وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

دور المرشدات الدينية في محاربة التطرف في المغرب

طالبات مغربيات
طالبات مغربيات

في 28 نيسان من العام 2006، تخرجت 50 امرأة رائدة من أكاديمية الأئمة في العاصمة المغربية الرباط، بعد أن أنهين برنامجا متعدد التخصصات مدته 12 شهرا درسن خلاله علوم القرآن والحديث والشريعة، إلى جانب علوم الحوسبة وإدارة الأعمال والاقتصاد وعلم الاجتماع وعلم النفس والقانون. كما أن هؤلاء المرشدات الدينيات من حملة الشهادات الجامعية؛ فهن حاصلات على درجة البكالوريوس في الدراسات الإسلامية أو اللغة العربية من جامعات مغربية ويتقن اللغة العربية الفصحى.

هذا البرنامج الأكاديمي المغربي هو الأول من نوعه وهو يشير بشكل واضح إلى تحول في السياسة المغربية.  حيث يهدف إلى تحديث النظام الديني في مواجهة المخاوف المتزايدة من التطرف الديني، وتعزيز التفسيرات المعتدلة للإسلام، خصوصا لدى الإناث. وفي كل عام، يتم تدريب مجموعة جديدة من النساء من قبل وزارة الشؤون الدينية. وبحلول عام 2015 تم تدريب أكثر من 500 مرشدة دينية.

انطلقت فكرة المرشدات الدينيات بقيادة الملك محمد السادس والحكومة في أعقاب الهجمات الإرهابية التي وقعت في الدار البيضاء بتاريخ 16 أيار من العام 2003، والتي أودت بحياة 45 شخصا وخلفت عشرات الجرحى. وكان الملك قد بدأ بالفعل بإعادة تشكيل الهياكل الدينية لكبح جماح أية حركات تطرف تأتي من الجزائر المجاورة التي تسببت فيها أعمال العنف بين القوات الحكومية والمسلحين الإسلاميين بمقتل ما يزيد عن 150 ألف وفاة منذ عام 1992. كما عين الملك محمد السادس مسلما صوفيا (أي شخصية روحية لا مذهبية) لرئاسة وزارة الشؤون الدينية. وكان الملك أيضا قد أصدر مرسوما يمنع فيه أئمة المساجد عن الحديث في شؤون السياسة، إلا أن التفجيرات الانتحارية المتزامنة التي ضربت أهدافا يهودية وأجنبية في الدار البيضاء جعلت من مبادرة الإرشاد الديني ضرورة ملحة.

في هذه الأثناء، ألقي القبض على أكثر من 2000 شخص خلال مداهمات للشرطة بعيد الهجمات، حيث تعهد الملك بأن تكون هجمات الدار البيضاء هي الاخيرة في المغرب. وخلص المحققون في حينها أن الجهات التي تقف وراء الهجمات سعت إلى تجنيد أشخاص في منطقة سيدي مومن وأحياء فقيرة مزدحمة أخرى من جميع أنحاء الدار البيضاء، أكبر مدينة في المملكة المغربية.

بدأت الحكومة بعد تلك الهجمات بشن حملة واسعة لإصلاح الشؤون الدينية وهيكلة المساجد.فقبل أيار من العام 2003، كان ما يزيد عن ثلث المساجد في المغرب خارج سيطرة الحكومة حيث كان يجري بناء المساجد دون التقيد بالقوانين وفي كثير من الأحيان دون الحصول على أذونات رسمية من السلطات. وفي عام 2015، أصبحت جميع المساجد تقيم نشاطاتها تحت إشراف السلطات، كما يخضع الأئمة للاختبارات قبل السماح لهم بالعمل. أما الخطب الدينية، فيجب أن تتم بموافقة السلطات كما يتم رصد الأنشطة الدينية في المساجد من قبل ممثلين عن الحكومة.

وفي إطار زيادة التدخل الحكومي في الحياة الدينية للمواطنين، تتولى المرشدات الدينية عددا من المهام والواجبات. فهن يقدمن النصح والمشورة الدينية للنساء والأطفال في المساجد والمدارس والمستشفيات والسجون وغيرها من المؤسسات العامة. أما الأشخاص والفئات المحتاجة للنصح فهم في الغالب أمهات لديهن أسئلة حول طرق التواصل مع أبنائهن، أو زوجات يسعين إلى ضمان نجاح الحياة الزوجية دون مخالفة تعاليم القرآن. ومن الفئات المستهدفة أيضا الشابات اللواتي يطلبن المشورة حول ارتداء الحجاب أو غطاء الرأس أو كيفية أداء الوضوء بشكل صحيح.

وتقدم المرشدات الدينيات أيضا الدعم المعنوي والمشورة للنساء والمعلمات حول كيفية منع الشباب من الانجرار الى التطرف، وذلك من خلال مناقشة تلك المسائل معهم علنا وتشجيع الشباب على تحدي أفكار التطرف وتحمل مسؤولية أفعالهم. كما تحث المرشدات الدينية المدارس على مساعدة الطلبة في تحليل الرسائل الإعلامية بطريقة نقدية ومنع الطلبة من الوصول إلى الدخول إلى مواقع تنشر مواد غير قانونية أو غير لائقة.

ويفيد محمد محفوظ، مدير المركز التابع لوزارة الشؤون الدينية الذي تولى تدريب الدفعة الأولى من المرشدات الدينية في عام 2006، بأن المرشدات هن نساء رائدات في مكافحة أية توجهات نحو التطرف في ممارسة تعاليم الدين الإسلامي. وعلى الرغم من ذلك التدريب المكثف، إلا أن المرشدات الدينية غير مصرح لهن بلعب دور الإمامة في الصلوات أو حتى شغل منصب إمام مسجد. وتبرر السلطات الدينية الرسمية في المغرب ذلك القرار بأنه مستند إلى اعتبار أنه لا توجد سابقة تاريخية لذلك الأمر في المغرب. وفي الوقت الحاضر، لا توجد أية ضغوط جدية من قبل النساء لتغيير هذا الوضع.

يرى غالبية المغاربة في المرشدات الدينية خطوة جدية أخرى نحو التسامح والمساواة والحداثة. وفي الواقع، كانت المبادرة ناجحة بحيث تبنتها دول إسلامية أخرى لا سيما مصر وتركيا والتي بدأت منذ ذلك الحين بتدريب المئات من المرشدات الدينية النسائية في تلك البلاد.