وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

النساء واللاجئون في لبنان من بين الأكثر عرضة للخطر في البلاد

النساء واللاجئون في لبنان
امرأة تقف بجانب نافذة في إحدى ضواحي بيروت. PATRICK BAZ / ABAAD /AFP

دانا حوراني

عُثر على جثث أربع  نساء كنّ مفقودات، بالقرب من بلدة الأنصار جنوبي لبنان الأسبوع الماضي، ما أحدث صدمة واسعة في البلاد.

وكانت بسمة عباس، طليقة مختار بلدة الأنصار، وبناتها الثلاث: منال (16 عامًا) وتالا (20 عامًا) وريما (22 عامًا) قد فُقدن  مدة 25 يومًا بعد أن شوهدنَ لآخر مرة برفقة حسين فيّاض (36 عامًا) الذي اعترف بخطفهن وقتلهن في غرفة صغيرة، ثم دفن الجثث في أحد البساتين بين بلدتي الأنصار والزرارية بمساعدة شريك له.

وفي التفاصيل  أن فياض أقام علاقة نسب مع العائلة من خلال علاقته القوية بتالا التي استغلها ليقود الضحايا إلى حتفهن. ورغم استمرار التحقيقات في الحادث والدوافع المحيطة بالمأساة، فإن المصادر تدّعي أن المجرمين قتلا الضحايا ببندقية ثم غطيا جثامينهن بالحجارة والتراب والإسمنت. وكانت النائب العام الاستئنافي في الجنوب، القاضية غادة أبو علوان، قد استدعت فياض للتحقيق عند اختفاء السيدات وأفرجت عنه “لعدم كفاية الأدلة” بحسب مصادر في المحكمة.

وفي الأسبوع نفسه سُجلت جريمتان أخريان ضد النساء في عكار، شمالي لبنان. إذ ورد أن رجلًا قتل زوجة أخيه باستخدام بندقية صيد، كما ورد أن جنديًا  قتل زوجته أمام أطفالها، وفرّ هاربًا. لكن هاتين الجريمتين لم تلفتا النظر مقارنة بمأساة الأنصار التي أفزعت الجميع.

أزمة خطاب

وبعد جريمة الأنصار، ألقى بعض المعلقين اللوم على الأم لأنها مطلقة، وهو ما يعتبره المحافظون في لبنان “عارًا”، حتى إن بعض رجال الدين قالوا إن الجريمة وقعت  نتيجة “التفكك الأسري“.

وكانت آخر خطوة في سير التحقيقات هي إلقاء القبض على الشريك حسن الغناش، بعد أن استدرجته السلطات اللبنانية إلى الحدود السورية ثم ألقت القبض عليه.

وقد جرى تداول صور الشاب وهو ينزف بعد تعرضه للضرب المبرح، واحتفى بها من ركزوا على جنسيته السورية. ويرى هذا الخطاب المتحيز أن جميع السوريين مسؤولون عن ارتفاع معدل الجريمة.

وعلى سبيل المثال، غرد أحد مستخدمي تويتر قائلا: “ما في جريمة في لبنان إلا والسوري شريك فيها لدرجة التفنن في ارتكاب الجرائم… أيها اللبنانيون حلكم تتعلموا لا تشغلوا ولا تأووا السوري لديكم.”

لكن الخبراء والنشطاء قالوا لفنك إن المذنبين الأساسيين في إذكاء هذا الخطاب هم السياسيون الذي يضحون بالسوريين واللاجئين الآخرين من أجل مكاسب سياسية.

في الواقع…

يحتضن لبنان مليونًا  ونصف مليون لاجئ سوري تقيم غالبيتهم (39%) في منطقة وادي البقاع. وقال عمر عبد الله الذي يعمل ميدانيًا مع منظمة سوا غير الحكومية للتنمية والمساعدات لفنك إن الخطاب العنصري تجاه اللاجئين قلّ بشكل ملحوظ خلال السنوات الخمس الأخيرة، لا سيما في منطقة البقاع التي يعمل فيها.

وقال عبد الله: “بشكل عام، رحّبت هذه المنطقة باللاجئين. كما تشارك اللبنانيون واالسوريون المصالح الاقتصادية من خلال التجارة والشركات، لذلك ثمة كثير من التعاطف مع اللاجئين هنا”.

وأوضحت جميلة خضر، الناشطة السياسية التي تعمل مع اللاجئين، أن الأزمة الاقتصادية في لبنان متمثلةً في انخفاض قيمة العملة وتضخم معدلات الفقر، قد بنت جسرًا بين الطرفين بسبب المعاناة الاقتصادية المشتركة، ما ولّد تعاطفًا بينهما.

وقالت لفنك: “لا فرق بين اللبنانيين والسوريين في الشعور بوطأة الانهيار المالي. كما أن اللبنانيين منشغلون بتدبير ضرورات الحياة إلى حد يصرفهم عن التركيز على طرد اللاجئين من بلادهم”.

وأضافت أن ثمة حقيقة يجب على اللبنانيين تذكرها وهي أن اللاجئين ساخطون على وضعهم الحالي في لبنان، ويتمنى كثير منهم العودة إلى سوريا  أو الانتقال إلى مكان آخر.

علاوة على ذلك، فإنها تلوم وسائل الإعلام المحلية على إذكائها نار الفتن السلبية، من خلال التركيز على جنسية الشريك إذ تقول “إن إبراز جنسيته لا يفيد سوى تعزيز الصورة النمطية عن السوريين باعتبارهم مجرمين”.

نزاعات الماضي وحلولها

كان عمر عبد الله  نفسه باعتبار جنسيته السورية، محل هذا التعميم، فقد كان يفرّق الناس بينه وبين أقرانه بقولهم إنه “ليس مثل البقية” وما يعني أنه مختلف عن صورة  اللّاجئين  النمطية.

وقد بينت حادثة وقعت في بلدة بشري شمالي البلاد منذ عامين خطورة هذه التعميمات. فقد طالب الأهالي السلطات بطرد جميع السوريين من المنطقة بعد أن قتل مواطن سوري لبنانيًا  بالرصاص في خلاف شخصي حسبما ورد، وبالتالي دفع الجميع مسئؤولية فعلة فرد واحد.

لكن منذ ذلك الحين، أسس عبد الله بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية شبكة واسعة من العلاقات تراقب هذه النزاعات وتخمد النار قبل أن تذكيها هذه الخطابات وتتحول إلى صدامات على أرض الواقع.

فعلى سبيل المثال، تواصل عبد الله مع أحد أعضاء حزب القوات اللبنانية، كون بشري هي مسقط رأس سمير جعجع زعيم الفصيل السياسي المناوئ للّاجئين ونظام الأسد، واتفق معه على الامتناع عن بث الخطاب المعادي للسوريين في وسائل التواصل الاجتماعي.

أما أقرب حالات التمييز المحلي فقد حدثت خلال الإغلاق الأول بسبب جائحة كورونا، عندما فرضت ثمان بلديات حظر تجول صارمًا في بداية شهر مارس، ما قلص حركة  تنقّل اللاجئين إلى ثمان ساعات تقريبًا في اليوم.

ويتفق عبد الله وجميلة خضر على أن هذا النوع من العنصرية  آيلٌ  إلى انخفاض. وذلك بسببين: أولهما حملات التوعية التي ينفّذها النشطاء، وبرامج المنظمات غير الحكومية التي تتيح للبنانيين والسوريين الاختلاط فيها والعمل معًا. والثاني هو وجود المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي الذين يرصدون أي محتوى قد يسبب مشكلات أو يثير الغضب، حسبما ذكر عبد الله.

لكن عبد الله شدد على أن التغيير الجذري لن يكون ممكنًا إلا بتغيير الخطاب السياسي والتشريعات.

السياسة على خطأ

طلب وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل عام 2019 مساعدةً دوليةً لإعادة اللاجئين إلى سوريا. كما وقف طوال السنوات السابقة ضد  منح حقوق المواطنة للأطفال الذين يُولدون من زواج لبنانية برجل سوري أو فلسطيني.

ويرى عبد الله أن هذه الخطابات استخدمت السوريين كأحجار الشطرنج لجمع أكبر قدر من التبرعات من المساعدات الخارجية. إلا أن ذلك لا ينفي تأثيرها النفسي.

وقال: “نحن نشعر بالقهر في كل مكان نذهب إليه. وفي لبنان ليس لدينا أية حقوق، ولا تنطبق الصور النمطية علينا، ولا يهتم السياسيون لنا”.

وأردف يقول إنه  بعيدًا عن أي خطاب كراهية منتشر على الإنترنت أو على أرض الواقع، فإن السوريين لديهم رؤية في تحليل القضية بالمنطق، ويرون أن العنصرية لا تعبّر عن طبيعة الشعب اللبناني، وإنما عن واقع حفنة من السياسيين الطامحين لكسب المواقف السياسية.

ورغم رفع الأزمة اللبنانية مستويات الوعي والتعاطف، فما تزال النساء واللاجئون أكثر الفئات عرضة للخطر من حيث الحقوق والحماية القضائية. فقد أضافت جميلة خضر التي تعمل كذلك مع المنظمة النسوية فيمايل Fe-Male أنه نتيجة كون الرجال هم المسؤولين بحكم التقاليد عن إعالة الأسرة، فإن النساء معرّضين بشدة لغضبهم الناتج عن معاناتهم من أجل  توفير لقمة العيش في أوقات الأزمات الاقتصادية.

وقالت خضر: “تقليديًا،  ينظر للمرأة على أنها ملكية ضعيفة لرجال الأسرة، لذلك لا يرى الرجال أنهن يستحققن المعاملة بمساواة. وعلاوة على ذلك، فإن تقصير السلطات في إنفاذ القوانين التي تحمي المرأة يعزز من سلطة الرجل”.