وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

في مصر، الإمام الأكبر يتبع الفقه التقليدي في المسائل الحديثة

Specials- al-Azhar
مسلمون يقيمون ليلة القدر خلال شهر رمضان المبارك في مسجد الأزهر الشريف في العاصمة المصرية القاهرة في ١١ يونيو ٢٠١٨. Photo AFP

احتل الشيخ أحمد الطيب، الإمام الأكبر للأزهر الشريف في مصر، عناوين الأخبار في أوائل مارس 2019، في أعقاب تصريحاته بشأن تعدد الزوجات في مقابلةٍ تلفزيونية.

“تعدد الزوجات ظلم للمرأة،” بحسب قوله وما تم تداوله على نطاقٍ واسع، مما أثار ردود فعلٍ غاضبة وداعمة في وسائل الإعلام التقليدية وعلى شبكة الإنترنت. فقد شجع بعض الدعاة، معظمهم من السلفيين، تعدد الزوجات، بينما فسّر آخرون كلمات الطيب على أنها دعوة لإصلاح هذه الممارسة. فالإسلام يسمح بالزواج من ما يصل إلى أربع نساء، رغم أن هذا نادراً ما يحدث في معظم الدول ذات الأغلبية المسلمة وغالباً ما يكون غير مقبول اجتماعياً.

وبصفته زعيماً للسلطة الإسلامية السُنيّة الرائدة في العالم – فضلاً عن اختياره كأكثر المسلمين نفوذاً في عامي 2016 و2017- يعدّ الطيب شخصيةً دينية مهمة. بالنسبة للكثيرين، والدولة المصرية على وجه الخصوص، يُنظر إلى الأزهر على أنه ثقل موازن للفكر المتطرف لجماعاتٍ مثل تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية المعلنة ذاتياً. فقد دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي مراراً وتكراراً إلى تجديد الخطاب الديني لمواجهة التطرف، ويرى أن الأزهر وسيلة غاية في الأهمية لتحقيق ذلك.

ومع ذلك، يبدو أن مدلولات تعليق الطيب حول تعدد الزوجات مبالغ بها.

وبحسب ما قاله لنا في فَنَك، إتش إيه هيلر، وهو زميلٌ بارز في المجلس الأطلسي ومقره الولايات المتحدة، “لم يكن ما قاله جديداً، إذ أن هذا هو الموقف المعتاد تجاه تعدد الزوجات.”

بتفحص كلماته عن كثب، نجد أنه كرر وفسّر الآية القرآنية التي يُذكر فيها تعدد الزوجات.

وقال الطيب، “تشهد مسألة تعدد الزوجات ظلماً للمرأة والأبناء في كثير من الأحيان… التعدد مشروطٌ بالعدل، وإذا لم يوجد العدل فالتعدد محرم.”

وبحسب ما ورد في القرآن الكريم في سورة النساء:” فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا.”

وفي حين أن التفسيرات المتعددة لهذه الآية ممكنة، إلا أن التفسير العام هو أن تعدد الزوجات مشروطٌ بالقدرة على معاملة جميع الزوجات بإنصاف.

وقال الباحث عمرو عزت من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية لـ فَنَك، “تصريح الأمام الأكبر يتبع الرأي التقليدي في هذا الشأن، وهو أن العدل هو الشرط الرئيسي لتعدد الزوجات.”

ورداً على الغضب الناجم عن تعليقات الطيب، سرعان ما أصدر الأزهر بياناً يوضح فيه أن الإمام الأكبر لم يدعو بأي حالٍ إلى تحريم تعدد الزوجات أو فرض قيودٍ قانونية عليه.

يعتقد عزت أن بعض الجماعات بالغت في التعليقات في وسائل الإعلام لمصلحتها الذاتية. وأضاف أن أولئك الذين يضغطون لتجديد الخطاب الديني أضافوا وزناً أكبر للتعليقات “لأسباب دعائية.” كما أشار إلى أن الإخوان المسلمين وغيرهم من الإسلاميين قد سلطوا الضوء على هذه التصريحات لأنها تتناسب مع روايتهم بأن الدولة تسعى إلى “تدمير الشريعة الإسلامية.”

وفي أغسطس 2018، أدلى الطيب بتعليقاتٍ فسرها البعض على أنها تُظهر وجهة نظر الأزهر “المعتدلة” حول الإسلام. فقد قال إن التحرش الجنسي غير مسموحٍ به في الإسلام بغض النظر عن الطريقة التي ترتدي فيها المرأة أو الفتاة ملابسها.

ولكن مرةً أخرى لم يحيد عن التعاليم الإسلامية التقليدية. وقال عزت “إن [التصريح] المتعلق بالتحرش هو أيضاً رأي معتاد يتوافق مع الفقه الإسلامي.” وأضاف “ومع ذلك، فإنه يرد على وجهات النظر الشعبية بأن المرأة أو ملابسها هي المسؤولة عن تعرضها للتحرش.”

كما يرى عزت تطوراً إيجابياً في الخطاب الإعلامي للطيب الذي يظهر “إدراكاً في التعامل مع القضايا المتعلقة بالمرأة، واقترابه من الخطاب النسوي. لكن هذا يحدث من خلال الاعتماد على الفقه التقليدي لمواجهة المفاهيم الشعبية والدعاية المضادة للتيارات الإسلامية.”

وقال هيلر: “أن يكون صريحاً حول هذا الموضوع هو أمرٌ جديد، إلا أن هذا ليس فحوى الموضوع،” مضيفًا أن البيان اتبع نفس النمط الذي اتبعته تعليقات الطيب السابقة حول التحرش الجنسي ولكنه “أكثر وضوحاً.”

تاريخياً، لطالما كان الأزهر مقرباً من الدولة، ولم يتغير ذلك في ظل الطيب. وطوال سنوات ما بعد الثورة المضطربة منذ عام 2011، تمكن الطيب من الحفاظ على دور الأزهر الرئيسي في ديناميات السلطة في مصر وتعزيز موقفه.

لكن دعوة السيسي لتجديد الخطاب الديني لم تقابل بحماس من الأزهر. كما كتبنا في فَنَك في أكتوبر 2018، إذ يبدو أن الطيب لا يرى حاجةً لتجديد الخطاب الإسلامي؛ بل يجب تعليمها بشكلٍ أفضل من أجل منع الناس من استخدام الدين لتبرير العنف والتطرف.

فقد تعرضت العلاقة ما بين الدولة والأزهر للاختبار مؤخراً عندما ظهرت تقارير تفيد بأن التعديلات الدستورية المقترحة في البرلمان في فبراير ستشمل تغييراً في عملية اختيار الإمام الأكبر، وبدلاً من أن يتم اختياره من قبل علماء الأزهر، سيعين الرئيس الإمام الأكبر. ومع ذلك، سرعان ما تم إلغاء هذه التعديلات من قبل أعضاء البرلمان، كما أفاد موقع مدى مصر الإلكتروني بالتفصيل، مما يدل على أن الطيب قادرٌ على الحفاظ على منصبه القوي.

وفي الحالات السابقة، أظهر الأزهر أيضاً أنه لن ينحرف عن الفقه الإسلامي التقليدي. فعلى سبيل المثال، عندما أصدرت تونس قانوناً يسمح بالمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، قال الأزهر إن هذا لا يتوافق مع الشريعة، كمت شجب الأزهر أيضاً مسجداً في ألمانيا حيث يُسمح للنساء والرجال بالصلاة معاً. ومع ذلك، امتنعت المؤسسة عن إدانة مقاتلي الدولة الإسلامية باعتبارهم مرتدين، لأن الله وحده هو الذي يستطيع أن يحكم على من مسلم ومن غير ذلك.

علاوةً على ذلك، الأزهر أكبر من الطيب وحده، ويشمل تصوراتٍ وآراء مختلفة في صفوفه. فقد قال عزت إن الملاحظات الإيجابية حول قضايا المرأة “تعكس إستراتيجية الطيب الخاصة، وليس المؤسسة أو فرق العمل التابعة لها.”