وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

فلسطين، جرائم الشرف تُشعل الجدل حول العنف القائم على أساس نوع الجنس

Honour killing palestine
نساء فلسطينيات يحملن لافتاتٍ في مظاهرة ضد جرائم الشرف في مدينة رام الله في الضفة الغربية، في 6 مارس 2014. Photo: ABBAS MOMANI / AFP

توفيت إسراء غريب متأثرة بجراحها في 22 أغسطس 2019، بعد نقلها إلى المستشفى في أعقاب ما وصفه العديد من الناشطين بجريمة الشرف، مما أدى إلى إندلاع موجةٍ من الغضب والاحتجاج في فلسطين.

انتفض المواطنون ضد ما يدعون أنه قضايا طال أمدها في البلاد الناشئة عن فقهٍ قضائي بالٍ والمواقف المتراخية تجاه المسؤولين عن العنف القائم على نوع الجنس ومحاسبتهم. لم يقتصر الأمر على مطالبتهم بالعدالة لإسراء من خلال إجراء تحقيقٍ كامل في وفاتها، بل طالبوا أيضاً بتغيير القوانين الفلسطينية والاعتراف بالقضايا المنهجية التي يمكن أن تديم العنف ضد المرأة.

فقد كانت إسراء غريب البالغة من العمر 22 عاماً أخصائية مكياج من بلدة بيت ساحور، بالقرب من بيت لحم في الضفة الغربية المحتلة.

نشرت إسراء فيديو لها ولخطيبها وهما يستمتعان بوقتهما على موقع إنستغرام. تدعي بعض التقارير أن أسرة إسراء كانت على علمٍ بخطبتها، إلا أنه بالنسبة لبعض المسلمين المحافظين، كان خروجها قبل زفافها تصرفاً غير مناسب قد يجلب العار لأسرتها.

وبحسب ما ورد دفع ذلك أقاربها الذكور إلى ضربها حتى الموت، فقد تم توزيع تسجيل صوتي لإحدى الممرضات من قبل صديقات إسراء، سُمع فيه إبنة عم إسراء وهي تتذمر لأحد أشقائها من الفيديو.

أصدرت أسرتها بياناً تنفي فيه هذا الإدعاء، قائلةً أن إسراء قفزت من شرفة المنزل في الطابق الثاني مما تسبب بسكرٍ في عمودها الفقري وجرحٍ قطعي في وجهها. وأضاف البيان أنها “ملبوسة بالجن،” وأنها كانت تخضع لـ”العلاج” على يد أحد الشيوخ.

كانت الحادثة فرصةً بالنسبة للبعض لانتقاد الإسلام والثقافة العربية، بينما أشار آخرون إلى الأصول الاستعمارية للقوانين التي تُسمى بجرائم الشرف، وخاصة قانون العقوبات الفرنسي الصادر في حقبة نابليون عام 1810 والذي يتسامح مع “جرائم فورة الغضب،” والتي لم يتم إلغاؤها في فرنسا أو إيطاليا حتى عام 1975 وعام 1981 على التوالي. كما أن العديد من القوانين الفلسطينية موروثة من اللوائح الأردنية التي سبقت الاحتلال الإسرائيلي وإنشاء السلطة الفلسطينية.

فقد افتقرت القوانين القديمة، التي لا تزال قائمة في فلسطين، إلى الإصلاح إلى حدٍ كبير، مما دفع جماعات حقوق المرأة إلى توجيه أصابع الاتهام إلى السلطة الفلسطينية، قائلة إن التساهل الذي تتيحه يسمح لمن يرتكبون جرائم الشرف بالإفلات من العقاب، مع إحجام الدولة عن التدخل في المجال الخاص.

وأكد المتحدث باسم الشرطة الفلسطينية لؤي زريقات أن جرائم الشرف قد انخفضت في السنوات الأخيرة، قائلاً: “لم تعد جرائم القتل التي تعرف باسم جرائم ‘الشرف‘ موجودة في مجتمعنا، ونحن لا نعترف بهذا المصطلح.”

وأضاف: “مجتمعنا يحترم النساء ويساعدهن ويدعمهن ويسمح لهن بالعمل ليكنّ شريكاتٍ في الحياة ونضالاتها.”

ووفقاً لباحثة حقوق المرأة حليمة أبو صلب، من أجل الامتثال لاتفاقيات حقوق المرأة في القانون الدولي، التي وقعت عليها السلطة الفلسطينية، ينبغي أن يكون هناك إصلاح شامل للقوانين المتعلقة بحماية الأسرة لضمان معاملة العنف المنزلي وإساءة معاملة الأطفال بصرامة كغيرها من الجرائم الأخرى.

ومع ذلك، كان هناك سلسلة من الإصلاحات منذ عام 2011، فعلى سبيل المثال، تم إلغاء المادتين 98 و99 من قانون العقوبات “الذي يمنح القضاة القدرة على تخفيض الأحكام بشكل كبير” إذا كانت هناك “أسباب مخففة،” أخيراً في عام 2018.

لكن وفقاً لأمل أبو سرور، مديرة البرامج في مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي، يمكن القيام بالمزيد لمكافحة جرائم قتل النساء، حيث يتم في كثير من الأحيان التستر على الجرائم باعتبارها ببساطة جرائم انتحار. وقد لاحظت المنظمة ارتفاعاً في عدد حالات الانتحار المسجلة عقب الوفيات المشبوهة.

ففي بعض الأحيان، تُجبر المرأة على الانتحار، أو يتم الإبلاغ ببساطة عن الحالة على أنها انتحار، دون تحقيق، على حد قول أبو سرور، “ما نحتاج إليه هو أن يكون هناك إصلاح قانوني كلّي وشامل من أجل حماية المرأة ودعم الضحايا للوصول إلى العدالة.”

بينما اقترح فريد الأطرش من الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في فلسطين ضرورة وجود نهج مؤسسي وبرامجي أكثر، وينبغي أن يكون المسؤولون عن السياسة القانونية على دراية جيدة بالمساواة بين الجنسين ومكافحة العنف ضد المرأة. بالإضافة إلى ذلك، قال: “يجب أن تكون القوانين الجديدة مصحوبة ببرامج توعية.”

وعلى الرغم من الانخفاض المزعوم للعنف القائم على نوع الجنس، وفقاً للسلطة الفلسطينية، قالت هيئة الأمم المتحدة للمرأة إن حوالي 30% من جميع النساء المتزوجات في الضفة الغربية و50% في غزة “تعرضن لشكل من أشكال العنف داخل الأسرة.”

تلتزم معظم الضحايا الصمت، ولا يقمنّ بإيداع قرار الإتهام لتجنب إلحاق الأذى بأسرهم أو التعرض للمزيد من الإساءة.

من جهتها، أفادت منظمة العفو الدولية أنه في عام 2018، وقعت 21 امرأة وفتاة فلسطينية ضحايا لجرائم الشرف. وقالت جماعات أخرى إن 18 امرأة قد لقينّ حتفهن حتى الآن في عام 2019.

إلا أن أرقام السلطة الفلسطينية أقل بكثير. ووفقاً للأرقام الرسمية، وقعت أربع جرائم قتل راح ضحيتها نساء في عام 2017، وصفت واحدة منهن بأنها “جريمة شرف،” وثلاث منها جرائم قتل وجريمة شرف واحدة وقعت في عام 2018 وحدثت أربع جرائم قتلٍ للنساء، بما في ذلك جريمة شرف واحدة، في عام 2019.

وبحسب مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي، وقعت 23 جريمة قتل في عام 2013، منها 13 جريمة في الضفة الغربية وعشر جرائم في غزة.

كما يُقال إن جرائم قتل النساء، بما في ذلك تلك الواقعة ضمن سياق جرائم الشرف، تدل على التهميش الأوسع نطاقاً للمرأة والإيذاء الناتج عنه، والذي ينتشر بشكل خاص في المجتمعات الأبوية ولكن يحدث في جميع أنحاء العالم.

كما أن هناك أيضاً أدلة تشير إلى أن العنف المنزلي أو العنف القائم على نوع الجنس من المرجح أن يحدث في الأوضاع الأكثر اضطراباً، حيث توجد مشاكل مجتمعية أكثر منهجية مرتبطة بالصعوبات الاقتصادية والصراع وانعدام الأمن.

وفي هذا الصدد، أوضحت أبو سرور إن فلسطين تواجه ليس فقط المعايير الأبوية، بل أيضاً عنف الاحتلال، حيث يتم نقل القمع من جانب أحد الأطراف ممن يتحملون العبء الأكبر منه لأفراد المجتمع الأكثر ضعفاً، وفي هذه الحالة النساء والأطفال.

تدعم الأبحاث التي أجرتها الأمم المتحدة هذا الادعاء، ووجدت أن العنف الأسري ارتفع إلى 22% ضد النساء المتزوجات وإلى 30% ضد النساء غير المتزوجات خلال عملية الجرف الصامد في غزة في عام 2014.

بينما أعرب فلسطينيون آخرون عن أسفهم لأن القضايا المجتمعية خارج مناطق الاحتلال والتي تتطلب الاهتمام قد تم تعليقها إلى أن يصبح هناك “تحرير وطني،” بحسب قول ريا الصناع، المنظمة المشاركة للاحتجاجات الأخيرة، لمجموعة المونيتور الإعلامية في الشرق الأوسط، مضيفة: “ما نوع التحرير الذي نتحدث عنه إذا لم يشمل النساء؟”.

في نهاية المطاف، ألقي القبض على ثلاثة من أفراد عائلة إسراء غريب. ومع ذلك، حكم المدعي العام الفلسطيني أكرم الخطيب بأن جريمة الشرف ليست عاملاً في وفاتها.

على الرغم من ذلك، كان بعض المتظاهرين سعداء بالنتيجة، كما أثارت القضية جدلاً داخل الضفة الغربية بما في ذلك عبر الأفلام، إذ سيكون شعار مهرجان أيام فلسطين السينمائية السنوي السادس “لا يعني لا،” وسيتم بحث جرائم الشرف على مدار الحدث.

أثارت وفاة إسراء غريب المفاجئة الغضب اللازم لاتخاذ إجراءاتٍ جادة، ولكن قد لا تكون أعمال العدالة الفردية، رغم أهميتها، كافية لمكافحة القضايا المنهجية المتعلقة بالعنف ضد المرأة. قد يكون الإصلاح المؤسسي الأعمق ضرورياً لتغيير طويل الأمد وجذريٍ على نحوٍ أكبر..