وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

سوريا: كيف أصبح مخيم اليرموك جحيماً لا يُطاق

syria yarmouk palestinian refugees
سوريون يساعدون جرحى مدنيين من مخيم اليرموك بعد الهجوم الصاروخي من قبل قوات موالية للاسد, 7 أبريل دمشق, سوريا Photo Rami el Sayed

يعد مخيم اليرموك، الذي تأسس عام 1957 كمخيم للاجئين جنوب العاصمة دمشق، أكبر مخيمات اللجوء الفلسطينية في سورية، وكان يقطنه قبل شهر كانون الأول (ديسمبر) 2012 نحو 400.000 نسمة جلهم من أصول فلسطينية، أي أنهم أبناء أو أحفاد فلسطينيين هُجّروا من فلسطين إلى سورية في العام 1948 إثر الحرب العربية الإسرائيلية.
وقد شكل المخيم حاضنة للعمل السياسي الفلسطيني على مدى عقود من الزمن، فعندما تولى حزب البعث السلطة في سورية عام 1963، قام الحزب بتقديم الدعم لحركات المقاومة الفلسطينية وسمح لها بإقامة مقرات في المخيم، وكان من بين تلك الفصائل حركة فتح، والجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية.

ظلت حركة فتح الأكثر تمثيلاً في المخيم إلى حين نشوب الخلاف بين الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وزعيم حركة فتح الراحل ياسر عرفات في ثمانينيات القرن الماضي، فخرجت فتح من المخيم إثر ذلك وحلت محلها حركات فلسطينية موالية لنظام الأسد منها الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة وفتح الانتفاضة (مجموعة انشقت عن حركة فتح بدعم من النظام السوري في العام 1985) وحركتا حماس والجهاد الإسلامي اللتان انتقلت قيادتهما إلى دمشق نهاية عام 1999.

يقول الناشط الإعلامي مصطفى خلف من مخيم اليرموك أنه مع بدايات الثورة السورية ضد حكم الرئيس بشار الأسد في مطلع العام 2011، برز انقسام على المستوى الشعبي في المخيم حيال ما يجري، “فاصطف جزء من سكانه إلى جانب النظام بدعوى أن الحكومة السورية لطالما عاملت اللاجئ الفلسطيني معاملة المواطن السوري، ورأى جزء آخر أن فلسطينيي سورية نالوا من التغول الأمني للنظام كما نال السوريون واستنكروا وحشية النظام في قمع الاحتجاجات، في حين دعا قسم منهم إلى تحييد المخيم، إذ اعتبروا أن الفلسطينيين لا يزالون ضيوفاً في البلاد مهما طالت إقامتهم فيها.”

سُجّلت أولى المظاهرات المنددة بالنظام في المخيم في مطلع العام 2012، ويروي خلف أنه ما كان من قوات النظام إلا أن واجهت تلك الاحتجاجات بذات العنف. ويضيف، انه لأجل هذا الغرض، استعان النظام بالجبهة الشعبية ـ القيادة العامة، إذ قام بتزويد كوادرها بالسلاح لتقوم بفض الاحتجاجات وإبقاء المخيم تحت سيطرة الدولة السورية، وذلك من خلال التصدي لأي محاولة من قوات المعارضة المسلحة الدخول إليه.

على مدى العام 2012، كانت التقارير تتحدث عن سقوط المناطق المحيطة بالمخيم بيد مقاتلي المعارضة واحدة تلو الأخرى، وغدا المخيم محاطاً بمعاقل لفصائل المعارضة المسلحة، وأهمها جبهة النصرة، وكان من تلك المناطق الحجر الأسود ودف الشوك ويلدا. ويقول حسن النادر، وهو أحد سكان المخيم في تلك الفترة، أن المخيم شكل في تلك الأثناء ملاذاً آمناً للعوائل النازحة من جبهات النزاع ومن مناطق سيطرة المعارضة التي كان النظام يمطرها بالصواريخ والقذائف بشكل يومي، وقد استقبل حسن في منزله في المخيم إحدى تلك العائلات لنحو شهر من الزمن.

لكن حسب خلف والنادر فإن قوات النظام أخذت في تلك الفترة تغير على المخيم وتقوم باعتقالات عشوائية استهدفت أهالي اليرموك إلى جانب النازحين. ويضيف خلف أن “قوات النظام قامت أيضاً بقصف المخيم عدة مرات خلال استهدافها لمقاتلي المعارضة الذين كانوا يسيطرون على أطرافه، مما أوقع عشرات من الضحايا المدنيين وزاد من احتقان الشارع هناك، فازدادت وتيرة الاحتجاجات في أواخر العام 2012 وأخذت الأمور تميل نحو التوتر.”

في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، اتخذت حماس قراراً بمغادرة دمشق، وذلك بعد أن عبرت عن رفضها لأسلوب النظام في التعامل مع الاحتجاجات، وتعاطفها مع ثورة الشعب السوري، وعليه قامت الحركة بنقل قياداتها من دمشق إلى الدوحة في قطر، مع بقاء أعداد من كوادرها داخل المخيم.

يرموك بين الحرب السوري و تنظيم “داعش”

دخل مخيم اليرموك دائرة الصراع السورية على نحو فعلي في كانون الأول (ديسمبر) 2012، عندما اشتعلت المعارك بين مقاتلي المعارضة وجبهة النصرة القادمة من المناطق المحيطة من جانب وبين عناصر القيادة العامة مدعومين بوحدات من جيش النظام من جانب آخر. وأشارت الأنباء في حينه إلى انشقاق أعداد كبيرة من عناصر القيادة العامة وانضمامهم إلى صفوف المعارضة. كما قام من تبقى من كوادر حماس في المخيم بتشكيل مجموعة مسلحة أسموها “أكناف بيت المقدس،” وتشكلت في تلك الفترة عشرات المجموعات المسلحة المعارضة الصغيرة من شبان من المخيم تحت مسميات عدة وانضمت جميعها إلى قتال النظام وعناصر القيادة العامة.

في منتصف شهر كانون الأول (ديسمبر) عام 2012، انتهت تلك المعارك بسيطرة مقاتلي مجموعات المعارضة على معظم أراضي المخيم، وضمت تلك المجموعات كلاً من جبهة النصرة، وأكناف بيت المقدس، وحركة أحرار الشام، وأبابيل حوران إلى جانب حفنة من المجموعات الصغيرة الأخرى.

شهد المخيم حركة نزوح كثيفة بعد خروجه عن سيطرة النظام، وتشير تقارير وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا) إلى أنه لم يبق من سكان المخيم في داخله اليوم سوى نحو 20.000 مدني.

ويشرح المحلل السياسي مهند الفياض أن مخيم اليرموك يحظى بأهمية بالغة بالنسبة إلى النظام من ناحية موقعه الجغرافي “إذ أنه يعتبر جزءاً من العاصمة دمشق وليس من ريفها، كما أنه لا يبعد سوى خمسة كيلومترات عن مركز المدينة وعن المقرات الحيوية للنظام.” ويضيف الفياض أن قوات المعارضة المسلحة في الريف الجنوبي ترى هي الأخرى في المخيم بوابة دخول إلى العاصمة دمشق.

لذلك، وبعد سقوط المخيم، حشد النظام قواته مع قوات الفصائل الفلسطينية (الجبهة الشعبية-القيادة العامة وفتح الانتفاضة) الموالية له على المدخل الشمالي للمخيم لضمان عدم تمدد المجموعات المسيطرة عليه باتجاه العاصمة، وفي تموز (يوليو) 2013، فرضت هذه القوات حصاراً خانقاً على مخيم اليرموك، حيث منعت أي دخول إليه أو خروج منه من الناحية الشمالية المؤدية إلى دمشق.

ضاعف الحصار من مصاعب الحياة التي كان يعيشها من تبقى من مدنيين في المخيم، وقد أودى النقص الحاد بالمواد الغذائية والطبية بحياة نحو 200 شخص حتى شهر نيسان (أبريل) 2015 حسب مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية (تجمع مدني لناشطين من المخيم). فقد كان يتم تهريب الأطعمة المتوفرة من المدخل الجنوبي للمخيم، وبيعها بأسعار مبالغ بها وفقاً لخلف.

وفي 18 شباط (فبراير) 2015 أصدرت منظمة أصدقاء الأنسان الدولية في فيينا تقريراً قالت فيه إن 2651 من اللاجئين الفلسطينيين قضوا منذ بداية الازمة في سورية، معظمهم على أيدي القوات النظامية، قصفاً وقنصاً وجوعاً وتعذيباً. وتم اعتقال 818 من الفلسطينين قُتل منهم في السجون 293 شخصاً، معظمهم من سكان مخيم اليرموك قضوا جراء عمليات التعذيب.

وقالت المجموعة الحقوقية: “إن السلطات السورية أقدمت على خطوات غير إنسانية بحق السكان في المخيم، فقامت بتاريخ 8 أيلول (سبتمبر) الماضي 2014 بقطع إمدادات مياه الشرب عنهم، وبتاريخ 18 نيسان (أبريل) من العام 2013 بقطع الطاقة الكهربائية… وخلال فصل الشتاء تستمر معاناة الأهالي مع تأمين مستلزمات التدفئة، خاصة في ظل البرد القارس وانقطاع مواد التدفئة كالغاز والمازوت وهي ذات أسعار باهظة جدا إن وجدت.” وسلط التقرير الضوء على قيام قوات النظام السوري والتشكيلات العسكرية التي تحالفه، بشن هجمات مستمرة، ومنها الغارات الجوية والقصف بالمدافع الثقيلة، على المباني العامة والمدنية من قبيل المستشفيات والمدارس والمساجد في المخيم.

مع ازدياد مأساوية الأوضاع، جرت عدة محاولات من شخصيات مستقلة إنجاز اتفاق مصالحة بين النظام والقوات المسيطرة على المخيم، ووفقاً لمعلومات تسربت من وسائل الإعلام الاجتماعية، كان من المفترض الاتفاق على تحييد اليرموك من النزاع السوري وفك الحصار، لكن هذه المحاولات كانت تبوء بالفشل. وتقول مصادر مطلعة من داخل المخيم أن فشل تلك المحاولات كان بسبب اعتراض فئات مسلحة معينة على رأسها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الذي كان يتمركز في منطقة الحجر الأسود المتاخمة، إضافة إلى جبهة النصرة ذات الحضور القوي في المخيم.

في مطلع نيسان (أبريل) 2015، شنّ تنظيم داعش بالتعاون مع جبهة النصرة هجوماً كاسحاً على المخيم من جهة الحجر الأسود، ليسيطر في غضون ثلاثة أيام على أكثر من  70  بالمائة منه، ويحاصر أكناف بيت المقدس وكتائب أخرى في مربع أمني متاخم لخطوط التماس مع قوات النظام، في حين أعلنت بعض المجموعات المسلحة الصغيرة ولاءها له. وقام التنظيم بإعدامات لشباب من الأكناف فقطع رؤوسهم ورماها في الشوارع.

وتفيد مصادر من داخل المخيم إلى أن أسباب الاقتحام تعود إلى قيام الأكناف باعتقال عدد من عناصر التنظيم داخل المخيم بعد يومين من اغتيال قيادي من حماس في المخيم يدعى يحيى حوراني (أبو صهيب). بينما تشير مصادر أخرى في المخيم إلى أن داعش قامت بالهجوم لقطع الطريق على اتفاق مصالحة كانت الأكناف مع بعض الكتائب الموجودة بالمخيم تعتزم توقيعه مع النظام. وحسب تلك المصادر فإنه قبل اقتحام داعش كان المخيم يضم نحو 1.500 مقاتل مسلح، منهم 200 مقاتل من جبهة النصرة.

وحسب تقارير إعلامية فقد كثفت قوات النظام السوري قصفها للمخيم بالصواريخ والبراميل المتفجرة في هذه الأثناء مما سبب دماراً واسعاً في المخيم وأودى بحياة العشرات من المدنيين. كما حاولت القوات الموالية للنظام التقدم في المخيم تزامناً مع الاشتباكات الدائرة بين الأطراف داخله، مما شكل ضغطاً هائلاً على الأكناف، ودفعها لإعاة التفكير في خياراتها وتموضعها.

وحسب صحيفة الحياة اللندنية فقد تمت اتصالات بين قيادات فلسطينية من حماس وقيادات فلسطينية متحالفة مع النظام (من بينها الجبهة الشعبية- القيادة العامة) أفضت نهاية إلى تعاون بين أكناف بيت المقدس وقوات الدفاع الوطني الموالية للنظام في مواجهة داعش والنصرة في المخيم. وسرعان ما ثبت أن التقرير صحيح، حيث يقوم هذا التحالف على محاربة “داعش” منذ شهرين، ولكن وفقاً لبعض المصادر وصلت المعركة إلى طريق مسدود.

“رغم الجهود السياسية التي تبذلها حالياً أطراف فلسطينية رسمية لحلحلة الوضع في مخيم اليرموك، ورغم الحشد العسكري والتسريبات عن نية النظام مع الفصائل الفلسطينية الموالية له تحرير المخيم من قبضة داعش، لا يبدو أن أي اختراق قد يحصل قريباً،” يقول الفياض. “من المرجح أن المخيم سيبقى ساحة للصراع بين كر وفر من الأطراف المتصارعة عليه إلى حين تبلور الصورة الأشمل للحرب في سورية، بينما سيظل الخاسر الأكبر هو المدنيين العالقين في ذلك الجحيم.”

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles