي أجري ما بين ديسمبر 2015 وديسمبر 2016. وشملت الدراسة مقابلاتٍ مباشرة مع 84 شاهداً من بينهم حراس ومسؤولون ومعتقلون سابقون في سجن صيدنايا وقضاة ومحامين، إلى جانب خبراء محليين ودوليين في مجال الاعتقال في سوريا.

ونُقل عن أحد الذين تمت مقابلتهم، وهو قاضٍ سابق شهد عمليات الشنق، قوله: “يبقونهم متدلين 10 دقائق أو 15 دقيقة، إذ قد لا يموت البعض منهم نظراً لخفة وزن أجسامهم، حيث لا يتكفل وزن صغار الحجم بقتلهم، فيقوم الضباط حينها بسحبهم إلى الأسفل وكسر أعناقهم.”