وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تونس: خطواتٌ خجولة نحو إلغاء تجريم المثلية الجنسية

أصدرت لجنة الحريات الفردية والمساواة في تونس، وهي لجنة رئاسية تتألف من مشرعين وأساتذة ومدافعين عن حقوق الإنسان، تقريراً في الأول من يونيو يوصي بعدم تجريم المثلية الجنسية. ولم يصدر حتى الآن أي تصريحٍ رسمي من الرئيس الباجي قائد السبسي.

تعتبر المثلية الجنسية غير قانونية في تونس بموجب الفصل 230 من قانون العقوبات، الذي يعاقب مرتكب الأفعال الجنسية بين فردين بالغين راشدين من نفس الجنس بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات. كما تجرّم النسخة الفرنسية من القانون “اللواط،” في حين أن النسخة العربية تحظر “اللواط والسحاق.”

من جانبها، تتضمنت الدراسة التي أجرتها منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية حول المثلية الجنسية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، والتي نُشرت في 16 أبريل، على فيديو حمل عنوان “لست وحدك،” أرسل من خلاله شاب تونسي يُدعى إسلام رسالةً إلى المثليين الآخرين، بقوله “في طريق التعرف على الذات أو تقبل الذات، الوقت الذي تمنحه لنفسك يجعلك ترى كم أنت جميل.”

تم الرد على رسالة الحب هذه بكتابٍ قانوني من قِبل لجنة الحريات الفردية والمساواة في تونس. فاللجنة مكلفة بالمساهمة في حالة الحريات الفردية والمساواة في تونس من خلال إعداد مشروع إصلاحٍ وفقاً لمتطلبات الدستور التونسي لعام 2014 والمعايير الدولية لحقوق الإنسان. وأوصت اللجنة في تقريرها بإلغاء عقوبة الإعدام ووضع حدٍ لنظام الجنسية والميراث الذكوري في البلاد ومنح النساء المزيد من الحقوق. وفيما يتعلق بالمثلية الجنسية، ذكر التقرير: “إن بعض القوانين ما زالت تشكل اعتداءً على حرمة الحياة الخاصة للأفراد، بما فيها علاقاتهم الجنسية […] لا دخل للدولة وللمجتمع في الحياة الجنسية بين الرّشد… إن الخيارات والتوجهات الجنسية للأفراد هي من صميم الحياة الخاصة. لذلك تقترح اللجنة إلغاء هذا الفصل [الفصل 230]، لمخالفته البديهية للحياة الخاصة، ولما جلبته للجمهورية التونسية من انتقادات الهياكل الدولية المعنية بحقوق الإنسان.”

ففي تونس، لا تعترف الدولة سوى بجمعية شمس للمثليين الجنسيين، وذلك منذ مايو 2015 فحسب. (توجد جمعيات أخرى للدفاع عن حقوق المثليين مثل موجودين، ودمج للعدالة والمساواة، وشوف، وكلمتي، إلا أنه لا يُعترف بهم بموجب القانون). وعليه، تحدث منير بعتور، رئيس جمعية شمس، لنا في فَنَك حول توصية اللجنة: “نشعر بالسعادة لتوصية لجنة الحريات الفردية والمساواة إلغاء تجريم المثلية الجنسية، إلا أن لديهم العديد من المقترحات. تتمثل إحداها بإلغاء الفصل 230، والثاني باستبدال عقوبة السجن لثلاث سنوات بغرامة مالية قدرها 500 درهم (190 دولاراً)، بالإضافة إلى منع الفحوصات الشرجية، التي تتم من خلال إدخال أدواتٍ داخل فتحة الشرج، والتي غالباً ما تتم “لإثبات” المثلية الجنسية. بالطبع نحن نفضل المقترحين الأول والثالث، ذلك أن إلغاء تجريم المثلية سيسمح للمثليين جنسياً بالتماس العدالة دون خوفٍ من انتهاك الحقوق أو تعرضهم للهجوم. فعلى سبيل المثال، لدينا العديد من حالات الابتزاز بعد الممارسة الجنسية، والإيقاع المتعمد بالإفراد والاعتداءات الجسدية. إنه مبدأ بسيط للعدالة لجميع المواطنين.”

في الوقت الراهن، لم يصدر أي رد فعلٍ من الحكومة، إلا أن بعتور يحافظ على تفائله: “سيشكل هذا امتثالاً للقانون والدستور، إذ تحمي المادتين 23 و24 الحياة الخاصة وحرمة منازل جميع المواطنين. ينبغي تطبيق ذلك على الجميع.” ومنذ الثورة التونسية عام 2011، لاحظ تقدماً في مجالات الحرية العامة والتعبير عن الرأي. فعلى سبيل المثال، بات مجتمع المثليين يجذب المزيد من الاهتمام في وسائل الإعلام، وتم تنظيم أول “مهرجان للأفلام الكويرية” في تونس هذا العام في شهر يناير. كما استضافت العاصمة تونس مسيرة فخر المثليين السنوية منذ عام 2015. إلا أن بعتور أكد على أن هذا التطور يعبقه ارتفاعٌ في اعتقالات المثليين جنسياً من قِبل الشرطة.

في حين قال لنا المحلل السياسي يوسف الشريف “التقى الرئيس بـ[أعضاء] لجنة الحريات الفردية والمساواة، التي كلفها بذلك بالفعل.” وأضاف “تجري دراسة توصياتهم، لكن ذلك سيستغرق الكثير من الوقت بسبب الأولويات الأخرى والأزمة السياسية العميقة في الوقت الراهن. على أي حال، القرار ليس قرار الرئيس أو رئيس الوزراء، ولكن ينبغي على البرلمان إقرار ذلك.” ويبدو أنه على الرغم من أن تونس تواجه أولويات أخرى في الوقت الحالي، إلا أن يجري أخذ تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة بعين الإعتبار ودراسته، إلا أن اتخاذ إجراءاتٍ قانونية أو سياسية سيحتاج إلى الوقت ليتجسد على أرض الواقع.

وبحسب ما قالته لفَنَك آمنة قلالي، مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش في تونس، “منذ الثورة، تم حشد واستثمار مجتمع المثليين، كحال الآخرين، في وسائل الإعلام والفضاء العام، من خلال المهرجانات والمناسبات الأخرى، الأمر الذي يعدّ فريداً من نوعه في العالم العربي باستثناء لبنان.” وتابعت القول “يعرضهم هذا الحضور لردود أفعالٍ مضادة، سواء من المجتمع أو الشرطة التي تعتقلهم على أساسٍ تعسفي. هذان واقعان متشابهان في مرحلةٍ انتقالية حيث تتحرك الأمور إلا أنها لا تزال غير مؤكدة.”

ومع ذلك، لم ترضِ توصية لجنة الحريات الفردية والمساواة جميع الأطراف في السلطة بمن فيهم حزب النهضة الديمقراطي الإسلامي. وفي بيانٍ صحفي رسمي نُشر في 4 يوليو، حذرت الحركة من مضمون تقرير اللجنة، قائلةً إن بعض النقاط قد تهدد بنية الأسرة ووحدة المجتمع التونسي. كما أعادت التأكيد على قيمة الحقوق والحريات والمساواة بين الجنسين، فضلاً عن أهمية تعميق الحوار الاجتماعي حول التقرير.

وقالت قلالي، “تحتفظ اللجنة بمقاربة براغماتية للغاية للقضية المطروحة من خلال مقترحها الثاني.” وأضافت “يعلمون تماماً أنه سيكون هناك مقاومة من قِبل الحركات المحافظة، التي لا تتقبل التغيير بسهولة، وتحاول أن تطرح بديلين، أحدهما أخلاقي فيما يتعلق بالحقوق والقوانين الوطنية والدولية، والثاني بإمساك العصا من النصف، لمنع الزج بمجتمع المثليين في السجن.”

وبعد هذا التقرير، ما ينتظرنا هو قرارٌ سياسي: فهل سيتبنى الرئيس هذه التوصيات أم لا؟ بحسب قلالي “هناك صراعٌ بين تياريّ المجتمع ويجب على الرئيس اتخاذ القرار. الأمر منوط به.” وأضافت “القضايا الأخلاقية شائكة ذلك أنه لا يوجد إجماعٌ سياسي أو اجتماعي.”

سواء كان رد فعل الرئيس إيجابياً أم لا، باتت القضية اليوم مطروحة بين أيدي العامة، وتوصيات اللجنة من أجل تونس أفضل أصبحت اليوم علانية. وإذا ما كان من المقرر أن يتم اعتمادها وإلغاء الفصل 230، فستكون بمثابة خطوةٍ أولى نحو إلغاء تجريم المثلية ومثالاً فريداً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ينبغي على الدول الأخرى اتباعه.