وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حقوق الإنسان في لبنان

حقوق الإنسان لبنان مخيم للاجئين
طلاب من اللاجئين السوريين أثناء حضور أحد الدروس في إحدى الخيم، منزل أحد الأسر والتي تم تحويلها إلى مدرسة مؤقتة، في مخيم قب الياس للاجئين السوريين في لبنان. 27 يناير 2016. Photo AP/Bilal Hussein

يعاني لبنان فراغاً رئاسياً منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في 25 مايو 2014. ففي 13 يوليو 2016، اجتمع البرلمان للمرة الـ43، إلا أنه فشل في انتخاب رئيسٍ للبلاد، ذلك أنّ 31 فقط من أصل 128 نائباً حضروا الجلسة. وكما هو الحال في الدورات السابقة، أجلّت الجلسة بسبب عدم اكتمال النصاب، فالمطلوب أغلبية الثلثين (86 من أصل 128 نائباً) لاكتمال النصاب القانوني.

يعود تاريخ هذا الجمود السياسي إلى شهر يناير من العام 2011، في أعقاب استقالة وزراء المعارضة بعد رفض رئيس الحكومة، سعد الحريري، عقد جلسةٍ لمجلس الوزراء لمناقشة كيفية تسمية المشتبه بهم في اغتيال والده. تسببت الاستقالات بانهيار حكومة الوحدة الوطنية، وفي ضوء ذلك، أثر هذا الجمود سلباً على مؤسسات الدولة، بما في ذلك البرلمان اللبناني، الذي قرر تأجيل الانتخابات التي كان مزمع عقدها في يونيو 2013 وصوّت على تمديد ولايته.

وفي 31 مايو 2013، مدد البرلمان ولايته، بدايةً، لمدة 17 شهراً. وفي 5 نوفمبر 2014، سنّ البرلمان تمديداً آخر، مستمراً في ولايته لمدة 31 شهراً إضافي، حتى 20 يونيو 2017. وتصل هذه التمديدات، مجتمعة، لأربع سنوات، أو ولايةً واحدة.

ويعتبر هذا انتهاكاً واضحاً للمادة (21) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنص على أن لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة، الذي وقّع عليه لبنان منذ شهر أكتوبر 1945، وضربةً كبيرة لسمعة بيروت، التي كانت تُعتبر يوماً ما مركز الديمقراطية في العالم العربي.

بالإضافة إلى ذلك، ينتهك لبنان أيضاً، وهو دولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، المادتين (2) و(25) من العهد، اللتان تنصان على ما يلي:

  • التصويت والمشاركة في الانتخابات حقٌ عالمي لا يمكن انكاره؛
  • لكل مواطن أن يشارك في إدارة الشؤون العامة، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية.

فقد أدى الفراغ الرئاسي والجمود السياسي المذكور آنفاً إلى فشل الحكومة في توفير حتى الخدمات الأساسية، بما في ذلك جمع النفايات والكهرباء والمياه. أدى هذا إلى موجة من الاحتجاجات في أغسطس 2015، والتي قمعتها قوات الأمن اللبنانية بعنف، وذلك وفقاً لكلٍ من منظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية، بما في ذلك هيومن رايتس وواتش، ومنظمة العفو الدولية، والمركز اللبناني لحقوق الإنسان، والمؤسسة اللبنانية للديمقراطية وحقوق الإنسان (لايف)، وتحرك من أجل حقوق الإنسان.

خلال احتجاجات “طلعت ريحتكم،” وهو اسم يُشير إلى كلٍ من أكوام القمامة المكدسة في الشوارع والفساد المستشري في لبنان، استخدم أفراد الأمن الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه وأعقاب البنادق والهروات لقمع المتظاهرين. كما أطلقت قوات الأمن أيضاً الذخيرة الحية في الهواء، بينما قامت قوات الشرطة بضرب واعتقال المتظاهرين.

وفي يوليو 2015، أصدرت المؤسسة اللبنانية للديمقراطية وحقوق الإنسان (لايف) تقريرها الثاني حول الأوضاع القانونية للاجئين السوريين في لبنان، مما يدل على أنّ وضع اللاجئين يواصل “التدهور عاماً بعد عام،” وأن الظروف المعيشية لهؤلاء الأفراد تشبه “السجن الكبير.” ومع تزايد التهديدات الأمنية والمخاوف من احتمالية انتقال الصراع السوري، تُضيّق قوات الأمن الخناق على المشتبه بتورطهم في الجماعات المسلحة في سوريا، واستهداف مناطق سكن اللاجئين السوريين والاعتقال التعسفي لجميع الذكور البالغين، وإساءة معاملة وتعذيب البعض منهم في وقتٍ لاحق. ووصف التقرير اللاجئين السوريين بأنهم يعيشون في “مركز احتجاز كبير في لبنان، فضلاً عن حرمانهم من حقوقهم الأساسية من خلال القرارات الحكومية الجائرة والتعسفية، أو من خلال الإجراءات الاستبدادية- التي غالباً ما تكون غير قانونية- التي يمارسها الأمن اللبناني والقوات العسكرية ضدهم.”

وفي يناير 2015، تخلّى لبنان عن سياسة الحدود المفتوحة، وبدأ تقييد دخول اللاجئين السوريين، كما واصل منع دخول الفلسطينيين الفارين من الصراع السوري. وفي مايو، أمر لبنان المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهي أحد أجهزة الأمم المتحدة، تعليق جميع التسجيلات الجديدة للاجئين السوريين في البلاد مؤقتاً. كما واجه اللاجئون من سوريا الذين دخلوا لبنان قبل يناير مشاكل في تجديد تصاريح الإقامة، أما أولئك الذين لا يقدرون على تجديد تصاريح الإقامة السنوية، المطلوبة لبقائهم قانونياً في لبنان، أصبح وضعهم غير نظامي وعرضةً للاعتقال والاحتجاز والترحيل.

في نهاية المطاف، دفع تكرار مثل هذه الأحداث نشطاء لبنانيون وسوريون، سيما في المناطق الحدودية بين لبنان وسوريا، لإطلاق حملة في يوليو الماضي بعنوان “أخرجونا من لبنان،” بهدف تسليط الضوء على المعاناة الجسدية والنفسية للاجئين السوريين.

وفي 27 يونيو، نُفذت سلسلة تفجيرات انتحارية في بلدة القاع اللبنانية الحدودية. أثارت التفجيرات، التي أعلن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في نهاية المطاف المسؤولية عنها، موجة غضبٍ عارم، مما اضطر الجيش اللبناني استئناف عمليات اعتقال السوريين على الأراضي اللبنانية على نطاقٍ واسع. وثقت شبكة الشام الإخبارية، وهي إحدى وسائل الإعلام الموالية للثوار في سوريا، اعتقال نحو 500 سوري، فضلاً عن القرارات التمييزية الصادرة عن عدد من البلديات اللبنانية، بما في ذلك فرض حظر التجول على اللاجئين السوريين داخل الحدود الإدارية.

وقبل عامٍ من ذلك، أظهرت أشرطة فيديو مسربة قيام أفراد من قوات الأمن الداخلي بتعذيب السجناء في سجن روميه، شمال بيروت، في أعقاب أعمال شغبٍ اندلعت داخل السجن، حيث أكدّ وزير الداخلية صحة الفيديو. فلبنان لم يضع حتى الآن آلية وقائية وطنية لزيارة ومراقبة أماكن الاحتجاز، كما هو مطلوب بموجب البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، التي صادق عليها في عام 2008. ومع الشلل الحكومي المستمر، توقفت التشريعات لخلق مثل هذه الهيئة على أعتاب البرلمان.

حرية التعبير

تاريخياً، وضع احترام الحق في حرية التعبير، عموماً، لبنان في مكانة متفوقة عن باقي الدول العربية. ومع ذلك، لا يزال هناك العديد من المواد في قانون العقوبات اللبناني تُثير الجدل، فعلى سبيل المثال، تجرّم المادة (386) قدح وذم رئيس الدولة، وموظفي السُلطة العامة والأفراد. وفي السنوات الأخيرة، تم توجيه الاتهامات للعديد من الشخصيات العامة، والنشطاء، والصحفيين، بموجب هذه المادة. ففي يناير 2015، اتهمت السلطات اللبنانية فيصل القاسم، وهو صحفي في قناة الجزيرة، بإهانة الجيش على موقع الفيسبوك، وبعد تخلفه عن حضور جلستيّ استماع، صدرت بحقه مذكرة اعتقال.

وفي أكتوبر 2015، أوقفت قوات الأمن ميشال الدويهي، وهو ناشط سياسي، بعد أنّ قدّم جهاز الأمن العام شكوى ضده بسبب منشورٍ له على موقع فيسبوك اعتبره المسؤولون تشهيراً. أطلق سراحه بعد تسعة أيام وتم تغريمه 200 دولار. وفي نفس الشهر، أصدرت محكمة لبنانية حكماً غيابياً على الصحفي محمد نزال، بالحبس ستة أشهر وتغريمه 666 دولار بسبب منشورٍ على موقع فيسبوك ينتقد فيه القضاء اللبناني.

وفي الساعات الأولى من صباح يوم 30 مايو 2016، اقتحمت قوات الأمن الداخلي منزل نبيل الحلبي، وهو محامٍ وناشط حقوقي، واتهمته بانتقاد المسؤولين الحكوميين على موقع فيسبوك. وقال خالد كريدية، أحد محامي الحلبي، أن السُلطات أخبرته أن اعتقال الحلبي جاء بسبب عدم حضوره الإجراءات القانونية لقضية القدح والذم التي تقدم بها ضده ماهر أبو الخدود، مدير مكتب وزير الداخلية.

أثارت هذه الاعتقالات العديد من التساؤلات الجدية حول القبول الرسمي واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.

حقوق المثليين والمساواة بين الجنسين

عندما يتعلق الأمر بالتوجه الجنسي، تعاقب المادة الرجعية رقم (534) من قانون العقوبات ” كل مجامعة على خلاف الطبيعة.” ففي السنوات الأخيرة، قامت السلطات بمداهمات واعتقالات لأشخاص يشتبه بتورطهم بأفعال جنسية مع نفس الجنس، حيث تعرّض بعضهم للتعذيب. وفي أغسطس 2014، على سبيل المثال، شنت الشرطة عملية أمنية استهدفت من خلالها الرجال المثليين في جميع أنحاء البلاد، حيث تم اعتقال العشرات. وخلال إحدى المداهمات على حمام الآغا في بيروت، تم اعتقال 27 رجلاً بتهمة “التعرض للآداب العامة،” وممارسة “اللواط.” وتتواصل تقارير غير مؤكدة عن القيام بالمزيد من المداهمات على المؤسسات الخاصة.

ومع ذلك، التقدم في مجال حقوق المثليين بطيء. فقد صدر قرار محكمة بارز في مارس 2014 يقضي بأنّ ممارسة الجنس بين أحد المتحولين جنسياً، أي الذي كان رجلاً في السابق، ورجلٌ لا آخر، لا يُنظر إليه باعتباره مجامعة على خلاف الطبيعة. رأى النشطاء بالقضية فوزاً مزدوجاُ، إذ كانت هذه أيضاً أول مرة يصدر فيها حكمٌ بحق أحد المتحولين جنسياً. واستند القاضي في التوصل إلى قراره على قضية مماثلة في عام 2009، والتي قضت بأن المثلية الجنسية لا يمكن أن تكون مخالفةً للطبيعة لأن الإنسان “جزءٌ من الطبيعة.”

ومع ذلك، وعلى الرغم من كون لبنان يستبق جيرانه في مجال حقوق المرأة، إلا أنّ نشاط المرأة ومشاركتها في جميع جوانب المجتمع، وقوانين الأحوال الشخصية وقوانين الجنسية والقانون الجنائي في لبنان، تستمر بتمسكها بالأحكام التمييزية. فبموجب 15 قانوناً من قوانين الأحوال الشخصية المختلفة، والتي يتم تحديدها حسب الانتماء الديني للفرد، لا تزال المرأة، أياً كان دينها، تعاني من التمييز، بما في ذلك عدم المساواة في الحصول على الطلاق وحضانة الأطفال وحقوق الملكية. وخلافاً للبنانيين من الرجال، لا يمكن للمرأة اللبنانية نقل جنسيتها لزوجها أو أطفالها الأجانب، ولا تزال المرأة في لبنان خاضعةً لقوانين الميراث التمييزية.

وتماماً كحال تشريع زيارة ومراقبة أماكن الاحتجاز، تعثرت أيضاً مشاريع قوانين وقف التعذيب، وتعزيز المساواة بين الجنسين، وتحسين معاملة العاملات في المنازل، على أعتاب البرلمان. وتتفق جميع منظمات حقوق الإنسان أن البلاد لا تزال متخلفةً في امتثالها للمعاهدات والاتفاقيات الدولية. ومع استمرار اجتياح الصراعات والاضطرابات للعديد من أجزاء العالم العربي، تراجعت أهمية حقوق الإنسان أمام الأمن القومي. ولكن عوضاً عن إعطاء الأولوية لأحدهما على حساب الآخر، يكمن أفضل الحلول في معالجتهما معاً. وبالتالي، لا ينبغي أن يترتب على الأمن القومي كبح الحقوق والحريات، كما ينبغي التمتع بالقدرة على التنعم بالحقوق والحريات دون المساس بالأمن القومي.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles