وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المجلس الرسمي لحقوق الإنسان في مصر يُطالب بزيارات للسجون وسط تدهور أوضاع

مشيّعون يحملون لافتات في وقفة احتجاجية على مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني
مشيّعون يحملون لافتات في وقفة احتجاجية على مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، الذي عُثر عليه ميتاً وتظهر عليه علامات تعذيب، بعد اختفائه يوم 25 يناير 2016. تجمّع المتظاهرون أمام السفارة الإيطالية بالقاهرة -مصر- يوم السبت 6 فبراير 2016. Photo Amr Nabil/AP

في فبراير 2016، طلب المركز القومي لحقوق الإنسان من وزارة الداخلية السماح لهم بزيارة السجون في مراكز الشرطة المصرية في سابقة هي الأولى من نوعها. ويأتي هذا الطلب وسط شكاوى مستمرة من أوضاع مرافق الاحتجاز في مراكز الشرطة، والوفيات بسبب الاكتظاظ، ونقص التهوية، ومزاعم التعذيب والاختفاء.

“نأمل بأن توافق (وزارة الداخلية) على طلبنا،” هذا ما قاله عضو المركز القومي لحقوق الإنسان، جورج اسحق، لمراسل Fanack. وأضاف أنّ الطلب قُدم لوزارة الداخلية للقيام بزيارات لجميع مراكز الشرطة في جميع أنحاء البلاد، بمعدل مركزين للشرطة كل أسبوع. وقال اسحق أنّ المركز طلب أيضاً زياراتٍ للسجون العامة الرئيسية خارج القاهرة، بما في ذلك تلك الموجودة في محافظات صعيد مصر، المنيا وقنا، ومحافظات دلتا النيل، بنها وطنطا والمحلة، والمدينة الساحلية، بور سعيد. وأضاف “طلبنا زيارة سجنين رئيسيين كل شهر، مع حرية الوصول إلى السجناء والزنازين.”

ومع ذلك، يواجه المركز القومي لحقوق الإنسان عقباتٍ عدة، فلا يُسمح لأعضاء المركز القومي لحقوق الإنسان القيام بزيارات مفاجئة لأماكن الاحتجاز، إذ لا يتم ذلك سوى بأمرٍ من المدعي العام، كما يتوجب على المجلس القومي لحقوق الإنسان تقديم طلب إلى وزارة الداخلية لزيارة السجون ومرافق الاحتجاز، وإطلاعها مسبقاً على جميع التفاصيل. فضلاً عن ذلك، فإن مسؤولي السجن وضباط الشرطة غير ملزمين بتنفيذ هذه الطلبات، بما في ذلك طلبات لزيارة سجناء محددين أو حتى تفقّد الزنازين حيث يتم احتجاز السجناء. وفي زيارةٍ لسجن العقرب، لم يُسمح لأعضاء المركز القومي لحقوق الإنسان بزيارة زنازين السجن، إذ صرحت سُلطات السجن بعدم ضمان سلامتهم. وعندما طلبوا مقابلة سجناءٍ ممن يعانون تدهوراً في حالتهم الصحية، قوبل طلبهم بالرفض، وقُدمت لهم ملفاتهم الطبية فقط. وعلاوة على ذلك، رفض قادة بارزين في جماعة الإخوان المسلمين لقاء الوفد، متهمينهم بأنهم “عملاء” للحكومة.

كما انتقدت منظمات حقوقية مستقلة أعضاء المركز القومي لحقوق الإنسان، الذين عينهم رئيس الجمهورية. اتهم المركز القومي لحقوق الإنسان بموقفه المتساهل تجاه الحكومة وبتستره على الانتهاكات التي تحدث داخل مرافق الاحتجاز. ففي أواخر عام 2015، وجهت انتقادات قاسية للمركز عندما أشاد أحد أعضاءه البارزين، حافظ أبو سعدة، وهو ايضاً مدير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، بالأوضاع في سجن العقرب ووافق على تصويره أثناء تذوقه وجبات الطعام المعدّة للسجناء. كما استبعد أحد الوفود في زيارته لذات السجن في مناسبةٍ أخرى المدافعة البارزة عن حقوق الإنسان والعضوة في المركز القومي لحقوق الإنسان، راجية عمران. جاءت مبررات استبعاد عمران من الوفد لعدم تزويد اسمها للسلطات مُقدماً.

ومن بين أكثر مراكز الشرطة سيئة السمعة مركز المطرية في القاهرة وقد طلب المركز القومي لحقوق الإنسان زيارة المطرية. ووفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن المنظمة الحقوقية، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، توفي على الأقل 14 شخصاً من المحتجزين لدى السُلطات في المطرية في العامين الماضيين. أحد أبرز تلك القضايا، قضية المحامي كريم حمدي، الذي احتجز هناك في فبراير 2015. وبعد يومين فقط على اعتقاله، توفي، حيث أظهر تقرير الطب الشرعي آثاراً للتعذيب بما في ذلك كسور في الأضلاع وعلامات الصعق بالكهرباء، ونزيف في الدماغ. حُكم على اثنين من ضباط الأمن الوطني الذين اتهموا بتعذيب حمدي بالسجن لمدة خمس سنوات في ديسمبر الماضي، حيث قاما باستئناف الحكم.

كما تم توثيق حالات وفيات أثناء الحبس في مراكز أخرى للشرطة، بما في ذلك إمبابة، وعين شمس، والسلام وغيرها. فقد أدت وفاة طلعت شبيب في مركز الأقصر، وعفيفي عفيفي في مركز الاسماعلية بعد فترة قصيرة من القاء القبض عليهما في نوفمبر 2015، إلى احتجاجاتٍ واسعة من قِبل السكان المحليين. ففي قضية عفيفي، أحيل أربعة ضباط وخمسة رجال شرطة مباشرةً إلى المحكمة في محاولةٍ لتهدئة الغضب الشعبي. في أوائل فبراير 2016، حكم على ضابط الشرطة محمد ابراهيم بالسجن لمدة ثماني سنوات وغرامة قدرها 5000 جنيه مصري بعد إدانته بضرب عفيفي حتى الموت.

كما احتلت آخر تلك القضايا التي حدثت في أوائل عام 2016، عندما عُثر على الطالب الايطالي جوليانو ريجيني ميتاً في القاهرة بعد اختفائة لتسعة أيام، عناوين الصحف العالمية. وفي ضوء ذلك، نفت وزارة الداخلية المصرية التقارير التي تُشير إلى اعتقاله قبل وفاته، على الرغم من وجود “آثار للتعذيب” على جسده وفقاً لمحققين محليين والطبيب الإيطالي الذين فحصوا جثته. وفي أعقاب الوفيات التي يُعرف حدوثها في السجون أو مراكز الشرطة، أي في الحالات التي تتهم فيها أسر الضحايا الشرطة بالتعذيب، تُصدر وزارة الداخلية عادةً بياناتٍ تنكر فيها أي اساءة أو اعتداء، ويصرون على موت السجناء بسبب التدهور السريع في حالتهم الصحية أو شجارهم مع سجناء آخرين.

وعلى صعيدٍ متصل، يشكل نقص الرعاية الطبية في مراكز الاحتجاز مصدر قلقٍ رئيسي للمنظمات الحقوقية. فقد ذكر مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب وجود 137 حالة وفاة أثناء الاحتجاز عام 2015، بما في ذلك 81 حالة منهم بسبب عدم وجود الرعاية الطبية المناسبة كما يزعم. فضلاً عن ذلك، ووفقاً للتقارير، عانى 358 محتجزاً آخر من الإهمال الطبي. كما أورد التقرير وفاة 39 معتقل بسبب مزاعم التعذيب، في حين تم الإبلاغ عن 5 حالات انتحار. ومن بين أولئك الذين لقوا حتفهم، كان هناك سبع حالات في مركز شرطة المطرية، وتسعة في سجن الوادي الجديد، وخمسة في سجن العقرب.

كما وثق تقرير مركز النديم الصادر في عام 2015 أيضاً، 474 حالة قتل من قِبل قوات الأمن، و700 حالة تعذيب مزعومة، 267 منها يُقال أنها حدثت في مراكز الشرطة، و241 في السجون العامة، و97 في مقر وزارة الأمن الوطني التي تُعنى بالقضايا السياسية وقضايا الإرهاب، و26 في معسكرات الأمن المركزي.

بل إنّ مركز النديم نفسه تعرّض لتضييق متزايد من قِبل الحكومة، وفي 17 فبراير 2016، تلقى أوامر بأغلاقه من قِبل وزارة الصحة لوجود انتهاكات لم تتضح طبيعتها. وأوضح مركز النديم في بيانٍ صادر عنه، أن محاميه، طاهر أبو النصر، تمكن من تأجيل الإغلاق إلى أن يتمكن من الطعن بالقرار أمام المحكمة.

وعلى صعيدٍ آخر، فقد أدانت منظمات حقوق الإنسان الاكتظاظ في مراكز الشرطة والسجون على مدى العامين والنصف الماضية، ويرجع ذلك أساساً إلى المواجهة المستمرة بين الشرطة وأنصار جماعة الإخوان المسلمين. ففي مايو 2014، قدّر ويكي ثورة، وهو مشروعٌ للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، اعتقال أكثر من 40,000 شخص في السجون منذ عام 2013. ومع ذلك، تنفي وزارة الداخلية بشدة هذه الأرقام، مدعيةً أنها تقارير ملفقة. وفي لقاءٍ مع مجلة فورين بوليسي في فبراير 2016، وصف وزير الخارجية سامح شكري هذه التقديرات بالكاذبة. وبالرغم من ذلك، لا يوجد أرقام رسمية لأعداد السجناء. وفي سبتمبر 2015، قال رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب لحمدى رزق، وهو كاتب عمود ومُقدم برنامج حواري، أن هناك ما يقرب من 8000 معتقل في السجون المصرية.

فعلى الأقل، اعترفت وزارة الداخلية أن مراكز الشرطة، حيث ينبغي احتجاز المشتبه بهم مؤقتاً، تعاني من الاكتظاظ. وذكرت الوزارة أنها تحاول تحسين الأوضاع من خلال وضع مكييفات للهواء في عدة مواقع، ومن خلال توفير رعاية طبية أفضل. وعلاوة على ذلك، أعلن مسؤولون عن خطط لبناء عدة سجون جديدة لاستيعاب الأعداد المتزايدة من السجناء.