وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حقوق الإنسان في السودان: قلقٌ محلي ودولي

Sudan- Press freedom sudan
صحفيون سودانيون يحتجون على قانون جديد للصحافة يهدف إلى تشديد القيود على حرية الإعلام ، في مقر المجلس الوطني للصحافة والنشر في العاصمة الخرطوم في 15 نوفمبر 2017. Photo AFP

فيما تتفاقم الازمة الاقتصادية في السودان منذرةً بعواقب سياسية واجتماعية وخيمة، تشدد الأجهزة الأمنية في السودان قبضتها على كافة مظاهر الحياة العامة بالتضييق على الحريات ومصادرة حقوق التجمع والتجمهر والاحتجاج العلني وحرية التعبير والنشر.

وقال السيد أريستيد نونونسي، خبير الأمم المتحدة المستقل المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان، في مؤتمرٍ صحفي عقده في الخرطوم في 23 أبريل 2018 بعد زيارةٍ للبلاد استغرقت عشرة أيام: “لقد أعربت عن قلقي لمسؤولين حكوميين في ما يتعلق برد فعل السلطات السودانية على احتجاجات يناير وفبراير 2018.”

وأضاف، “تلقيت تقارير بأن مدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء سياسيين وصحفيين اعتقلوا واحتجزوا فيما يتعلق بالاحتجاجات للتنديد بتدابير التقشف الخاصة بميزانية عام 2018. كنت قلقاً بشكلٍ خاص حيال وضعهم الجسدي والنفسي أثناء فترة احتجازهم.” بينما رحب الخبير الاممي بالقرار الرئاسي بالإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين وطالب بالإفراج عن البقية، خاصة المعتقلون بموجب قانون الطوارئ في ولاية دارفور المضطرب.

ويرى الناشط الحقوقي البراق النذير في حديثٍ لفَنَك أن “القوانين المقيدة لحرية التعبير وتكوين الجمعيات والتظاهر وغيرها من الحقوق الأساسية هي أكبر معوِّق للتطور والتنمية وحقوق الإنسان، وهي قوانين تقول الحكومة أنها مستمدة من الشريعة الإسلامية والدين الإسلامي.”

في حين يجادل معارضون للحكومة ومنظماتٌ دولية ومؤسسات أكاديمية، بأن هذه القوانين تنتهك الحقوق ولا تلائم السودان، كما إنها تخدم مصلحة الفئات الحاكمة، وأن ممارسات السلطات وتطبيقها لهذه القوانين قد يعرِّض السودان لمخاطر التفكك والانزلاق لفوضى عارمة تهدد بقاء البلاد.

قانون النظام العام

ربما يكون أهم هذه القوانين واكثرها استخداماً هو قانون النِّظام العام لسنة 1996 والذي صدر في البداية في ولاية الخرطوم لتسنّ لاحقاً قوانين مشابهة بولايات أخرى، وهو قانون يهدف لضبط سلوك ومظهر المواطنين خاصة النساء.

فعلى سبيل المثال، تنص المادة 152 من قانون النظام العام على أن “من يأتِ في مكان عام فعلاً أو سلوكاً فاضحاً أو مخلاً بالآداب العامة أو يتزيا بزي فاضح أو مخل بالآداب العامة يسبب مضايقة للشعور العام يعاقب بالجلد بما لا يجآوز اربعين جلدة او بالغرامة او بالعقوبتين معاً.” ومن الجدير بالذكر إنه يُترك تعريف “الزي الفاضح” مفتوحاً أمام الاجتهادات الشخصية لرجال الشرطة. ووفقاً للناشطين، صدرت في عام 2016 أكثر من 45 ألف شكوى ضد النساء بموجب القانون.

يقول الحقوقي البارز كمال الجزولي إن قانون النظام العام لولاية الخرطوم، هو قانون مؤسس على ذهنية النظر بعين الريبة إلى المرأة. ويسعى القانون، من خلال أحكامه التمييزية، إلى تقييد حركة المرأة وأنشطتها في الساحة العامة. وتتيح الصياغة الفضفاضة للقانون والسُّلطات التَّقديريَّة الواسعة الممنوحة فيه لمن يقومون بتطبيقه في كل أجهزة الامن ملاحقة النساء ومطاردتهن لا سيما بائعات الهوى وغيرهن ممن لم يجدن ما يكسبن به قوتهنَّ سوى الأنشطة الاقتصاديَّة الهامشيَّة. كما يستخدم القانون لملاحقة وإذلال الناشطات النسويات والسياسيات مثل حالة الناشطة ويني عمر التي اعتقلت مرتين بموجب هذا القانون واتهمت في احداها بالتورط في الدعارة. وبالرغم من أن المحاكم قد برأتها من هذه الاتهامات إلا أن مجرد احتجاز النساء في اقسام الشرطة بتهم كهذه يسبب ضغطاً اجتماعياً قاسياً على النساء في المجتمع السوداني المحافظ.

قانون الأمن

يشكل قانون جهاز الأمن الأساس التشريعي والقانوني لإنتهاكات حقوق الإنسان فى البلاد، وقد ظلت السمات الأساسية له ثابتة، طيلة سنوات الإنقاذ، رغم التعديلات المختلفة التي مر بها.

فقد وثق المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام عدداً من الحوادث التي تدخلت فيها السلطات السودانية بحرية الإعلام وحرية التعبير في مايو ويونيو 2018. وفي ثلاث مناسبات، صادرت السلطات نسخاً مطبوعة من ثلاث صحف يومية سودانية دون تقديم أي مبرر. وفي مايو، أمر جهاز الأمن والمخابرات الوطني رؤساء تحرير المطبوعات السودانية بعدم نشر أي أخبار تتعلق بمقتل رجل أعمال توفي أثناء الاحتجاز. كما تم منع رؤساء التحرير من كتابة تقارير عن أزمة الوقود السائدة. وفي يونيو، ألغت إدارة الإعلام الأجنبي السودانية أوراق اعتماد أحمد يوسف، وهو مراسل لصحيفة الشرق الأوسط اليومية الصادرة باللغة العربية ومقرها لندن.

وقال خالد يوسف، نائب رئيس حزب “المؤتمر السوداني” المعارض، والمفرج عنه ضمن قرار إطلاق سراح المعتقلين الأخير، إن “أقوال الحكومة لا تتبعها أفعال، فأنا شخصياً كنت معتقلاً العام الماضي، وأفرج عني ضمن قرار عفو تحت شعار فتح صفحة جديدة وإطلاق الحوار الوطني، ثم اعتقلت مرة ثانية.”

يشتهر جهاز الأمن السوداني باستخدام شتى أنواع وأساليب التعذيب البدني والنفسي، لإرهاب خصومه السياسيين وكسر شوكتهم. بل إن بعض منسوبيه تعرضوا لنفس التعذيب والأذى عندما حاولوا الخروج منه، ومن ضمن هؤلاء مدير جهاز الأمن الحالي الجنرال صلاح قوش الذي اعتقلته السلطات السودانية العام 2012، على خلفية الاتهام بالمشاركة في المحاولة الانقلابية على الرئيس عمر البشير.

وعلى الرغم من انحسار أشكال التعذيب البدني بشكله التقليدي منذ فترة التسعينيات من القرن الماضي، إلا أن أشكالاً وممارسات جديدة أصبحت سائدة في المعتقلات المعدة خصيصاً لقمع الخصوم السياسيين، مثلما حدث للسيدة نعمات آدم جماع التي اجبرها عناصر جهاز الأمن على الجلوس في مقعد غير مريح تحت الشمس في مواجهة الحائط لأكثر من عشر ساعات.

علاوة على ذلك فإن تصميم المعتقلات يعتبر ضرباً من التعذيب، حيث يتم تخفيض أو رفع درجات الحرارة بشكلٍ غير مريح، ويزج بعدد كبير من المعتقلين في مساحة ضيقة دون السماح لهم بالحركة أو زيارات الأسر. كما يتم إهمال الرعاية الصحية للمعتقلين وتمنع عنهم الأدوية المنقذة للحياة.

قانون العمل الطوعي والإنساني

تتجه السلطات السودانية لتعديل قوانين قائمة، بما فيها قانون تنظيم العمل الطوعي والإنساني، للإيحاء بأن هناك تغييراً إيجابياً في المنظومة القانونية في البلاد.

فقد دخل قانون العمل التطوعي والإنساني السوداني حيز النفاذ في أوائل عام 2006 وهي الفترة التي شهدت فيها البلاد انفتاحاً غير مسبوق، عقب التوقيع على اتفاق السلام الشامل واعتماد الدستور المؤقت في عام 2005. ومع ذلك، سرعان ما أصبح واضحاً أن قانون العمل الطوعي والإنساني، وهو مشروعٌ مُنقح صدر في عام 2017، والهيئة الرقابية التي أنشأها ليسا هما ما كان يبحث عنه المجتمع المدني.

وخلص المركز الدولي للقانون غير الهادف للربح إلى أن هذا القانون يجعل من الصعب جداً على المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية ومنظمات المجتمع المدني العمل في السودان بسبب متطلبات التسجيل المرهقة. وعلاوة على ذلك، فإن منظمات المجتمع المدني التي لا تتفق علناً مع الحكومة تخضع لغراماتٍ وعقوبات.

بارقة أمل

بالرغم من القمع واسع الإنتشار، يرى البعض أن هناك بارقة أمل. فقد نسب السيد نونونسي لبعض النشطاء الذين التقاهم في السودان إقرارهم ببعض التحسن في أوضاع حقوق الإنسان في البلاد خلال الشهور الماضية. وأولى الخبير الاممي عناية خاصة لإقليم دارفور، حيث أشار إلى أنَّ تنفيذ وقف إطلاق النار في دارفور متماسكٌ بشكلٍ عام، ولكن التهديدات بالعنف والهجمات ضد المدنيين لا تزال مستمرة بأشكالٍ أخرى، حيث أن ذلك يشتمل على العنف العرقي والجنسي، واختطاف المدنيين. وطالب حكومة السودان بالتركيز على تنفيذ أحكام وثيقة الدوحة للسلام في دارفور المتعلقة بنزع سلاح الميليشيات المسلحة، وحل تلك الميليشيات.

يبدو أن إحراز تقدمٍ ملموس في أوضاع حقوق الانسان في السودان لا يرتبط فقط بجهود المجتمع المدني السوداني المنهك بالإجراءات القمعية الحكومية، بل باستمرار ضغوط المجتمع الدولي على الحكومة السودانية التي تحتاج للقبول الدولي أكثر من أي وقتٍ مضى. فقد دعا مساعد وزير الخزانة الأميركية، مارشال بلينغسلي، الذي زار الخرطوم أواخر ابريل 2018، الحكومة السودانية لإحراز مزيدٍ من التقدم في الحريات وحقوق الإنسان لبناء علاقات طبيعية مع الولايات المتحدة.