وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عنفٌ متصاعد يعترض له الأكراد واللاجئون السوريين في تركيا

syrian refugees turkey
أطفال سوريون يجلسون على أمتعتهم أثناء الانتظار مع آخرين لصعود الباصات المتوجهة إلى سوريا يوم ٦ أغسطس ٢٠١٩ في منطقة إيسينيورت بإسطنبول. وكانت بلدية إيسنيورت الموجودة غرب إسطنبول تقدم الدعم للاجئين السوريين الراغبين بالعودة طوعاً إلى سوريا عبر توفير خدمة الباص لنقلهم إلى وطنهم. المصدر: OZAN KOSE / AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالة سلطت الضوء على المصاعب الكبرى التي يواجهها الأكراد واللاجئون السوريون في تركيا نتيجة ما يتعرضون له من حالات عنف واسعة في الآونة الأخيرة. ويتناول ياسين دومان، وهو طالب دكتوراه من مركز الثقة والسلام والعلاقات الاجتماعية بجامعة كوفنتري البريطانية، في مقالته نظرة المجتمع التركي للاجئين السوريين. ويبدأ دومان مقاله بذكر مجموعة من حوادث العنف والقتل والعنصرية التي يتعرض لها اللاجئون السوريين، ليحلل بعد ذلك دور الدولة في هذا العنف وتشجيع المجتمع على كراهية الأقليات. وبحسب رأيه، فإن النظام التركي نظامٌ سلطوي مستبد يُقصي الأقليات على أسس عرقية. ويسرد دومان عدة عوامل تدعم هذا النهج وهي الاستقطاب والغيرية والسياسات القومية والإفلات من العقاب.

وعلى مدار الأشهر الأخيرة، يعيش اللاجئون السوريون والمهاجرون والمهجرون الأكراد من أبناء تركيا حالة من القلق بعد تعرّضهم لسلسلة من الهجمات. وشهد شهر يوليو الماضي وفاة مراهق سوري يعمل بائعًا في أحد أسواق مدينة بورصة شمال غرب تركيا بعد أن تعرّض لهجوم شنه عليه عدد من الرجال.

كما شهد سبتمبر الماضي مقتل مراهق سوري آخر يعمل في مخبز بمدينة سامسون شمال البلاد بعد شجار وقع في أحد الشوارع. وقال شقيقه الذي شهد الواقعة إن ما حدث كان هجوماً عنصرياً.

وفي نهاية الأسبوع نفسه، قُتل شاب كردي بالرصاص في مدينة فان وكان يعمل في مجال الإنشاءات غرب تركيا كما أُصيب اثنان من أصدقائه. وقبل ذلك بأسبوع، قال أفراد عائلة كردية من مدينة ماردين، وهم عمال زراعيون موسميون في مقاطعة سكاريا التركية التي استُهدف فيها الأكراد مراراً، إن أتراك محليين قد تعرضوا لهم بإهانات لفظية واعتداء جسدي.

وبحسب دومان، فإن هذه الهجمات الأخيرة الموجهة ضد اللاجئين السوريين والأكراد تكشف مدى تأثير السياسات القومية للنظام التركي المستبد والعنيف على تصور المجتمع وموقفه من الأقليات غير التركية وما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة.

لا مفر للسوريين

مرت تسع سنوات منذ بدأت رحلة لجوء السوريين في تركيا، ويتواجد الآن نحو 3.6 مليون لاجئ سوري مسجلين لدى الحكومة التركية تحت مسمى “أجانب تحت الحماية المؤقتة”. ومع طول أمد الصراع في سوريا، تبددت الآمال في أن تكون إقامتهم مؤقتة وحلّ محلّها قلقٌ من وضع يبدو أنه أكثر ديمومة.

ويرى دومان أن مجرد تفكير اللاجئين في الانتقال إلى أي مكان آخر ربما أصبح في حكم المستحيل بسبب الحرب الأهلية المستمرة وعدم الاستقرار في سوريا. ويضاف إلى ذلك اتفاق عام 2016 بين الاتحاد الأوروبي وتركيا والذي يمنع اللاجئين إلى حدٍ بعيد من عبور بحر إيجة من تركيا وصولاً إلى اليونان. ويعتبر ذلك الاتفاق تركيا دولة آمنة للاجئين السوريين. ومع ذلك، عادة ما يتعرض الأتراك بالأذى للاجئين السوريين وممتلكاتهم.

النزوح الكردي

يشكل الأكراد ما يتراوح بين ٢٠٪ و٢٥٪ من سكان تركيا البالغ عددهم 82 مليون نسمة. وعلى مدار القرن المنصرم، نزح ملايين الأكراد داخل تركيا بسبب النزاعات في جنوب شرق البلاد (شمال كردستان) بين قوات الدولة التركية والجماعات المسلحة الكردية. وتجدر الإشارة إلى أن مصطلح كردستان الشمالية هو مسمى يستعمله حزب العمال الكردستاني وأحزاب سياسية كردية أخرى للإشارة إلى المنطقة التي يقطنها الأكراد في شرق تركيا والجنوب الشرقي للبلاد.

وحدثت موجة النزوح الأولى في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي ثم تلتها موجة أخرى في التسعينيات. أما عن أحدث موجة من الهجرة القسرية، فقد وقعت بعد اندلاع صراع في يوليو من عام 2015 بين القوات التركية وحزب العمال الكردستاني جنوب شرق تركيا وتحديداً في محافظات ديار بكر وماردين وشرناق وهكاري.

ويذكر دومان أن بعض الأكراد قد تفاءلوا وظنوا أن بإمكانهم العودة آمنين إلى وطنهم على مدار الصراع المستمر منذ 40 عاماً بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني، بما في ذلك عقد التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين. لكن غالبية الأكراد النازحين رغبوا عن العودة بسبب الصراع الطويل وعدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في موطنهم الأصلي. كما لعبت السياسات الحكومية التي تركز على النمو الاقتصادي بدلاً من المصالحة وتعويض النازحين دوراً مهماً في ترددهم.

وبحسب صاحب المقالة، فإن السياسات العدوانية والمناهضة للديمقراطية التي انتهجتها الحكومة منذ عام 2016 لاستهداف السياسيين الأكراد والمنظمات السياسية والثقافية التابعة لهم، أدت إلى تفاقم المشاعر المعادية للأكراد في البلاد. كما لعبت السلطوية التركية المتجذرة دوراً مماثلاً في هذا الجانب.

وأصبح اللاجئون السوريون والأكراد النازحون ضحايا لأعمال العنف التي تمخض عنها الصراع. وشملت هذه الأعمال العنف المباشر والتهميش والتمييز والعنف الثقافي ضد هويتهم وتراثهم.

ومن خلال تقرير صادر عن جمعية حقوقية تركية كردية ترصد أوضاع حقوق الإنسان في البلاد، تبيّن أن الجرائم المرتبطة بالعنصرية والكراهية ضد الأقليات ومن بينهم السوريين والأكراد أدت إلى عشرات القتلى ومئات الجرحى في العقد المنصرم. ويعتقد دومان أن ثمة أربعة عوامل رئيسية قد أدت إلى هذا العنف وهي الغيرية والسياسات القومية والاستقطاب والنجاة من العقاب.

سياسات الهوية

لعبت سياسات الهوية القومية منذ بداية القرن العشرين دوراً حاسمًا في العنف الممنهج ضد الأقليات في تركيا، لا سيما الأرمن والآشوريين واليونانيين والأكراد. ويرجع هذا النهج الاستيعابي العنيف إلى سياسات التتريك التي تهدف لترويج الهوية التركية السنية في حين تحرم الأقليات من حقوقها.

بيد أن بعض الأقليات كالأكراد انتهجت المقاومة السياسية والمسلحة ضد التتريك، فأتى رد الدولة من خلال أعمال عنف وتمييز واسع النطاق ضد أولئك الذين يرفضون الاستيعاب. وعلى هذه الخطا، يؤكد حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب إردوغان على أجندة شعارها “دولة واحدة، أمة واحدة، علم واحد، لغة واحدة”. ولم يؤدي تجاهل التنوع على هذا النحو إلا إلى تفاقم المشاعر المعادية للأقليات.

ويرى دومان أن عملية تقسيم الناس إلى “نحن” و”هم” والتي تتسم بانعدام الثقة وعدم المساواة والتهميش على أساس هوياتي قد أصبحت واسعة الانتشار في تركيا. وقد أدى ذلك برأيه إلى التنميط والتمييز والاستبعاد الاجتماعي لجماعات إثنية معينة.

وعلى هذا النحو، أصبح السوريون، كحال الأكراد من قبلهم، “الآخر” الجديد في تركيا، ما يعود السبب فيه إلى الجدل السياسي العام وتصوير الإعلام للسوريين كتهديد للأمن والاقتصاد.

الاستقطاب والإفلات من العقاب

يرى دومان أن الاستقطاب على أسس إثنية وأيديولوجية يساهم أيضًا في تعزيز العنف، خاصة عندما تتهاون الجهات المسؤولة بالتحقيق في عنف المواطنين الأتراك والدولة. وبحسب صاحب المقالة، فإن ذلك يشجع أولئك الذين يتعرضون للاجئين والنازحين لأنهم يتخلصون من الملاحقة القضائية بسهولة.

ويصل الكاتب إلى استنتاج مفاده أن سياسات الحكومة وتصورات المجتمع وموقفه من اللاجئين السوريين والأكراد النازحين تزيد من حدة العداء العام ضدهم. إذ أن الحكومة الائتلافية التي شكلها حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية في فبراير من عام 2018 – والتي كان لها قدرة لافتة على كسب أعداء محليين وإقليميين ودوليين – تضطهد منظمات المجتمع المدني وأحزاب المعارضة اضطهاداً متزايداً.

ويختم دومان مقالته بالتالي: “في الوقت ذاته، أدت المحاكمات التعسفية وضعف العادلة تحديداً منذ محاولة الانقلاب الفاشلة ضد حكومة إردوغان في يوليو من عام 2016 إلى إسكات الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والسياسيين المعارضين. ولذلك، فإن احتمال معالجة العنف في وقت قريب احتمالٌ ضعيف للغاية”.

ملاحظة: الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.