وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حقوق الإنسان في تركيا: لحنٌ حزين

Turkey- vigil for justice
محامون يُشاركون في مسيرةٍ من أجل “الدفاع عن العدالة،” والتي أطلق عليها منظموها اسم “وقفة من أجل العدالة” في 19 أبريل 2019، أمام إحدى المحاكم في أنقرة. Photo AFP

للأسف، أصبحت تقارير انتهاكات حقوق الإنسان مرادفاً لتركيا في السنوات الأخيرة. وعلى الرغم من أن حالة الطوارىء المفروضة منذ سنواتٍ عدة والتي تلت محاولة الانقلاب عام 2016 قد انتهت مؤخراً في يوليو 2018، إلا أن المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان لم تنتهِ بعد.

التخلص من مخاوف تركيا

اعتُقل وسُجن مئات الآلاف من الأشخاص إثر محاولة الانقلاب، إذ لم يكن الكثير منهم متورطين بشكلٍ واضح في الانقلاب بل بسبب انتمائهم أو لتجربتهم السابقة مع حركة فتح الله غولن، التي تعتقد أنقرة أنه كان وراء محاولة الانقلاب. والآن، انتهت معظم المحاكمات ويقضي المدانون أحكاماً بالسجن، حيث يقضي المحكوم عليهم أحكاماً بالسجن لعدة عقود. ويبدو أن بعض من تم جرهم في الانقلاب كان لديهم أسبابٌ مشكوكٌ فيها لاعتقالهم، بما في ذلك فاعلوا الخير البارزين في مجال حقوق الإنسان.

ومن المفارقات أن بعض الجنود المتورطين في عملية محاولة إعدام أو أسر الرئيس رجب طيب أردوغان هربوا ويعيشون الآن في المنفى في اليونان. ومن المحتمل أن ينظر المؤرخون إلى محاولة الانقلاب عام 2016 باعتبارها لحظةً فاصلة في سجل حقوق الإنسان المتدهور في تركيا. تطهير ما يُسمى بجماعة غولن في أعقاب محاولة الانقلاب كان واسع النطاق ووحشياً، حيث منح أنقرة “بُعبُعاً” لتبرير قمعها المتزايد، بما في ذلك قمع الصحافة، ضمن سرد محاربة الإرهاب ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ولربما كان الأمر الأكثر مدعاةً للقلق هو ميل تركيا إلى بعض أسوأ جوانب الحرب على الإرهاب، بما في ذلك شن حملةٍ دولية غير عادية. سبق ذلك عملية القتل الشنيعة للصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية الرياض في اسطنبول، إلا أنه يظهر استخفافاً مماثلاً لمعايير حقوق الإنسان الدولية.

الاسترضاء السياسي في الداخل والخارج

تعززت هذه الثقة بقدرة تركيا على انتهاك المعايير الدولية من خلال إدراك أردوغان للسطوة التي لا يزال يتمتع بها على أوروبا، حيث أعلن في مايو 2019 أن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى تركيا أكثر مما تحتاج تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. فقد تم عقد صفقة المهاجرين عام 2016 بين بروكسل وأنقرة بشكلٍ عام، حتى في ظل العلاقات المتوترة. ومع ذلك، جاءت “نتائج” الصفقة بثمنٍ مرتفع بالنسبة لحقوق الإنسان، إذ تواصل جماعات حقوق الإنسان الإشارة إلى التدابير اليائسة التي يتخذها المهاجرون، من الأجانب والأتراك، للوصول إلى أوروبا. ففي عام 2018، سجلت السلطات اليونانية 14,000 “دخول غير قانوني” من قبل المهاجرين من تركيا، فضلاً عن التقارير المتكررة عن موت المهاجرين أثناء عبور النهر الخطير على الحدود البرية إلى أوروبا. ومع ذلك، لا يُظهر الاتحاد الأوروبي أي إشاراتٍ على تعديل أو إلغاء الصفقة، كما يواصل حجب تدفق المهاجرين من عناوين الصحف الأوروبية، على الرغم من أن ممثليه يصفون سجل تركيا في مجال حقوق الإنسان لعام 2018 بأنه شهد “تراجعاً خطيراً.”

وعلى الرغم من هذه الاضطرابات الجيوسياسية، نجحت تركيا في التخفيف من أحد خلافاتها البارزة في مجال حقوق الإنسان المتخطية لحدود الدولة في عام 2018 بإطلاق سراح أندرو برونسون، مبشرٌ أمريكي تم احتجازه لمدة عامين بسبب صلاته بجماعة غولن في تركيا. وعلى الرغم من أنه كان يُنظر إليه على نطاقٍ واسع باعتباره رهينة سياسي خلال فترةٍ شهدت أسوأ العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا منذ جيل، إلا أن المواطنين الأمريكيين ما زالوا رهن الاعتقال في تركيا. ويبدو أن جهود واشنطن لضمان إطلاق سراح مواطنيها تصب فحسب لصالح المسيحيين البيض. ولا يزال العديد من الأشخاص الآخرين، بما في ذلك العالم سركان غولج، من ناسا، محتجزين بتهمٍ زائفة.

أما على المستوى الوطني، لا يزال عددٌ كبير من السياسيين من حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد في السجن بتهمٍ تتعلق بالإرهاب. ومن بين هؤلاء زعيم الحزب صلاح الدين دميرتاش، الذي اقتصر نشاطه السياسي على بعض الرسائل بين الحين والآخر والخطاب المرئي، إلى جانب أعضاء البرلمان ورؤساء البلديات السابقين في أكبر مدينةٍ كردية في البلاد، ديار بكر. لربما يندم أردوغان على هذه الخطوة بالذات. فبعد أن أضعفته عمليات الاعتقال، قرر حزب الشعوب الديمقراطي عدم الترشح في انتخابات بلدية إسطنبول لعام 2019، وهو قرار ساعد بلا شك أكرم إمام أوغلو، مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض، على شغل المقعد ذو النفوذ بأغلبية 20 ألف صوت.

بيد أن فوزه لم يدم طويلاً، وانتُقد نقض النتيجة من قبل المجلس الأعلى للإنتخابات، على نطاقٍ واسع، باعتباره نهاية الديمقراطية التركية. إن حقيقة رفض المجلس الأعلى للإنتخابات للنتيجة مع تجاهل التصويت المعاصر الذي نتج عنه الفوز من قِبل حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان أثار تساؤلاتٍ حول الطبيعة المستقلة ظاهرياً للمؤسسات التركية. ويبدو أن سيطرة الحكومة على الوظائف الرسمية، بما في ذلك تلك المرتبطة بالقضاء والتي تدافع عادةً عن استقلالها بشدة، تبدو شبه كاملة، مع تداعياتٍ خطيرة على حقوق الإنسان.

إسكات أصوات المعارضة

لم تظهر علاقة أنقرة المقلقة للغاية مع الصحافة دلائل تذكر على تحسنها، إذ لا تزال تركيا السجّان الأول للصحفيين على مستوى العالم؛ حيث تم سجن 112 صحفي عام 2018 وحده. ومع ذلك، تزامنت هذه التصريحات مع تعرض أحد الصحفيين لهجومٍ بمضارب بيسبول، الهجوم الذي أتى في أعقاب محاولة اغتيال رئيس تحرير رفيع المستوى يُعرف بانتقاده للحكومة في عام 2016. وعلى نطاقٍ أوسع، تظل الغالبية العظمى من الصحافة خاضعةً لسيطرة المصالح التي تسيطر عليها الدولة أو المتحالفة معها، مما يضمن أن تكون تغطية الحكومة إيجابية إلى حدٍ كبير، لا سيما أثناء الانتخابات عندما يكافح مرشحو المعارضة للحصول على نفس القدر من وقت البث.

ومما يثير الجزع أن اضطهاد الأكاديميين، الذي لا يزالون صوتاً صريحاً للعدالة، مستمر. ففي مايو 2019، تم إلقاء القبض على أستاذٍ جامعي بتهمة الإرهاب لحضوره مؤتمراً في فرنسا، بعد أن تم بالفعل إلغاء جواز سفره. وفي نفس الشهر، بدأت المؤرخة فوسن أوستل قضاء 11 شهراً في السجن بعد توقيعها إعلاناً مؤيداً للسلام في عام 2016.

حقوق جميع البشر

يجب أن يشير أي نقاشٍ حول حقوق الإنسان التركية إلى الصعوبات التي تتم مواجهتها لتعزيز حقوق المرأة والأقليات العرقية والجنسية، إذ لا تزال جرائم القتل والعنف ضد المرأة وجرائم الشرف وصمة عارٍ على المجتمع التركي، والتي عادةً ما تقابلها استجابة فاترة من جانب الحكومة. فقد جددت وفاة ربيعة ناز البالغة من العمر 11 عاماً في شمال شرق البلاد في أبريل 2018 الدعوات إلى تحقيق العدالة لضحايا إساءة المعاملة من الأطفال والعنف ضد النساء والفتيات. ومع ذلك، يتوقع القليلون أن يطرأ تغييرٌ يُذكر على المدى القصير. ومن المرجح أن تظل حقوق المرأة مؤشراً على مدى جدية اهتمام الأتراك ككل بقضية حقوق الإنسان.

فقد قُبض على عثمان كافالا، أحد قادة المجتمع المدني البارزين والناقد الحكومي، في نوفمبر 2017 بسبب صلاته المزعومة بحركة غولن. وعلى الرغم من أن مؤسسته الثقافية لا تزال تعمل حتى الآن، إلا أن خسارة زعيمها يمثل ضربةً قوية لحقوق الأقليات في البلاد، التي تعاني من تاريخٍ مضطرب يتمثل في انتهاك حقوق وتمثيل الجماعات الكردية وغير الكردية.

في ظل السياسة الإسلامية لحزب العدالة والتنمية، لم يندهش كثيرون من أن موكب المثليين لعام 2018 في إسطنبول قد تم حظره مرةً أخرى، على الرغم من رفع الحظر المفروض على مسيرةٍ مماثلة في أنقرة هذا العام. وفي حين تم الحظر ظاهرياً لأسبابٍ أمنية، إلا أن هذا العام يعدّ العام الرابع على التوالي الذي يُمنع فيه المشاركون من السير في شارع الاستقلال في إسطنبول. لطالما تمتعت تركيا بسجلٍ أكثر انفتاحاً تجاه مجتمعات المثليين في الشرق الأوسط (على الرغم من أن سجلها بعيدٌ كل البعد عن كونه لا تشوبه شائبة)، إلا أنه من المرجح أن تشعر المنطقة ككل بضغوطٍ أقل لإصلاح مواقفها إذا ما رأت تركيا تُغير موقفها.