وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

في غزة، حراك “بدنا نعيش،” صرخة شعب يعيش تحت مستوى الفقر

يعتبر قطاع غزة من أكثر مناطق العالم ذات الكثافة السكانية العالية، حيث يعيش أكثر من مليوني فلسطيني على منطقة لا تتجاوز مساحتها الجغرافية 360 كليو متر مربع. ومنذ فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006 وسيطرة الحركة على قطاع غزة بالقوة منتصف عام 2007، فرضت إسرائيل حصاراً سياسياً واقتصادياً على قطاع غزة.

فمنذ فرض الحصار أصبح الوضع في غزة من سيء الى أسوأ. فلا توجد كهرباء متواصلة، ولا مياه نظيفة، ولا غذاء ولا دواء يغطي الاحتياج، فضلاً عن ثلاثة حروب شنها الاحتلال الإسرائيلي خلال العقد الأخير من الزمن على قطاع غزة، حيث تم تدمير أجزاء كبيرة من البنية التحتية وعدد كبير من المصانع أصبحت ركاماً.

وفي الوقت نفسه، باءت جميع محاولات المصالحة الداخلية الفلسطينية بالفشل. فقد زادت القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية من حدة تأزم الوضع في غزة بهدف الضغط على حركة حماس لتسليم قطاع غزة للسلطة الفلسطينية، حيث قلصت السلطة الفلسطينية، على سبيل المثال، دفع فاتورة النفقات التشغيلية لكل من وزارة الصحة والتعليم، وتم تقليص رواتب موظفين السلطة الفلسطينية الى 50% منذ شهر مارس لعام 2017، مما أضعف القوة الشرائية بشكل غير مسبوق، وزادت حدة ضعف الدورة الاقتصادية، وارتفعت نسبة البطالة والفقر الى نسبة عالية لم تشهدها مطلقا في السابق.

بدورها أصبحت حركة حماس تبحث عن وسائل إضافية لزيادة الإيرادات الحكومية، حيث وجدت ضالتها في رفع قيمة الضرائب على مجموعة من البضائع والخدمات ومنها الخبز والتبغ.

مظاهرات تقمع بعنف

بناءاً على ذلك دعت مجموعة من النشطاء الى وقفات احتجاجية بتاريخ 12 مارس 2019. وعلى الفور اعتقلت الأجهزة الأمنية في قطاع غزة سبعة شبان للتحقيق معهم. ومع ذلك، لم يمنع اعتقال المجموعة من خروج المئات من الشباب بشكل عفوي بعد يومين في مخيمات اللاجئين في قطاع غزة في جباليا وبيت لاهيا ودير البلح والنصيرات وخانيونس ورفح، في احتجاجات تحت مسمى “بدنا نعيش.”

قمعت وزارة الداخلية في قطاع غزة بكل قوة المظاهرات، حيث تم اعتقال عشرات النشطاء وتم التعدي بالضرب على المئات من المتظاهرين، منهم عدد كبير من الصحفيين، ومن موظفي مؤسسات حقوق الانسان، عرف من بينهم جميل سرحان، مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في غزة.

المظاهرات التي امتدت لنحو أسبوع من الزمن فحسب، كانت أكبر من مجرد اعتصامات أو مظاهرة للتنفيس عن الغضب، وإنما حراكٌ يُحاول الاستمرار والتمدد إلى حين تحقيق مطالب محددة. وأصبح واضحاً أن حركة حماس بالأسلوب القمعي الذي اتخذته تدخل في نفق من الأخطاء لا يُمكن تجاوزها أو تجاهلها.

حركة فتح، الخصم السياسي لحركة حماس، لم تتردد في الاستفادة من هذه الفرصة لتحقيق مكاسب سياسية. العديد من قادة حركة فتح، بالإضافة الى العديد من الشخصيات الوطنية من الأحزاب اليسارية صبوا انتقادهم اللاذع على حماس بسبب الأسلوب القمعي التي تمارسه ضد المتظاهرين المدنيين. من بعيد كانت إسرائيل تُراقب ما يجري في قطاع غزة، وتأمل ان تنهار الحركة وبالتالي يتحقق هدفٌ لإسرائيل عجزت عن تحقيقه لسنوات دون أن تدفع الثمن.

افتعال ازمة خارجية للتخلص من الازمة الداخلية

Palestine- Gaza demos
متظاهر فلسطيني يرتدي قناع جاي فوكس أثناء حمله العلم الفلسطيني ومقلاعاً خلال اشتباكاتٍ في أعقاب مظاهرة على طول الشريط الحدودي مع إسرائيل، شرق مدينة غزة في 1 مارس 2019. Photo AFP

اعتبرت حركة حماس أن ما يحدث من مظاهرات تحت مسمى “بدنا نعيش” هو مجرد مؤامرة كبرى من اجل اسقاطها واسقاط برنامج المقاومة الفلسطينية. فقد تمثل تخوف متخذي القرار في قطاع غزة في أن يتحول الوضع المتأزم إلى اقتتال داخلي على شاكلة احداث عام 2007، جعل البعض يسعى إلى تحويل الصراع من داخلي الى صراع مع إسرائيل.

نتيجةً لذلك، تم إطلاق صاروخ فجر يوم 25 مارس وصل الى شمال مدينة تل أبيب، حيث تم تسجيل عدد من الإصابات بين صفوف الإسرائيليين. حماس تحدثت في وسائل الاعلام بان هناك خلل فني طرأ على الصاروخ ولم يكن مقصود اطلاقه تجاه تل ابيب. وفي ظل الأجواء التي سبقت الانتخابات الإسرائيلية في 9 أبريل، كانت ردود الفعل الإسرائيلية بين السياسيين الإسرائيليين متشددة للغاية وطالب العديد بإعادة سياسية الاغتيالات بين صفوف قادة حركة حماس والجهاد الإسلامي.

الرد الإسرائيلي جاء بسلسلةٍ من القصف الإسرائيلي العنيف على مدار نحو 5 ساعات في نفس اليوم على أهداف متفرقة في قطاع غزة لعددٍ من مقار الأجهزة الأمنية والمدنية. من أبرز المواقع المستهدفة مكتب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، ومقر الأمن الداخلي بغزة، ومقر شركة الملتزم بغزة. في المقابل أطلقت فصائل المقاومة رشقات صاروخية على مستوطنات غلاف غزة.

وساطة مصرية تنزع فتيل مواجهة الجديدة

الوساطة المصرية لم تتأخر، حيث عقد وفد من جهاز المخابرات المصرية برئاسة مسؤول الملف الفلسطيني بجهاز المخابرات العامة المصرية اللواء أحمد عبد الخالق جولة من المباحثات بين تل أبيب وغزة من اجل تثبيت التهدئة بين الطرفين.

بموجب الإتفاق، توافق إسرائيل على زيادة مساحة الصيد المسموحة للفلسطينين على سواحل غزة لـ 15 ميلاً، وتقليص المواد ثنائية الاستخدام الممنوع توريدها، وتسريع إجراءات الاستيراد والتصدير، بالإضافة الى سماح إسرائيل بتزويد القطاع بـ 30 مليون دولار شهرياً لصالح الفقراء وخلق فرص عمل للشباب حتى نهاية العام الجاري بتمويل من قطر، وزيادة برامج التشغيل عبر المؤسسات الدولية، وتوفير 40 ألف فرصة عمل لمدة 6 أشهر.

كما تضمنت بنود الاتفاق على توريد الوقود لمحطة توليد الكهرباء في غزة والبدء بخطوات عملية لتمديد خط كهرباء جديد من إسرائيل بتمويل من قطر والبنك الإسلامي للتنمية.

من جانبها تلتزم حركة حماس بوقف جميع الاعمال العدائية تجاه إسرائيل وخاصة الوقف التام لإطلاق البالونات الحارقة، ووقف ما يسمى بالإرباك الليلي، ومسيرات الساحل الأسبوعية باتجاه مستوطنة زكيم، ومنع المتظاهرين لمسيرات العودة كل يوم جمعة من الإقتراب مسافة 300 متر عن السياج الحدودي. كانت إسرائيل مهتمة فقط بيوم 30 مارس. فقد كان الاتفاق محصوراً فحسب بالذكرى السنوية الأولى لمسيرات العودة في 30 مارس.

لم ترسل حماس أي متطوعين لوقف تحركات المحتجين في مظاهرات 12 أبريل. وافقت إسرائيل مجبرة على إطار التهدئة والذي تضمن جداول زمنية من أجل ان تتحمل حركة حماس مسؤوليتها في ضبط الأوضاع الميدانية في مظاهرات الذكرى السنوية الأولى لمسيرات العودة. فقد سمحت إسرائيل بتوسيع مساحة الصيد لمسافة 15 ميلاً وذلك للمرة الأولى منذ العام 2000، وعليه نشرت حركة حماس بتاريخ 30 مارس 2019 أكثر من 8000 متطوع يلبسون السترات البرتقالية على امتداد السياج مع إسرائيل من اجل منع المتظاهرين من الاقتراب لنقاط التماس مع الجانب الإسرائيلي.

فقد كان أمام إسرائيل خياران لا ثالث لهما: إما خوض حرب جديدة ضد حماس، وإما التعاطي مع حركة حماس كواقع لا يمكن تجاهله. ما منع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من خوض حرب جديدة على قطاع غزة هي الأجواء الانتخابية الإسرائيلية- فهو لا يريد خسارة هذه الانتخابات بسبب حرب يمكن تأجيلها الى وقتٍ آخر.

ومع ذلك، إن الوضع في غزة على حافة الانهيار أصلاً نتيجة الحصار المستمر منذ عقدٍ من الزمان، كما أن قمع حماس لحراك “بدنا نعيش” دفع الأمور إلى الهاوية أكثر فأكثر. وعلاوةً على ذلك، من المتوقع أن يتحول الانفجار الداخلي الى خارجي يطال إسرائيل أيضاً.